Image Not Found

الحداثة وجدلية المرجعية (5 – 7)

صادق حسن اللواتي

النشأة والمفهوم (5)

تحدثت في الحلقة الآنفة أنه ينبغي علينا التأمل بعمق في تفسيرالمصطلحات والأفكارلأن لا يمكنك أن تخرج كليا عن عصرك وتهمل المشروطية التاريخية ، نكمل بحثنا وبالله الإستعانة.

طبعا أنت عندما تقرأ الخصائص التاريخية للحضارات ترجع بفكرك إلى أين تقف من هذه الحضارة أو تلك؟ هل تعيش في عصرالأنوارأم تعيش في عصرالظلمات (القرون الوسطى) حيث أن المدة التي استمرت هي أكثرمن 1000 سنة أليس كذلك. هذه المدة الزمنية طويلة جدا بالنسبة إلى الحضارات الأخرى. ركزوا معي رجاء.

عندما نتحدث عن التقدم العلمي والثقافي والفكري في الحضارة الإسلامية في القرون التي كانت أوروبا تغط في النوم ، ما هي المدة الزمنية التي عاشت فيها الحضارة الإسلامية عصرالحداثة أوعصرالأنوار؟

الجواب : سبع قرون منذ بزوغ فجرالإسلام حتى القرن السابع الهجري ، خلال هذه الحقبة كانت هناك أبحاث علمية واكتشافات فلكية وصناعية وتقدم في علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلسفة والترجمة حتى أسس المأمون العباسي دارالحكمة للترجمة فكل ما كان يرد من الفكراليوناني كان يترجم لمعرفة ما لدى الآخرين ثم بدأ عصرالتقهقر، عصرالرجوع إلى الخلف. نستنتج أن الحضارة الإسلامية عاشت عصرالحداثة في وقت كانت أوروبا تعيش عصرالظلمات (القرون الوسطى) .

ومع الحملات العسكرية للمغول على البلدان الإسلامية نهض الغرب من سباته وأخذ يترجم كل ما عند المسلمين ، فبدأ عصرالتنويرفي الغرب وبدأ عصر الظلمات (القرون الوسطى) عند االمسلمين. أفاق المسلمون في القرن التاسع عشر ووجدوا أنفسهم محاطين بالنظريات العلمية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والسياسية واكتشاف أسرارالكون ، فعرفوا أن الغرب تقدم عليهم سنوات ضوئية وليس سنوات تاريخية.

الآن قل ما هي المدة الفارقة بين الغرب وبين المسلمين ؟ هم بدأوا في القرن الخامس عشر والمسلمون بدأوا في القرن التاسع عشرلنقل 4 أو 5 قرون. كيف يريد المسلمون ردم هذه المدة حتى يصلوا إلى مستواهم العلمي والعملي؟ وهل سيسمح الغرب للمسلمين أن يتقدموا عليهم ؟ الجواب : مؤكد لن يسمحوا ، أتدرون لماذا ؟

لأن المسلمون عندما كانوا في أوج تقدمهم العلمي والنهضة العلمية لم يكن لهم منافس في الميدان ، بينما المسلمين الآن هم من ينافس الغرب في حركته التنويرية ، وكن على ثقة سيضع الغرب أمام المسلمين عوائق وعراقيل تشغلهم عن التنافس معه ، وهذا الذي يحدث الآن إليكم هذا الشاهد :-

أمريكا باعت الطائرات الحربية إف 16 إلى ماليزيا يقول (مهاتير محمد) رئيس الوزراء الماليزي الأسبق في مقابلة له مع قناة الجزيرة الفضائية في 7-5-2020 (اكتشفنا أن الولايات المتحدة باعتتنا الطائرات إف 16 بدون الشفرات الأساسية وبدون برمجة لانستطيع صد هجوم علينا من أي بلد دون الحصول على البرمجة من الإمريكان) مما أجبرهم على استخدامها للعروض العسكرية فقط ومن ثم رميها في مكب النفايات.

سؤال : كيف تقدم الغرب في حركته التنويرية ؟ قبل الإجابة تعالوا معي لنتعرف على نشأة الحداثة ومفهومها أولا. يقول (دهام حسن) الكاتب السوري الذي يسعى إلى التوفيق بين الليبرالية السياسية وبين الماركسية : (أن الحداثة لغة كما ورد في المنجد هي مصدرللفعل الثلاثي المجرد “حدث” .. والحداثة من الأمر، أوله وابتداؤه ، وتقابلها في المعنى القدامة ، وهي مصدرلفعل قدم ، وقدامة الشيء أي مضى على وجوده زمن طويل… ونقول عن الشيء هو قديم ، أو هو حديث).

أما اصطلاحا فإن الحداثة هي من المصطلحات التي تسعى إلى تغيير الموروث الثقافي والاجتماعي والفكري القديم وهي عملية مستمرة في أعمال الفكروالتطلع نحو التجديد ، بدأت هذه الحركة في أوروبا في عام 1436م مع بداية ظهورأول طابعة متحركة تقدمت الحداثة بكل قوة مع ثورة كنج مارتن لوثرضد الكنيسة ،

عندها بدأت تظهرالنظريات في علم الاجتماع والبحث عن العدالة الاجتماعية ورفض الطبقية وحدوث الثورات الاجتماعية وبروزالمدارس الفكرية كالماركسية والشيوعية والرأسمالية والاقتصاد والتجارة الحرة.

تطورالعلم واصطدم مع الدين وبدأوا الدعوة إلى نظام علماني وحكم علماني لا يسمح للدين بالتدخل في أمورالحياة العامة ، تغيرت نظرة السياسة وظهر فلاسفة السياسة (كهوبز وميكافيلي وجان بودان) فظهرت نظرية العقد الاجتماعي على يد (جان جاك روسو وجون لوك ومونتسكيو).

انتصرت الحركة التنويرية وأعطت للآلة جمالية مستقلة على أساس أنها امتداد لليد الإنسانية وظهرت القيم الأخلاقية التي تنسجم مع هذه الآلة التي وفرت كثيرا من العناء في الاعتماد على الجهد البشري.

يقول (غازي صوراني – نشأة الحداثة وتطور تاريخ الفقه الإسلامي) (ففي ضوء الحداثة والتنويردخلت أوروبا إلى عصرالليبرالية وحرية الرأي والمعتقد وحقوق الإنسان وعدم سجن الناس على آرائهم السياسية في إطار راسخ من الديمقراطية وتداول السلطة بحيث يعرف الرئيس المنتخب أنه سيعود مواطناً عادياً بعد انتهاء مدته).

والدكتور(عبداله بلقزيزالمغربي) قال في دراسته للحداثة (أن الحداثة هي ظاهرة في تاريخ الفكرالإنساني حملت معنى محدد في وعي من استقرعلى وصفها بالحداثة بأن ميز ذلك الوعي بين منظومة الحداثة الفكرية ، وما سبقها من لحظات فكرية ؛ مثل حقبتي عصرالإصلاح وعصرالنهضة ، واستمرالعرف جاريًا على تعيين سماتها بالشكل الذي يخرجها من دائرة الإشتراك في الشبه ما قبل الحداثة ومابعد الحداثة).

وهناك تعريف آخرأكثرعمومية منه عند عالم الاجتماع الروسي (كرافيشنكو) أن (الحداثة هي مرحلة جديدة من التطورالاجتماعي والثقافي للمجتمع).

نكمل بحثنا في الحلقة (6) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء.

النشأة والمفهوم (6)

تحدثت في الحلقة (5) عن تعريف الحداثة ، نكمل بحثنا وبالله الاستعانة.

هناك نقطة جد مهمة لابد من الإشارة إليها وهي أن الحداثة جاءت من مادة (حدث) والمراد منها شيء جديد سيقع حاضرأو مستقبلا ويقطع مع القديم وقد يكون لهذا (حدث) شكلا مغايرا ليس بالضرورة أن يتخذ نفس الشكل القديم أو النموذج القديم ، مثلا إذا ما جئت إلى النصوص القرآنية ستجد أن فيها دلالات عن أمورستقع كما في الآية 70 من سورة الكهف (فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا).

وهنا يجب أن نلتفت إلى لفظ (حدث) إذا نظرنا إليه باعتبارأنه يقطع مع الماضي نجد أنه يدورمع عقارب الساعة ويطوي الزمن ، ولكن إذا ما نظرنا إليه من زاوية موضوعية نجد أنه نوع من الإستصحاب ،

والإستصحاب في الفقه معناه إظهارالفقيه الشيء الجديد مستصبحا ما كان عليه حكم السلف الصالح ، وهو مفيد من جهة أنه يُظهرالجديد ومُخالف من جهة أخرى أنه يستصحب القديم ليكون جزءا من الجديد ،

و(الاستصحاب) في الفكرالحداثي معناه الإنتقال من القديم إلى الجديد ولكن لا يستصحب معه القديم ليكون جزءا من الجديد وإن كانت جذوره من القديم وهو يقطع من الماضي أيضا ولكن لا يتخذ الشكل القديم أو النموذج القديم.

يقول (محمد نورالدين – الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية ص 121-122) عن الناقد يورغان هابرس (أن لفظة الحديث تجرورائها تاريخا طويلا ، ذلك أن كلمة (الحديث) استعملت في القرن 5 الميلادي للتمييز بين الماضي الروماني والوثني وإن كلمة الحديث تعبرعن مرحلة الوعي) وهذا يدل أن لفظ (الحديث) استخدم قبل القرن 15 م.

يقول المفكرالفرنسي هنري لوفيفر في مقدمة كتابه (مالحداثة – ترجمة كاظم جهاد) (أن المدن في شمال فرنسا كانت تدارفي القرون الوسطى وفق الممثلين ينتخبون وكانوا يدعون (بالحداثيين) وإذا شارفت فترتهم على الانتهاء كانوا يدعون (بالقدامى) تميزا لهم عن الحداثيين).

إذن الحداثة مرت في ثلاثة مراحل : المرحلة الأولى : المرحلة الكلاسيكية (التقليدية) ، المرحلة الثانية : المرحلة التنويرية أو الحداثية ، المرحلة الثالثة مرحلة ما بعد الحداثة.

ما يهمنا في هذا البحث المرحلتين (الكلاسيكية والتنويرية) والتي نجدهما دائما في تاريخ كل أمة من الأمم مرحلة مظلمة ومرحلة صحوة ، فالواحدة تعقب الأخرى وهذا لا يعني أنه إذا جاءت الحداثة لن يبقى من الحقبة الكلاسيكية شيء لا أبدا وهذا ما سأقوم ببيانه لكم الآن.

مصطلح (الكلاسيك) ظهرفي القرن الثالث عشرالميلادي واشتقاقه يعود إلى لفظ (كلاس class ) ويعني الصف أو صف في مدرسة قديمة بمعنى هناك مدرسة في حقبة زمنية كانت تدرس مجموعة مواد في الصفوف ثم أدخلت بعض التغيرات على مناهج التدريس حتى وصلنا إلى تحديث هذه المدرسة.

فسميت (المدرسة الحداثوية) بعد أن كانت تسمى (بالمدرسة الكلاسيكية التقليدية) التي قامت على مبادئ منها أولا : رؤية الإنسان ككائن اقتصادي أو اجتماعي أو فكري يتأثربتأثرالتغيرات المحيطة به ، ثانيا : تفاعل الإنسان مع نظام مغلق فكريا أو عقائديا ، ثالثا : مبدأ النظام الهرمي الذي يتفاعل معه هذا الإنسان فمحورية المرحلة الكلاسيكية هو الإنسان. تعالوا معي لننظرهل توجد مرحلة كلاسيكية في الإسلام أم لا ؟

إذا صادفت شخصا أوروبيا وسألك هذا السؤال : هل يوجد لديكم كمسلمين فكرتقليدي أو كلاسيكي ومن ثم تحولتم إلى فكرحداثي إسلامي ، يوجد أم لا ما هو جوابك ؟

إذا كنت تملك وعيا تاريخيا وهذا التاريخ حاضرأمامك فإن الإجابة لن تكون ساذجة ولكن إذا كنت لا تملك الوعي التاريخي فالإجابة ستكون ساذجة ، مثلا ابن سينا إذا أردت تقديمه إلى أوروبا كعالم من علماء المسلمين له أبحاثه ونظرياته ،

وكنت تعرف مناهجه العلمية ومنطلقاته الفكرية ومبانيه الفلسفية ومعرفته الأخلاقية والدينية فأنت تملك الوعي التاريخي ، أما إذا كنت لا تعرف فهذا يعني أنه لايوجد تطورعند المسلمين.

للتوضيح أكثرإذا سُئلت لماذا الشيعة يستخرجون الخمس من موارد كثيرة وأهل السنة لا يستخرجونها إلا من غنائم الحرب ، أليس من بيَنَ فقه الخمس هو نبي الإسلام أم لا ؟

فإذا كنت تملك تاريخ المراحل التي مر بها فقه الخمس وتستطيع مقارنة اجتهادات فقهاء المسلمين قاطبة والنصوص التي اعتمدوا عليها فيه فإن الإجابة ستكون مفيدة ،أما إذا كنت لا تملك هذا التاريخ فمن منكما في النقصان أنت أم هذا السائل ؟

لا تقل لي أنا أتبع مذهبي والآخر حر بما يقول به مذهبه. هذا الإنسان الأوروبي لا يسألك عن مذهبك هو يسألك عن التشريعات التي تتبعها والتي بينها نبي الإسلام (ص) للمسلمين ونحن نعرف إن التشريعات السماوية لا تتجزأ في قوالب مذهبية ، ومن قال غيرهذا فهو واهم.

نكمل بحثنا في الحلقة (7) إن شاء الله تعالى… إلى اللقاء.

النشأة والمفهوم (7)

توقفنا في الحلقة الماضية عند المرحلة الأولى من المراحل التي مرت بها الحداثة وهي (المرحلة الكلاسيكية) نكمل بحثنا وبالله الإستعانة.

قبل فترة من الزمن كنا نفكرأن المشاكل التي تواجهها البشرية هي بسبب الدين وأنه بمجرد إصلاح الدين ستُحل جميع مشاكل البشروالقائلين بها ليسوا مخطئين لكنهم لم يحددوا نصيب من أكبرفي هذه المشاكل الإنسان أم الأديان ، نحن نعرف أن الإنسان كان في طورالسكون ، ما هو هذا الطور؟

هو طورميكنة التحكم في النموالوراثي والتطورالذي يلحقه بعد فترة السكون، فالإنسانُ يعطي أهميةً للأفكاروطريقة تنظيمها وتجييرها خدمة لمصالحه ، فهو لم يطورفقط الأفكارالدينية بل أيضا الأيدلوجيات بما يتوافق مع أغراضه وراح يستخدمها في كل مرة أراد فيها السيطرة على غيره من البشر.

قل لي كم كتابا أنزله الله على موسى النبي (ع) كتابٌ واحد التوراة ، وعلى عيسى النبي (ع) كتابٌ واحد الإنجيل ، وعلى خاتم النببين (ص) كتابٌ واحد القرآن الكريم ، أليس كذلك ولكن كم عدد الكتب التي تفسرالكتاب الأساسي وتشرحه ؟، بل كم عدد الكتب التي تفسرمسألة واحدة من الكتاب الأساسي وتشرحه ؟ تعد بالآلاف.
مثلا المحرمات في القرآن الكريم محصورة في السورالتالية ((سورة الأنعام الآيتان 151-152) ، (سورة المائدة الآية 3) ، (سورة الأعراف الآية 33) (سورة النساء الآيتان 23-24) (سورة البقرة الآية 275 )) ،
وهي على النحوالتالي كما ذهب إلية د. محمد شحرور (الشرك بالله ، عقوق الوالدين ، قتل الأولاد ، اقتراب الفواحش ، قتل النفس المحترمه ، أكل مال اليتيم ، الغش في التجارة ، شهادة الزور، نقض العهد ، أكل الميتة ولحم الخنزير وما أًهل لغيرالله ، البغي ، نكاح المحارم ، الربا ، التقول على الله) ،

هل توجد في هذه المحرمات إشارة إلى المحرمات المشهورة عند الفقهاء كالطهارة والنجاسة ؟ الجواب كلا ، إذن لماذا دونت آلاف الكتب فيها ؟ الجواب أولا : المحرمات التي اختص بها الله في كتابه لا يحق لنبي أو لغيره أن يحرم شيئا خارج هذه المحرمات ، ولكنه في نفس الوقت مخول بالنهي عن أي فعل يؤدي إلى المفسدة العامة.

ثانيا : المحرمات المشهورة عند الفقهاء هي محرمات عرفية فهي تخضع لإثبات الواقع ضمن مصلحة عقلانية ظاهرة ومفسدة عقلانية ظاهرة ، إذن مسارالفقهاء في المحرمات المشهورة هوالمسارفي الاستدلال العقلي والفكر الكلاسيكي الحداثي يقول عن العقل أنه بما يملك من قدرات فهو محدود في إدراك الحقائق.

فماذا سيحدث إذا كان العقل محدود الإدراك ؟ الجواب : غياب حالات الرضا عن كل ما هو موجود ، كيف ؟ قبل الإجابة عليه دعونا نسلط الأضواء على مفهوم الإنسان في الفكرالحداثي وفي الأديان ، ركزوا معي رجاء.

أنا قلت في بعض أبحاثي أن لفظ الإنسان يطلق على الذكر والأنثى وهذه التسمية جاءت من الأنس أي (الإنسي) إذن هناك تمييز بين (الإنسي) بوصفه صفة (والإنسان) بوصفه إسما فأصبح لدينا في لفظ واحد (اسم وصفة) (الإنسان والإنسي) ما هوالفرق بينهما ؟

(الإنسان) يقول (محمد أركون) في كتابه (معارك من أجل أنسنة في السياقات الإسلامية ص 7) (هوذلك الكائن الذي له حرية الإختيارفي إعادة بناء عقائده وأفكاره على أساس إنساني خالص ، فهوغاية في ذاته وهو مصدر المعرفة بوصفه قيمة عليا تصدرعنه الاجتهادات لفهم الإنسان والمجتمع البشري كله وترجع إليه).

أما (الإنسي) يقول (أندري لالاند في موسوعته جزء 2 ص 569) (إنها مركزية إنسانية تنطلق من معرفة الإنسان وموضوعه وتقويم الإنسان وتقييمه واستبعاد كل ما من شأنه تغريبه عن ذاته سواء بإخضاعه لحقائق وقوى خارقة للطبيعة البشرية أم بتشويهه من خلال استعماله استعمالا دونيا دون الطبيعة البشرية).

نستنتج أن الأنسنة هي ردة فعل على التقديس الذي يغلِفُ كل مجالات حياة الإنسان وهذه الصرخة أبعدت مفهوم الإله عن حياة الناس ، فما لله لله وما لقيصرلقيصرفتم تحريرالإنسان من براثن العقل اللاهوتي .

أما مفهوم الإنسان في الأديان فهو خليفة الله في أرضه ، إذن لدينا ثنائية ذات طرفين في الأديان الأول : الله والثاني : ما سواه من المخلوقات ، فهناك وجود إلهي وهناك وجود عالمي أوما يطلق عليه عالم الشهود ، ويأتي الإنسان في أعلى مراتب المخلوقات لأنه خص بعلاقة مميزة مع الله.

يقول (د.علي شريعتي) في كتابه (الإنسان والإسلام ص 11) (هل الإنسان في نظرالإسلام موجودعاجزغاية هدفه ومثاليته أن يبقى عاجزا أمام الله وهل ينظرالإسلام إلى الإنسانية بنظرة الأصالة أم لا …. إن الاعتقاد بالإسلام هو نوع من أصالة الإنسان والإعتراف بقيمته وعظمة خصائصه) وسرقوته أن الله علمه الأسماء ، وفي ص 20 يقول (فالفضيلة التي يتميز بها الإنسان على جميع الموجودات في العالم هي إرادته).

إذن مفهوم الإنسان في الأديان هو في العلم والمعرفة وأنسنته تكون في قوة إرادته ، وفي الفكرالحداثي الغربي الإنسان حرفي بناء عقائده وأيدلوجياته و أنسنته تكون في كسرالغلاف المقدس الذي يحوط الإنسان من كل جانب ، فكلاهما يتفقان في إرادة الإنسان في التغييرويختلفان من حيث مرجعية مصدرالمعرفة.

نكمل بحثنا في الحلقة (8) إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء.