Image Not Found

التجمعات السلمية وسوق العمل

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية

سارعت القنوات الإعلامية الإقليمية والدولية ووسائل التواصل الاجتماعي للتركيز على التجمعات السلمية التي شهدتها بعض الولايات خلال الأيام الماضية، والعمل على تضخيمها بصورة تتناسب وما هو مخفيٌ في نفس يعقوب تجاه المواقف السياسية الشريفة التي تقفها السلطنة أمام العديد من القضايا العربية التي تهم دول المنطقة ومساعيها في إطفاء الحروب التي شهدتها الدول العربية خلال العقد المنصرم.

الذين خرجوا في هذه التجمعات السلمية هم أبناؤنا وإخوتنا من الباحثين عن عمل، وعن لقمة عيش يسدون بها رمق حياتهم بعدما تعبوا من الوعود والرسائل التي حصلوا عليها. كما إن الذين خرجوا كانوا أيضًا من الذين تمَّ تسريحهم من بعض الأعمال التجارية التي تعثرت خلال جائحة كوفيد-19 منذ أكثر من عام. وهذا أمر طبيعي أن تخرج مثل هذه التجمعات السلمية في بلد كالسلطنة التي منحت الكثير من الحريات لأبنائها بالتعبير عن قضاياهم وتوصيلها إلى المسؤولين بطريقة أو بأخرى، بعدما عجز القائمون عن تنفيذ وعودهم وقراراتهم التي تعنى بإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة التي ما زالت هي المُسيطرة على مُعظم الأعمال التجارية والصناعية والخدمية وغيرها في البلاد.

نحن نتحدَّث عن شعب حي وولّاد تزيد نسبتهم عن 60% من إجمالي عدد السكان في السلطنة، والمقدر بنحو 4.5 مليون نسمة وفق الإحصاءات الرسمية. وهذا أمر طبيعي بأن تزيد الضغوط على الجهات الحكومية ومطالبات الشباب بالتعيين، عكس ما يجري في بعض الدول الخليجية التي تتراوح نسبة المواطنين بها ما بين 8 إلى 10 وإلى 20 أو 30% على الأكثر من إجمالي عدد السكان.

وهذه التجمعات السلمية التي نظمها الشباب من أجل تشغيلهم لو أنها خرجت في بعض الدول الخليجية الأخرى لكان مُعظمهم اليوم في غياهب السجون دون تمكين أهاليهم وأصحابهم من معرفة مصيرهم وأخبارهم. وقد شاهدنا المقاطع التي نشرها الشباب وهم يعلنون عن إخلاء سبيل زملائهم بعد عدة ساعات من إيقافهم في مراكز الشرطة، رغم أنَّ منهم من استخدم العنف والحجارة وأتلف بعض ممتلكات الحكومة والمواطنين.

إن قضية تشغيل العمالة الوطنية يجب أن تُعطى الأولوية في جميع سياسات وقرارات المؤسسات الحكومية وشركاتها، ومؤسسات القطاع الخاص الكبيرة التي لا زالت غائبة عن الحوار مع المؤسسات الحكومية. فلجان التشغيل والعمل بغرفة تجارة وصناعة عُمان يجب أن يكون لها دور أصيل في توصيل رسالتها إلى المؤسسات التجارية والصناعية بضرورة؛ تشغيل العمالة الوطنية وتنسيق جهود هذه اللجان بالغرفة مع المؤسسات الرسمية في وزارات العمل والمالية والاقتصاد وشرطة عُمان السلطانية وغيرها. كما نحتاج اليوم إلى وضع السياسات التي يُمكن من خلالها تأهيل الشباب وفق الاحتياجات والأعمال التي يتم إنجازها في مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص حاليًا، وخلال الفترة المُقبلة؛ ليتمكنوا من الانضمام إليها دون أي تحديات وصعوبات. وهذا ما تخططه الدول الأخرى في العالم بالتنسيق مع المؤسسات التي تعنى بسياسات التعليم والتدريب والتأهيل. فليس من المنطقي أن نُرسل أي شاب للعمل في مؤسسة خاصة وفي أي مهنة أو عمل دون أن يكون لديه معرفة واطلاع بأبجديات ذلك العمل الذي سوف يقوم به؛ الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية تأهيل هذا الشاب مسبقاً بصورة تُمكّنه من أخذ عمله بكل أريحية لاحقًا. وهذا لا يتحقق إلا من خلال وضع السياسات اللازمة لمعرفة نوعية المشاريع القائمة والمشاريع المستقبلية التي سوف تنشئها السلطنة في الخطة الخمسية الحالية 2025 وفي الرؤية المستقبلية “عُمان 2040″، وعلى أساس ذلك يتم التأهيل والتدريب وإحلالهم بعد ذلك.

إن مشكلة العمل في السوق العُماني تكمن في سيطرة الشركات والمؤسسات التي تُدار من قبل العمالة الوافدة التي لا يهمهما تشغيل العُمانيين، وإنما لتحقيق مآرب خاصة بها. فمسؤولو هذه الشركات، وفي غياب أصحاب الأعمال العمانيين يتركون المجال للوافدين في إدارة المشاريع وفي إحضار العمالة الوافدة على أساس القرابة والصداقة لبعضهم البعض، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم أعدادهم في المؤسسات التابعة للقطاع الخاص. هناك الكثير من العُمانيين المؤهلين في وظائف عدة يُمكن له القيام والعمل بها، إلا أنه يتم رفضهم في تلك الأعمال أو مضايقتهم، في الوقت الذي يتحكم المسؤول الأجنبي في إدارة الموظفين وبصورة تؤدي ببعض العمالة الوطنية في الكثير من الأوقات إلى ترك تلك الأعمال والوظائف. ونتساءل هنا عن وضع الأعمال في الشركات الحكومية، وشركات المساهمة العامة التي تُحقق معظمها أرباحًا سنوية، ألا يمكن لها استيعاب بعض العُمانيين المترددين عليها بين وقت وآخر للعمل؟ لا يهم الناس اليوم قلة الأرباح التي سوف يحصلون عليها إذا رأوا بأنَّ أولادهم وإخوتهم ينخرطون للعمل في هذه المؤسسات. وهذا سيؤدي حتماً إلى توسيع العمل التجاري في المجتمع العُماني من خلال رفع عدد العمانيين في تلك الأعمال، وتحقيق نمو اقتصادي أكبر سنويًا. كما ستقل فاتورة التحويلات المالية السنوية للعمالة الوافدة أيضًا.

إنَّ الحديث عن العمل لن يتوقف في بلد تزداد فيه أعداد الخريجين من مختلف المراحل التعليمية كل عام. والسلطنة بحمد الله قادرة على مواجهة وتجاوز هذه التحديات التي تُجابهها مهما كانت كبيرة وصعبة، فهي تتمتع بإرادة وثقة في تحريك دفتها نحو الأفضل. فجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- يؤمن كليًا بأهمية الشباب، وبأنهم الثروة والمورد الذي لا ينضب باعتبارهم هم الوقود لحاضر الأمة والمستقبل المشرق للبلاد. وقد أكد جلالته في خطبه منذ توليه مقاليد الحكم بأنَّه سيولي كل الاهتمام والرعاية والدعم لتطوير الشباب، ودفعهم نحو العمل والتشغيل، وتطوير النظم والسياسات اللازمة في هذا الشأن، مع العمل على الاستفادة القصوى من الخبرات والكفاءات الوطنية التي تتمتع بها البلاد.

علينا التفاؤل في ظل هذا الاهتمام خاصة وأن الجهود لم تتوقف، ولكن ربما الجائحة الحالية هي التي أدت إلى التباطؤ في بعض الأعمال وتنفيذ القرارات.