مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في مايو من عام 1937م زار الوجيه والتاجر الشامي الشيخ محمد أحمد الأسد مسقط، والتقى بالعديد من الشخصيات البارزة فيها، ووصف جانبًا من المدينة، كما أشار إلى أبرز حاصلاتها، وأنواع التمر بها، وكذلك أنواع السمك، وعدد الجوامع بها، والمدارس أيضًا، وقد دوّن ذلك في أوراقه التي نشرها ابنه الدكتور ناصر الدين الأسد في كتاب بعنوان ” محمد أحمد الأسد سيرة وثائقية”، وصدر عن دار الفتح للدراسات والنشر في عام 2008م، والذي ستعرض لكم ” أثير” الجانب المتعلق بزيارة مسقط وأبرز ما جاء فيها.
السفر إلى مسقط
ذكر محمد أحمد الأسد أنه قطع من وكالة المراكب بالبحرين ورقة السفر إلى مسقط، وكان ذلك في 16 مايو 1937، وقد أخذوا منه (12) روبية أجرة ركوب، وخمس روبيات رسوم (كارنتينا) الحجر الصحي، وقد سافروا من البحرين في اليوم التالي على ظهر باخرة لم يذكر اسمها، حيث سارت بهم الباخرة في الساعة (10) إفرنجي قبل الظهر، وكان البحر هادئًا، وهناك تعرف على عدد من العمانيين من بينهم رجل اسمه مسلّم ذكر أنه من مدينة تبعد عن مسقط ست ساعات بالأوتونبيل، وشخص آخر من أهالي وتجّار مسقط اسمه حمدان ( قد يكون المقصود حمدان بن محمود).
الوصول إلى مسقط
أشار محمد الأسد في أوراقه إلى أنهم وصلوا مسقط يوم الخميس 10 ربيع الأول الموافق 20 مايو، وكان البحر هادئًا عند وصولهم في الساعة الخامسة عربي، ولعدم وجود لنش فقد نزلوا بالهوري ( قارب صغير ملحق بالسفن الكبيرة) الذي ذكر أنه كان يهاب النزول به لولا هدوء البحر وقتها.
وذكر الأسد أنهم كانوا قد فحصوا جوازات الركّاب الذين ينوون النزول بمسقط على ظهر المركب، وأن مأمور الجوازات كان من أهالي البلاد، حيث تم تقييد أمتعة الركاب وإعطاء كل راكب ورقة بعدد أمتعته، كما أشار إلى أن معاملة مأمور جمرك مسقط لهم كانت حسنة جدًا.
شخصيات مسقطية
التقى الأسد خلال زيارته لمسقط بالعديد من الشخصيات البارزة في مسقط أو من التجار الكويتيين الذين كانوا بها وقت زيارته، ومن بينهم: السيد هلال بن بدر الذي أشار الأسد إلى أنه سكرتير عظمة السلطان، والزبير بن علي الذي وصف محمد الأسد لقاءه به في أكثر من موضوع وذكر أنه قابله مقابلةً حسنة، وأنه كان يجتمع عنده أكثر الأشخاص المعروفين في مسقط، و(المدير) إسماعيل الرصاصي الذي كان الأسد قد ذكر أنه أرسل إليه كتابًا يخبره بوصوله لكنه لم يصله، وذكره الأسد في فقرات عديدة، وتناول معه طعام الغداء، والحاج الماس الزواوي الذي أقام محمد الأسد في بيته طيلة فترة الزيارة، وعبد القادر بن يوسف الزواوي وابنه حسين، وعبد اللطيف الحميدي الذي وصفه بأنه من أهالي الكويت وكاتب القنصل البريطاني، ومحمد سعيد الشامي، وهو شخصية سورية وصفه الأسد بأنه خرج من سوريا عام 1925 وأقام سنوات عديدة بين العراق والكويت والبحرين وبلاد عمان، ويشتغل في بيع الأدوية الطبية، ويشتري ويبيع أصناف اللؤلؤ والعنبر والصدف ودم الأخوين، وقد أشارت الوثائق البريطانية إلى محمد سعيد بأنه كان مستشارًا للأمير محمد بن ناصر آل حمودة في عشرينيات القرن العشرين.
وقد أشار الأسد إلى لقاءاته بهؤلاء الشخصيات، فكتب مثلًا: ” والتقينا بالسيد عبد القادر ابن السيد يوسف الزواوي فسلّم علينا ورحب بنا، وبعد العصر خرجنا من البيت قاصدين مع الحاج الماس إلى (المدير) إسماعيل حقي الرصاصي فوجدناه عند الشيخ زبير فقابلنا الشيخ زبير مقابلة حسنة وسلمنا على إسماعيل الرصاصي وهذه أول مرة اجتمعنا فيها به”.
وفي موضعٍ آخر من الكتاب يذكر أنه : ” تعرفنا على الشيخ عبد اللطيف من أهالي الكويت وكاتب القنصل البريطاني وهو شاب ذكره لنا محمد البراك أثناء مرورنا بالكويت. بعد العصر ذهبنا إلى عند الشيخ زبير وعنده يجتمع أكثر الأشخاص المعروفين بمسقط وكان إسماعيل الرصاصي هناك”.
وفي موضع ثالث يذكر الأسد: ” تناولنا طعام الغداء عند المدير إسماعيل حقي الرصاصي وكان حاضرًا الشيخ زبير وخاصّته، وكان أرسل تحريرًا ليلًا إلى السيد حسين يدعونا به مع الحاج الماس إلى الغداء، وكان الطعام أصنافًا ملونة”.
كما يذكر الأسد كذلك: ” توجّهنا للجامع وبعد صلاة الظهر عُدنا للبيت تغدينا وتحدثنا ثم سرنا لدكان حمدان وأعطيناه عناوين أصحاب المعامل العطرية بدمشق وطرابلس وبيروت ومصر، وتوجّهنا إلى الشيخ زبير بن علي بن جمعة فوجدناه ووجدنا إسماعيل حقّي الرصاصي”.
وصف
أشار محمد الأسد في أوراقه إلى سوق مسقط، واضمحلال حركة التجارة فيه وقت زيارته حيث وصفه بأنّ: “دكاكينه ضيّقة جدًا، وأكثرها خربة، والبضائع غير مرتّبة، وكل شيء بلا ترتيب، وحركة البيع والشراء واقفة، ويوجد بعض التجار الهنود والعجم، وجميع التجار المشهورين اضمحلوا، وبيوتهم العظيمة خربت مع الترك والخجر، منها محلات الحاج يوسف الزواوي وخلافه كثيرون”.
كما وصف الأسد زيارته إلى مطرح، وأشار إلى السيارة التي أقلّتهم، والمدة التي قطعوها، كما قارن بين سوقي مسقط ومطرح، حيث ذكر أنه ” يوم الأحد 23 أيار، كان الحرّ شديدًا جدًا، ركبنا السيارة مع السيّد حسين الزواوي ومحمد سعيد الشامي وتوجهنا إلى مطرح، وبعد خمس دقائق وصلناها، فهي مركز البيع والشراء للأسماك والبضائع، وبها ترسو السفن الشراعية، وحركة التجارة أحسن من الحركة بمسقط، وسوقها أوسع وبه بعض الترتيب، فشاهدنا الأسماك التي تصدّر إلى كلمبو وإلى ألمانيا، إذ يأتي في كل شهر مركب ويحمل السمك”، ولعله يشير إلى نشاط الحاج باقر بن عبد اللطيف في مجال تصدير الأسماك إلى أوروبا.
كما أشار الأسد في أوراقه إلى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في قصر السلطان بقوله: ” السبت 22 أيار، كان اليوم شديد الحرّ، وقد دعا عظمة السلطان الأشخاص البارزين بموجب قائمة يمضون عليها بجانب أسمائهم إلى الاجتماع عنده بعد العشاء لسماع قصة المولد النبوي الشريف”.
كما وصف الأسد جانبًا من مناسبة زواج حضرها حيث ذكر أنه: ” كان السيد حسين قد أخبرني بأننا مدعوون معه بعد صلاة العشاء إلى عقد نكاح، فذهبنا مع الحاج ألماس إلى بيت العرس وكان مجتمعًا فيه حول الثلاثين شخصًا، فحضر العريس وأجري عقد الزواج بأن وضع يده بيد موكّل العروس وحصل الإيجاب والقبول على مهرٍ معجل ومؤخّر 240 ريالا فرنساويا حسب العوائد هنا، ثم قدّمت حلاوة مسقط وأديرت القهوة العربية، وانصرف من انصرف، وبقي من بقي لسماع (البرزنجي) أي قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلم”.
ووصف محمد الأسد في أوراقه كذلك بعض الأماكن والمنشآت في مسقط ومن بينها بيت القنصل البريطاني، ومناظر البحر والجبال، والقلاع، ومصنع الثلج، وأحاسيسه الداخلية وقتها وهو يتأمل كل ذلك ” الثلاثاء 25 أيار، جلست (بالخارجة) بالكون الغرفة لأكتب هذه السطور، أمامي بيت القنصل البريطاني وأشجار جنينته الجميلة المنظر والزهور الوردية ومناظر البحر والجبال السود الشامخة وعلى قمّتها القلاع التي بنتها الدولة، ودويّ مكنة الكهرباء ومصنع الثلج، فبينما أشاهد هذه المناظر وأنا غارقٌ في بحر الأفكار اضطرب فؤادي شوقًا إلى أولادي وعائلتي، وصرت أناجي نفسي هل يجمعني الله بكم مرةً ثانية في هذه الحياة؟”
وداع مسقط
غادر محمد أحمد الأسد مسقط في 18 ربيع الأول 1356 هـ الموافق 28 مايو 1937 متجهًا إلى كراتشي، حيث ذكر: ” أطلق المدفع من المركب إشعارًا بوصوله صباحًا. في الساعة التي أغادر فيها ثغر مسقط لا يسعني إلا أن أعرب لفضيلتكم من صميم قلبي عن جزيل شكري لما لقيته منكم، وقد سررت جدًا من زيارتي لمسقط واغتبطت أعظم اغتباط”.
معلومات عامّة
أشار محمد أحمد الأسد إلى بعض المعلومات العامة التي استقاها من زيارته لمسقط، حيث ذكر أن التمر والسمك هما أبرز حاصلات مسقط، وأن التمر أنواع، فمنه البسر الذي يصدّر إلى الهند، ونوعٌ يسمونه الفرص ( الفرض) يصدّر بكمياتٍ إلى أمريكا وتاجره باقر عبد اللطيف.
كما ذكر أنواع السمك، ومنه الكنعد وهو أحسن أنواع الأسماك يصدّر إلى أفريقيا وأكثر تصديره إلى كولومبو والهند، ونوعٌ يسمى (اللخم)، ونوعٌ آخر يسمى القاشع يصدّر إلى ألمانيا لأجل السماد.
كما تطرّق الأسد إلى عدد الجوامع في مسقط، وذكر أنها (22)، أحسنها جامع الزواوي، وقد بناه الحاج يوسف بن أحمد الزواوي، وجامع (علي مُلّا) ويقصد به جامع علي موسى خان، وجامع نصيب، كما ذكر أنه يوجد مدرسة تسمى ( المدرسة السلطانية) وعدد تلاميذها (105)، ومستشفى أهلي، ومستشفى لجمعية الأمريكان بمطرح.
محمد أحمد الأسد
ويعد الوجيه الأردني المعروف الشيخ محمد بن أحمد الأسد والد العالِم الكبير الدكتور ناصر الدين الأسد من الشخصيات العربية البارزة في النصف الأول من القرن العشرين، وقد ولد في حلب عام 1893، وكان من المقربين إلى الشريف الحسين بن علي وتجمعه صلة مودة مع أبنائه الثلاثة علي وفيصل وزيد، وقد تولى مناصب عديدة في فترة حكم الأسرة الهاشمية، حيث تم تعيينه قائمقام للعقبة في 24 جمادى الأولى م1919، كما شغل العديد من الوظائف إلى جانب القائمقامية فقد أضيفت إليه وظيفة مدير الرسوم بالإضافة إلى وكالة البواخر العربية، وبعد إلحاق العقبة بشرقي الأردن قام وزير الحربية في الحكومة الهاشمية بتعيينه وكيلا لرئاسة مرفأ جدة.
كما جرى تعيينه حاكما إداريا في الشوبك، ثم قدم استقالته من جميع الوظائف الحكومية، واتجه إلى مرحلة جديدة في حياته وهي مرحلة الأعمال التجارية، فعمل على امتلاك محلٍ تجاريٍ في دمشق الشام، وآخر في شارع السعادة بعمّان.
وقد انتقل محمد الأسد إلى رحمة الله تعالى يوم السبت السادس والعشرين من شهر آذار عام 1939 في المستشفى الإيطالي بعمّان إثر عملية جراحية بسبب التهاب وخُراج في الكبد.
المرجع
الأسد. ناصر الدين. محمد أحمد الأسد سيرة وثائقية، دار الفتح للدراسات والنشر، عمّان، الأردن، 2008