Image Not Found

اعلموا أني فاطمة (14-17)

Visits: 13

صادق حسن اللواتي

(14)
طاعتنا نظاما للملة (1)

التراث الذي وصلنا عن السيدة فاطمة كان على شكل بعض الروايات والأدعية والخطب مثل الخطبة الصغرى والخطبة الفدكية التي يدورعليها جدل كبير في الأوساط العلمية في صحة سندها ووثاقة رواتها ، أنا لا أريد الخوض فيه أكثر ولكنني سأشيرإلى نقطة جِدُ مهمة وهي أن مضامين الخطبة الفدكية وما تحتويه من بلاغة وفصاحة صيغت بشكل يظهر مدى علم وعبقرية وقدرة هذه السيدة الجليلة على التعبير، التي جعلت الكلمات ناطقة بلسان حالها.

يقول (عباس محمود العقاد في كتابه شخصيات إسلامية ص 50) (إن هذا النصيب من البلاغة إذا استُكثِرَ على السيدة فاطمة فما من أحد في عصرها لا يُستكثر عليه) وقد صححت الدكتورة (سعاد المانع) أستاذة مشاركة في جامعة الملك سعود بالسعودية سند ووثاقة (ابن طيفور 209-288) الذي نقل هذه الخطبة في كتابه (بلاغات النساء).

ومهما تكن الأسباب إلا أن هناك جزئية يجب أن لا نغفل عنها وهي أن المرأة العربية أتيح لها فرصة المشاركة في الخطابة وما تركته من تراث , وألفاظ دالة عليها أثار إعجاب الجميع ولم تغفله كتب التاريخ خاصة فيما يتعلق في فن الخطابة.

هذا النصيب لم تحظى به المرأة في بلاد اليونان والروم وإن وجدت إمرأة أو إمرأتين في الخطابة فإن ذلك لا يشكل ظاهرة ثقافية في ذاك المجتمع ، وعند الفرس كانت المرأة تكاد لا تجد لها دور في الخطابة لأنها كانت محتقرة ، وفي الهند اعتبروها دورة الروح الشريرة.

أما عند العرب فإن المرأة سواء قبل الإسلام أو بعده كان لها أدوارا في الخطابة استطاعت أن تشغل مساحة واسعة في إقناع واستمالة الناس بالكلام البليغ ، وإذا رجعت إلى تاريخ الأدب الجاهلي ستجد تطور فن الخطابة وأثره الفعال في الناس أنذاك ،

لأن الخطبة كانت تتحدث باسمهم مثلا في الجاهلية (الشعثاء ربيبة بني مالك، وطريفة الخير، والكاهنة السعدية (جمهرة خطب العرب – أحمد زكي صفوة) وفي الإسلام (الخنساء بنت عمروالسلمي ، أم الخيربنت الحريش ، عكرشة بنت الأطرش) (العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي).

فالمرأة العربية حققت نجاحا باهرا في إيصال الصورة الحقيقية عن التحولات الاجتماعية والأدبية والسياسية ، واستخدمت مصطلحات جديدة لها معاني عميقة اكتسبتها من الواقع الفكري والثقافي ،

مثلا الخنساء عندما غدت تدافع عن عقيدتها الإسلامية وقفت تخاطب أبنائها قائلة (فاغدوا على قتال عدوكم مستبصرين ولله على الأعداء مستنصرين) (جمهرة خطب العرب جزء1 ص 231) وأم الخير بنت الحريش لتقنع خصمها قالت (إن الله قد أوضح الحق ، وأبان الدليل ، وبين السبيل ، ورفع العلم ، فلم يدعكم في العمياء مدلهمة فأين تريدون رحمكم الله) (جمهرة خطب العرب جزء1 ص 369).

وهذه الخطب كان لها صدى عظيم في نفوس الأجيال المتعاقبة بما لها من سحر البلاغة وقوة المنطق وسلاسة اللفظ ومتانة الأسلوب ، إضافة إلى دور المرأة العربية في الخطابة كان لها دوراجتماعي كبير واحترام لخصوصيتها بحيث كانت تُسأل إذا تقدم أحد لخطبتها فإن امتنعت واختارت غيره لا تجبرعلى اختيارها.

والغريب أنني وجدت أن زواج المتعة كان سائدا قبل الإسلام وكان الطلاق بيد المرأة إن أرادت الإنفصال عن زوجها (المرأة في التاريخ العربي – ليلى الصباغ – ص 117) وكانت أحيانا تقود الجيش للحرب (المرأة في المجتمع الجاهلي ص 1 – مجموعة من المؤلفين).

هذه المعطيات لعصر يمتازبوجود أنظمة سياسية : (نظام قبلي ، نظام المدينة لكل مدينة حاكم ، نظام سياسي قائم على الشورى دارالندوة ، نظام الممالك)، وتنوع ثقافي وفكري واجتماعي ، وقوانين الأحوال الشخصية والدينية والتجارية ،

وعقود تجارية تبرم مع شرق آسيا وبلاد الرافدين وأفريقيا ، وكانت المرأة شريكة الرجل في تنمية المجتمع وكانت تتمتع بالحرية التي يتمتع بها الرجل في مجتمع بلا دولة ، هل هو عصرجاهلي أو لا ؟ الجواب كلا

والسيدة فاطمة هي بنت بيئتها التي ولدت فيها ، والبيت الذي نشأت فيه عُد من أشرف البيوت وأرفعها شأنا في الفصاحة والبلاغة وقوة المنطق وكان له الأثرالواضح في تجسد الأبعاد المعرفية والعلمية والأخلاقية لشخصيتها كإمرأة.

والدليل أدعيتها وخطبها والألفاظ التي اختارتها في صياغتها والتي عبرت فيها عن مكنونات قلبها وانفعالاتها الشعورية تجاه المجتمع الإسلامي كاشفة عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية وغيرها عبرشحنات منطقية المتلقي على فهم الرسالة ،

واستفزته لترى ردة فعله أمام التشخيص الدقيق في المفارقة بين الأنظمة والقوانين التى كانت سائدة قبل البعثة في المجتمع المكي ومن ثم المدني وبين النظام الجديد الذي طرح رؤية جديدة وقوانين جديدة لإدارة مرافق الحياة.

ويجدر بنا الوقوف عند هذه المحطة ونسلط الأضواء على معالم هذا النظام الجديد الذي قدمت السيدة فاطمة قراءتها عنه ، طبعا لا يتبادر إلى ذهن أحدكم أنني سأتحدث عن موضوع ظلامتها ودفاعها عن حق زوجها علي بن أبي طالب في الخلافة لا أبدا بل سنتعرف من القراءة الأنثوية على طبيعة هذا النظام هل هو ذكوري أو أنثوي أو منسجم مع كليهما ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (15) إن شاء الله تعالى…… إلى اللقاء.

(15)
طاعتنا نظاما للملة (2)

السيدة فاطمة ظهرت على صفحات التاريخ حين تقدم بعض الصحابة لخطبتها ومنهم علي بن أبي طالب عليه السلام والذي تزوجت منه حيث اختلف المؤرخون في تحديد عمرها عند الزواج فالبعض ذهب أنها تزوجت عن عمريناهز 15 سنة على اعتبارأن ولادتها كانت قبل البعثة بخمس سنوات

والبعض الأخرذهب أنها تزوجت عن عمر يناهز 7 سنوات على اعتبارأن ولادتها كانت بعد البعثة بخمس سنوات حيث اتفق أغلب المؤرخين المسلمين أن ولادتها كانت يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة ، ولرفع بعض الغموض عن جزئية تاريخ ولادتها

تعالومعي لنأخذ الروايات المختلفة التي حددت ولادة السيدة فاطمة ونطبق التقويم اليولياني الشمسي الذي دخل حيز التنفيذ عام 47 ق .م والذي حاول محاكاة السنة الشمسية ويتكون من 365 و25 يوما واستمر حتى القرن االعشرين ثم عدل بالتقويم الغريغوري عام 1923م

وهو المعمول به الأن في التقويم الشمسي ، وبما أن العرب كانوا يؤرخون أيام السنة بالأحداث سنقوم بعملية تحويل بين التاريخ الميلادي والتواريخ قبل الهجرة بشكل مختصر و دقيق بحيث ستكون النتيجة مفصلة لكم وتحتوي على اليوم والشهر والسنة. (ملاحظة إختصار ق.هج= قبل الهجرة)

أولا : بعد البعثة بخمس سنوات يصادف يوم الخميس : (20 جمادى الآخرة(-7 ق هج ) الموافق (27- 3 ـ 615 ميلادي).

ثانيا : في سنة البعثة يصادف يوم الأربعاء (20 جمادى الآخرة (-12 ق.هج) الموافق (20 – مايو- 610 ميلادي) وليس الجمعة

ثالثا : ولادتها قبل البعثة بخمس سنوات يصادف يوم الجمعة (20 جمادى الآخرة (ـ 18 ق هج) الموافق (24-7ـ 604 ميلادي).

حسب التقويم الغريغوري الميلادي تكون ولادتها يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة قبل البعثة بخمس سنوات وعمرها حين زواجها كان 15 سنة ، وهناك نقطة مهمة وهي أن البنت عمرها 7 سنوات بحاجة إلى الحضانة أليس كذلك ، وهل تستطيع البنت في هذا العمر أن تديرالرحى

وهي (عبارة عن حجارتيين يشكلان دائرة ومفترقتين من الوسط ويتم وضع الأولى على الثانية بشكل متوازي ويتم إنزال المادة المراد طحنها من ثقب صغيروسطهما ويتم التحريك باليد حتى تطحن المادة وتتعاون امرأتان في طحن الحبوب نظرا لثقلها) (موسوعة ويكابيديا).

الجواب كلا عموما لن أقف كثيرا عند هذه الجزئية ، ما يهمنا هو أن السيدة فاطمة شهدت أوفول الأنظمة بكافة أشكالها التي كانت سائدة في الجزيرة العربية وظهورنظام جديد أو دين جديد على يد أبيها النبي الخاتم (ص) وقدمت لنا قراءتها لهذا النظام أو الدين وهي أول قراءة أنثوية ينقلها التاريخ لنا ،

والتي سنستعرض بعض الجوانب منها ، ركزوا معي رجاء ، النبي الخاتم (ص) جاء إلى الناس وقال لهم أنا نبي مرسل من عند الله وطلب منهم قول (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

هذه الشهادة تعتبرعماد الإثبات للتوحيد والنبوة معا والركيزة للمؤمنين به في قول الحق , وعليهم تحمل نتائجها في قبال الطرفين اللذان لهما حقوق هذه الشهادة ، ما هي هذه الحقوق ؟

أولا (الحق الإلهي) طبيعته أن هناك إله واحد يملك السلطة المطلقة في هذا الكون وهو (الله عزوجل) والسيدة فاطمة قدمت قراءتها فيه قائلة (كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنارفي التفكرمعقولها).

ثانيا (الحق الاجتماعي) وطبيعته أنه تم اختيار شخص من قبل الله عزوجل لمنصب (النبوة) ليتحدث إلى الناس من أجل تنظيم المجتمع نحو الأفضل ويضمن لهم الأمن والعيش السليم ضمن نصوص موجودة في كتاب جاء به من عند الله عزوجل وهو القرآن الكريم ولا يمكن خرقه من أي إنسان ،

السيدة فاطمة قدمت قراءتها عن النبي الخاتم (ص) بقولها (ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقاديرحتمه).وعن القرآن الكريم قالت :

(كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنورالساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره متجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه قائدا إلى الرضوان أتباعه مؤد إلى النجاة استماعه به تنال الحجج وعزائمه مفسرة ومحارمه محذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة).

واقعا قراءة السيدة فاطمة وهي أول قراءة أنثوية عن النظام الجديد أو الدين الجديد رأيناها تنسجم مع الذكروالأنثى ، فإذا تمعنا في قراءتها عن كتاب الله سنجد أن الله خلق الذكروالأنثى وجعل لكل منهما استعدادات يستطيعان الوصول إلى الكمال الإنساني.

جاء في كتاب الله تعالى في سورة آل عمران آية 195 (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرأوأنثى) سورة غافرآية 40 (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) سورة الحجرات آية 13 (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل).

ولكن الموقف الروائي من الأنثى لم يكن إيجابيا ، فهي تعتبر بؤرة فساد المجتمع والمصدرالأساسي للمعاصي والخطايا ، مع أن موقف كتاب الله من الأنثى أنها أساس بناء الأسرة والمجتمع.

ولا يمكن أن تجد الرجل في موقف لا تكون المرأة معه أوالعكس ولو تقدمنا قليلا إلى الأمام سنرى أول وسام قلده الله للإنسان هو وسام الخلافة ، ففي الثقافة الروائية لن تجد أن الأنثى هي خليفة الله في الأرض

هل وجدت إمرأه في منصب النبوة أو الإمامة أو مرجع دين ، أبدا في هذه الحالة هل سيقى الرجل أفضل من المرأة ؟ و ما هو موقف السيدة فاطمة من فكرة وصول المراة إلى مقام القرب الإلهي هل تستطيع أو لا تستطيع ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (16) إن شاء الله تعالى….. إلى اللقاء.

(16)
طاعتنا نظاما للملة (3)

جاء في كتاب الله آية 122 من سورة التوبة (فلولا نفرمن كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) لا يخفى عليكم أنني ذكرت فيما سبق أن النص له أركان ثلاث : النص وهي الآية الماثلة أمامنا ، مؤلف النص وهوالله عزوجل ، المتلقي للنص هم عباده في الأرض، وسلطة هذا النص بيد الله عزوجل.

وعرفنا أن نصوص كتاب الله تنسجم مع الذكروالأنثى ، وقد أكدت لنا القراءة الأنثوية التي قدمتها السيدة فاطمة أن النص القرآني ليس ذكوريا بحتا ولا أنثويا بحتا بل ينسجم مع كليهما فأي حكم فيه هو لصالح الطرفين الذكروالأنثى.

والقرآن نص لغوي وهو نص يمثل محورية تاريخ الثقافة الإسلامية وبابه مفتوح في مجال الجدل بين الإنسان والواقع من جهة وبين الحوارمع النص من جهة أخرى وبالتالي فإن التأويل سيكون أحد آليات هذا الحوارمع النص ،

والهدف منه هو ملاءمة هذا النص في بعده الموضوعي لفهمه وإخراجه من القراءة السطحية الإسقاطية إلى حق الجميع في المساهمة والمشاركة لأجل بناء فكرعالمي مع مراعاة من يرفض القراءة المتجددة من داخل المجتمع التقليدي ، فكما للرجل حق في فهم النص القرآني كذلك للمرأة حق في فهم النص القرآني فلا أفضلية للرجل على المرأة أو العكس.

وإحالة هذا النص (طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) بما يحمله من واقع متعين في حياتنا اليومية شكل لنا حركة ثقافية واقعية معاصرة لا يمكن أن نقيم أي فهم له بمعزل عن العلاقة التي يختزنها ، فالطائفة في هذا النص هي الطائفة المتفقهة

لها بيئتها فهي لا تنخرط في أي عمل غيره حتى العمل العسكري ، لهذا تجد في الدول التي تطبق الخدمة العسكرية تستثني منها علماء وطلاب الدراسة الدينية الأمرالذي فتح باب الإنخراط لعدد كبيرمن الطلبة في الدراسات الدينية هربا من الخدمة العسكرية ، والعجب البعض منهم سموا أنفسهم فقهاء اصطلاحا وهم ليسو فقهاء حسب المفهوم القرآني والقنوات الفضائية كشفت المستور.

هذه الطائفة المتفقهة ، التفقه في ماذا ، بمقتضى الآية في الدين أو في فروع الدين أي منهما ؟ طبعا في الدين لأنه الدين منظومة معرفية متكاملة من الفقه والأخلاق والعقائد والأحكام الاقتصادية والاجتماعية ، الأحكام التي تتعلق بتنظيم الحياة ، وليس معنى التفقه في فروع الدين فقط.

ولكن ما هو متعارف في المؤسسات التعليمية الدينية وعلى لسان أهل الدين تعني الفتوى ، فتغيرالمسارمن المعنى الشمولي إلى المعنى الفردي مربوط بالطاعات والمعاملات ، مربوط بالطهارة والنجاسة أوما يسمى بالفقه الأصغروالحال المصطلح القرآني (ليتفقهوا) محصوربعلاقة الإنسان مع واقع حياته ،

فلو قلنا أن النبي الخاتم (ص) خرج إلى معركة ما وترك الطائفة المتفقهة في الدين في المدينة ، هل سيتركهم ليبينوا للناس الفقه الأصغر بما هو متعارف بين أهل الدين في عصرنا الحاضر، الجواب كلا ،

لأن هناك معارف وعلوم أخرى بحاجة إلى التفقه فيها من جهة وتفسير النص القرآني للناس من جهة أخرى ، والتفسير لن يتركه (ص) محصورا على الجانب الذكوري طالما النص القرآني ينسجم مع الإنسان.

ولكن الذي حصل هو أن الرجل أعطى لنفسه مشروعية حق فهم النص القرآني بشرط الرجولة في الإفتاء وأقصيت المرأة منه دون مسوغ شرعي كما سنبينه الآن حيث نقلوا رواية عن الإمام الصادق (إياكم أن تحاكموا إلى أحد هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليك قاضيا)

ويستدلون بها على أخذ الرجولة في باب القضاء ، وحيث أن منصب مرجع التقليد ليس أقل من القضاء فالرجولة معتبرة في باب الفتوى بالأولوية علما إن هذه الرواية لا دلالة فيها على أخذ الرجولة شرط للقضاء من باب التعبد.

والسيد الخوئي في كتابه (الإجتهاد ص226) أرجع منع المرأة من الإفتاء على مذاق الشارع بسبب الحجاب والستر، ولو سلمنا بالدليل على منع الرجوع إلى المرأة في الإفتاء لكان مقتصرا على المقلدين من الرجال دون النساء ، ومن جهة أخرى

مسألة التحجب والتستر ليس فيها أي آثار مضادة للستر وإلا لكان الرجوع إلى الطبيبة أو المستشارة محرما ، حيث ذهب الطبري إلى أن الإفتاء لا يشترط فيه الذكورة (الأحكام السلطانية ص83) ومنهم من أجاز تقليد المرأة كإبن حزم الأندلسي في (الأحكام في أصول الأحكام جزء 5 ص 113-130)

والإمام النووي في (المجموع شرح المذهب جزء 1 ص 41) والسيد محسن الحكيم في (مستمسك العروة الوثقى جزء 1 ص 43) والسيد رضا الصدرفي (الاجتهاد والتقليد ص 106-107) والشيخ محمد مهدي شمس الدين في (الاجتهاد والتقليد ص 281-283) وغيرهم.

مما يدل أن للمرأة حقا في الفتيا مثلما هو حق للرجل ، وإن منع المرأة من تمكينها في الإجتهاد والتقليد سببه الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، فهو منع اجتماعي وليس قرآني وسأوضح ذلك لكم بالتفصيل أكثر في الحلقة (17) إن شاء الله تعالى….. إلى اللقاء.

(17)
طاعتنا نظاما للملة (4)

جاء في كتاب الله آية 122 من سورة التوبة (فلولا نفرمن كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) كان حديثي فيما سبق عن منع المرأة من الإفتاء وهذا المنع هو منع اجتماعي وليس قرآني ، سأوضح ذلك الآن ، ركزوا معي رجاء

جاء في كتاب (المرأة والألوهة المؤنثة في حضارات بلاد الرافدين ــ ميادة الكيالي ــ ص 30) (إن هذا التراجع في دورالمرأة عبرالتآكولات التاريخية اللاحقة لم يكن بسبب طبيعة الدين وإنما بسبب التأويل الذكورللنصوص الدينية التي قيدت المرأة وعطلت فعاليتها وأعاقت مشاركتها الفاعلة في رسم ملامح المنشود خلافاً لما تفرضه قواعد الاجتماع البشري)

وأهم مفاتيح هذه القيود هي اللغة وتأويل النص وقد ذكرنا أن السيد الخوئي في (الاجتهاد ص 229 قال عن سبب منع المرأة من الإفتاء هو مذاق الشارع بقوله (ولا يرضى الشارع بجعل المرأة نفسها معرضا لذلك أبدا).

فمذاق الشارع حسب رأي السيد الخوئي ما هو ؟ أنها عورة ، هذا المعنى ستجدونه في كتاب (جواهر الكلام ــ محمد الجواهري ــ جزء 8 ص 146) (لا شك أن المرأة عورة لغة وعرفا ، أما لغة فظاهر وأما عرفا فالمتعارف عنها بالتعبيرعنها بالعورة وإطلاق هذه اللفظة عليها شائع ذائع مع عدم صحة السلب وقد ثبت شرعا من الأخبارالنساء عي وعورات).

وقد ذهب صاحب كتاب المغني أن (المرأة عورة كلها حتى ظفرها) سؤال : ماهي عورة الرجل ؟ الجواب (ما بين السرة والركبة) والمرأة (كلها عورة حتى صوتها) في روايات أهل البيت العروة هي :

جاء في حديث نبوي شريف (بحار الأنوار جزء 4 ص 175) (قال (ص): ” لا يستر عبد عيب عبد إلا ستره الله يوم القيامة ” وقال (ص): ” لا يرى امرؤ من أخيه عورة فيسترها عليه، إلا دخل الجنة “
]
(الوسائل جزء 12 ص 294 رقم الرواية 16340) باب تحريم إذاعة سر المؤمن (عورة المؤمن على المؤمن حرام ، هو أن تروي عليه أو تعيبه).

إذا كان كذلك من أين جاء مذاق الشارع في منع المرأة من الإفتاء ؟ جاء من مجموعة الروايات والعادات والأعراف وأفهام العلماء والفقهاء والاحتياطات أدت إلى أن تكون المرأة كلها عورة ، ولأنك غرست في العقل الجمعي أن المرأة مذمومة على مر التاريخ :

أكثرأهل النارمن النساء ، لا تشاوروا النساء ، صوت المرأة عورة ، لماذا لا يكون صوت الرجل عورة أيضا ، المرأة ناقصة عقل يقول السيد (أحمد الشيرازي) على قناة المهدي الفضائية (صحيح هي ناقصة عقل وعليها أن تقبل هذه الإهانة ونقصان عقلها كما قال النبي لأنها لا تصلي أثناء الحيض).

فإذا كان الملاك نقصان عقل المرأة لأنها لا تصلي أثناء الحيض ، فالرجل عندما يسافر ومعروف عنه أنه أكثرسفرا من المرأة ، هل يصلي صلاة كاملة أو يصليها قصرا في السفر ؟ يصليها قصرا ، بالنتيجة هل نعتبر الرجل ناقص عقل لأنه يصلي قصرا ؟

سيقول لا لأن الشارع وضح حكم المسافر، إذن لماذا لا يطبق هذا المنطق على المرأة المسكينة أن الشارع وضح حكم الحائض برفع الصلاة عنها وهذه كرامة لها وليست إهانة.

ولكن العجب كل العجب فيما نشره الموقع الإلكتروني لمركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب السيد (السيستاني) عندما سئل لماذا لا توجد روايات للسيدة فاطمة في الكافي ؟ الجواب :

(إن دورحفظ الشريعة بعد رسول الله (ص) هو للائمة المعصومين (ع) فهم الذين يقومون بهذا الدورفينقلون لنا ما رواه رسول الله (ص) ولا نقول أن لفاطمة مثل هكذا دور، ولذا لم يعهد عنها أنها كانت تخرج وتحدث الناس عما سمعت عن رسول الله (ص) أو تدخل عليها من يسمع منها ذلك).

أي منطق هذا وأنتم تصرحون أن السيدة فاطمة قطب رحى الوجود وحجة على الأئمة ، هذه الأدوارأين ذهبت ؟ أنتم تروون ان علي زين العابدين(ع) قال في خطبته في مجلس يزيد : أعطينا ستا العلمَ والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين

سؤال: السيدة فاطمة مشمولة في هذا العطاء أو لا ؟ سبحان الله تصريحاتهم في واد وتفكيرهم في واد آخر، تعالوا معي لننظرماذا تقول كتب التاريخ والحديث عن السيدة فاطمة وما روته عن أبيها (ص) والتي رفض الفقهاء الإستدلال به في استنباط أحكام تخص المرأة ، لهذا لدينا الآن فقه المرأة بقراءة ذكورية وليست أنثوية.

جاء في (تفسيرالإمام العسكري المنسوب له ص 340) نقله المجلسي في (بحارالأنوارجزء 2 ص 3) أن إمرأة جاءت إلى السيدة فاطمة تسألها في والدتها وقد لبس عليها في أمرصلاتها والسيدة تجيبها مرة وأثنان وثلاثة حتى خجلت المرأة من كثرة أسئلتها ، فقالت لها السيدة فاطمة إن أبي قال إن علماء أمتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدرعلومهم).وصفت نفسها أنها من علماء أمة محمد (ص) ، هل كان يدخل عليها من يسمع منها أو لا ؟

جاء في (المغازي للواقدي جزء 1 ص 250) (خرجت فاطمة مع النساء يوم معركة أحد ورأت الدماء على وجه أبيها فاعتنقته ومسحت الدماء عن وجه (ص)) ، هل كانت تخرج من البيت أو لا ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (18) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء.