Image Not Found

عاشق مطرح يترجل عن صهوة جواده

د علي محمد سلطان

الحاج علي عبدالحسين الحاج علي أو كما عرفوه ب علي عبدالحسين الشيخ من الوجوه التي ولدت في مطرح وعاش فيها كل عمره إلى يوم رحيله ( 26/5/2021 ) وقد ناهز التسعين ( مواليد 1933) في الوقت الذي عاش أقرانه فيها ثم إستقر بهم النوى في مساكن بعيدة عنها لا زهدا فيها بل حبا لمزيد من الدعة والراحة ومع التوسع العمراني وزيادة من السعة في المال.

بقي علي الشيخ متشبثاً بمطرح لا على مستوى السكن فحسب بل كاشحا ثوبه عن أطراف المدينة التي ولد فيها حتى في تجاراته وتنامي عقاراته فكلما ازداد ماله ازدادت قناعته بأن أبواب الرزق سعتها في سعة آفاق هذه المدينة التي لاتضاهيها مدن الدنيا في نظره فظل يتوسع في جغرافيتها ورويدا رويدا أحضر عالم المال والعملات وأسواق النفط وتجارات الذهب في عالمها التجاري وبمجهوده الفردي يفوق الوصف كما سنأتي على تفاصيله تباعا.
عالم الأصدقاء والمشيخة:

يعتبر علي الشيخ واحدا من أنشط الشباب في عالم الصداقات ( معظمهم غادروا الدنيا) فقد كان حجر الزاوية في امتداد رقعة العلاقات لمجموعة كانت من أنشط الشباب في الخمسينيات ومابعدها بإقامة المخيمات الشبابية الإستجمامية في قيوظ غلا ومقصوراتها وبراحات السيب وطويانها ووهاد دارسيت ووديانها فقد كانوا يباتون فيها ليالي وأياما متواصلة لاسيما في مناسبات الأعياد والمناسبات والإجازات المفتوحة مع دخول فصل الصيف.

ولسخاء نفسه ودماثة خلقه وأريحية طباعه وحبه لإخوانه فقد أكسبته هذه الأخلاق الحميدة حباً في النفوس حيث جُبلت النفوس على حب الخير فقد لاذوا تحت رايته وأحاطوه إحاطة السوار بالمعصم حتى إذا انتهت مشيخة الحاج علي عبداللطيف فاضل للواتيا مع التحاقه برفيقه الأعلى عام 1963 فقد اتجهت أنظار إخوانه من الأصدقاء والخلص من مريديه بأن يقلدوه مقاليد المشيخة التي كانت يومئذ تجري بالإنتخاب الداخلي لكنه رفض هذا الدور وبقي لقب الشيخ ملازما له فيما بقي هو عضيدا للشيخ الذي كان يشير عليه فيوسع في النصح والإرشاد وكل أنواع الدعم الذي يخرج من تحت يديه كما بقي مع اللجنة الإجتماعية ردحاً من الزمن وفي خدمة المآتم الحسينية حتى آخر يوم من عمره.
وبقيت علاقاته بأصدقائه كما قد بدأت وتزايدت مع الزمن فكان لهم عونا وسندا وكان مكتبه مفتوحا لهم ولحاجاتهم كما أنه كان سخيا في خيراته وعطائه باذلا من حر ماله كتوماً في أُعطياته لعوام الناس والمحتاجين من دون منةٍ أو أذى.
العمل الدؤوب:

عُرف عنه جديته في العمل فقد كان مثابرا نشطا ذو همة عالية فقد بدأ عمله مع والده في باكورة عمره مالبث أن إستقل عنه مع الوقت وبقي شريكا لعمه محمد الحاج علي في صيدلية مطرح ومع بدايات السبعينيات إشترى أرضا من السيد هلال بن محمد البوسعيدي وهي التي كانت عليها يومذاك فرضة ( ميناء صغير ) مطرح من قبل أن يُبنى ويقام ميناء السلطان قابوس وهنا لنا وقفة.

النقلة الأولى في عالم التجارات:
ما أن آلت ملكية الأرض الآنفة إليه حتى أقام أول بناء حديث في أرض الفرضة فأسند مقاولة البناء للوالد محمد بن سلطان رحمه الله وكان ذلك في عام 1974 فقد كان سباقا في إقامة مشروع تجاري على الخط الأول لبحر مطرح وفي موقع كان ولازال يُعتبر من المواقع التجارية المتقدمة ومع عام 1975 إنتهى المشروع الذي ضم مكتبا لصيدلية مطرح وبنك برودا و تشارترد بنك ثم بعد ذلك ومع ثاني التوسع اللاحق للأول فإن برشوتم كانجي فتح موقع الصرافة الكبرى في كل مطرح وقد نافس البنوك في التحويلات المالية كما ونافس تجار بيع الذهب ومن هذا الموقع الأمر الذي جعله ينافس لكميداس تاريا ويد الذي كان يتصدر تجارة عملات الذهب في السوق الصغير في مطرح.

ومن هذا الموقع كسب الحاج علي الشيخ المناقصات الحكومية لجلب الدواء ما جعل صيدلية مطرح منافسة لقريناتها ودخلت كواحدة من المنافسات لكبريات الصيدليات الأمر الذي كان له أكبر الأثر في تنامي الثروة تباعا ومن هنا فقد توسعت رقعة التجارات التي انتهت بالنقلة الأخرى والكبرى في عالم المال والأسواق وبيع الذهب والبترول وهذه لها قصة أخرى.

النقلة في المال والذهب والأسواق العالمية والنفط.
المجهود الفردي والإصرار على جلب العالم في دهاليز سور اللواتيا
من أبرع خطوات هذا التاجر الفذ في عالم العقار والمال هو ذلك المجهود الفردي المضني المحفور في أعماق إرادته بأن يحول عالم الأسواق العالمية في تجارات الذهب والفضة والعملات والبترول في بيت من بيوته المطلة على الشريط الساحلي لمدينة مطرح فقد بدأ بالخطوة الأولى عبر صديق هندي فتعلم منه الدخول في عالم الذهب وبجهود فردية محضة وضع أولى أقدامه على عالم الأسواق فذهب إلى دبي في أسفار متلاحقة يتاجر بالذهب وبعلو الهمة تعلم ثم تعلم فبدأ وعبر الشاشة يلامس مفاتيح الخزائن المدفونة في صناعة المال وهنا ومع التوسع في فهم العوالم الغامضة بفك الشفرات تعلم الكثير ما مكنه من سبر أغوار الأسواق وبروحية المغامرين المعهودة من تجار مطرح كسب المزيد من الخبرة وفي خطوة غير مسبوقة طرق أبواب عالم Market Maker لرويترز ( وكالة الأنباء العالمية) يلح عليهم إلحاح الملحين بأن يمنحوه النظام الكامل لخدماتهم العالمية التي في العادة تُعطى لكبريات المؤسسات المالية حول العالم ومنها بيوت المال والبنوك ومحطات الأخبار العالمية ورُفض طلبه مرارا ومع إصراره وعبر شبكة علاقاته مع أكثر من مؤسسة مالية كان يتعامل معها لاسيما البنوك التي أخذت حيزا في مبناه في أرض الفرضة وبعد جهد جهيد تم له ذلك فأحضر النظام لبيته المطل على الشريط الساحلي مع الشاشة الكبرى وتدرب على استخدام المفاتيح والدخول في كوامن النظام ما جعله خبيرا دونه خبراء العالم في أسواق الذهب والفضة وهو على بساطة تعلمه من المدارس الأهلية على أيدي أساتذة محليين غدا أكبر صياد الصفقات في عالم الذهب والفضة فمع أولى ساعات الصبح وبعد أن يؤدي فريضة ربه يعكف على أسواق دنيا الذهب والفضة والعملات وأسواق البترول ينتهي به المطاف على أسواق أوربا وأمريكا فيشتري هنا ويبيع هنالك بالإضافة إلى متابعاته للتقارير المالية وحركة الأسواق وتقلبات الأسواق والسياسة ومن خلال كشكول التقارير العالمية في دنيا المال يجس نبض العالم فيقلب الصفحات على الرويترز يبيع ويشتري في عالم يموج بالصفقات والحركة والبيوع عبر الشاشات ومن ميزاته أنه لم يكن لينتظر صعود المنحنى الربحي لأعلى التوقعات فيتخلص من السهم متى ماحقق هامشا معتدا ويطوي صفحته.

ومن الأمور التي لازالت عالقة في الذهن هي الأحداث التي تلت غزو الكويت من النظام البعثي الصدامي في 2/8/1990
حيث كان الحاج علي الشيخ ينقل الأخبار لزملائه وأقرب أصدقائه لحظة بلحظة فقد كان يتلقى الأخبار مع كل حدث من الرويترز حيث الوكالة كانت تبث الأخبار المباشرة مع كل تطور وإن أخبار المال هي الأخرى كانت ضمن صميم إهتمام العالم وهنالك تجار كانوا يستقون منه الأخبار الذين كانوا يتعاملون مع الأسواق العالمية وكثيرا من ذوي العلاقة وممن كان لهم أهل وأقرباء في الكويت كانوا على تواصل معه والرجل لم يقصر في توصيل الخبر لهم من مصادره ما كان له دور في تخفيف المعاناة أو الأخذ بالإحتياطات.
وبقيت علاقته بالشاشة إلى 2014 حينما ضعف بصره ووهن جسمه.

علاقاته بأكثر من شخصية من عائلة البوسعيد:
تميز علي عبدالحسين الشيخ بعلاقاته الوطيدة بالسيد محمد بن أحمد البوسعيدي _ مستشار السلطان المغفور له قابوس بن سعيد وطيب الله ثراه.
وهذه العلاقة هي امتداد لعلاقة والده الحاج علي مع الشخصية المقدرة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي.

وقد كانت العلاقة بينهما عميقة متأصلة وكثيرا ما كان يُشاهد السيد محمد بن أحمد البوسعيدي وفي أوقات العصر في دكان علي الشيخ في السوق الصغير وكذلك الحال بالنسبة للسيد معتصم بن حمود البوسعيدي وبقيت زيارتهما له في مكتبه في مبناه في أرض الفرضة متواصلة وعلى ذات الوتيرة وعلى مدى سنين طوال وكما ذكر لي محمد إبن الحاج علي الشيخ بأن والده كان وكيلا شرعيا لعائلتهما كما وذكر لي بأن السيد محمد بن أحمد البوسعيدي هيأ لوالده لقاء وأكثر مع صاحب الجلالة المغفور له السلطان قابوس وقد إلتقاه غير مرة.
مطرح الحاضنة من الولادة حتى الممات والدفن:

من الأمور اللافتة أن جميع من أحاطوا بالحاج علي الشيخ من الأهل والأصدقاء وأهل الجوار فإنهم (وأكاد أجزم) قد تركوا مقار عملهم أو دُور سكنهم إلى حيث المواقع الفسيحة والمكاتب الفارهة وبقي هو في مطرح ( القديمة ) ضمن جغرافيتها ولم يتعداها.
عاش فيها طفلا فيافعا ثم كهلا وشيخا حتى وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا.
بقي محبا والها عاشقا لتربتها يشم رائحة أديمها مع كل إشراقة صبح وإغماضة جفن.

كان يطل من نافذة بيته المطل على يواقيت الموج تعلو تارة وتهبط وعلى أمواج هادئة وهادرة ومع كل تضاريس سنتها فلا يمل من مشاهدة النوارس تغدو وتروح مع كل غدو ورواح.
كان يُحدق في أعالي الموج في ساعات السحر وقد استضاءت بنور الكهرباء الممدودة بالأعمدة المنصوبة فيرى بحر مطرح كما لم يره في صباه حيث الإضاءة الخافتة يومئذ ومع الزمن فقد غدا بحر مطرح متلألاً وضاءً.

ومن فضل الله على الحاج علي الشيخ أنه ومتى ما كان تاجر وآخر يعرض عقاره للبيع وبالأخص على الشريط الساحلي لمطرح حتى تكون له حظوة الشراء وقد وُفق في شراء مبانٍ عدة لأنه كان يعرض أعلى السعر وتتم له الصفقة.

عاش في مطرح منذ نعومة أظفاره وشاءت الأقدار بأن يراها على غير حالتها وهو قد ذرَف على التسعين ومع كل يوم من أيام عمره كان يزداد يقينا بأن لمطرح شأن غير شأن باقي المدن فيزداد إصرارا بأن يبقى فيها حتى ساعة رحيله وهكذا شاءت مشيئة الله.
كان لموت إبنه حسين قبل يوم رحيله بأسبوع غصة عاش مرارتها مذ أن علم بخبر موته ولم تدم له الحياة بعده إلا أياما معدودة.
نسأل الله لهما المغفرة والرحمة وجعل روحيهما مع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.