ما أجمل حدائقنا الواسعة، كحديقة القرم وحديقة برج الصحوة والعامرات والنسيم، إلخ، حدائق رائعة التنسيق والتنظيم بالتشجير المميز ما أجملها ما أجملها؛ فتقضي بها الأسر أوقاتا صحية بالمشي واستنشاق الهواء العليل بعيدا عن أدخنة السيارات التي ازدحمت بها شوارعنا الأنيقة.
لكن تلك الحدائق، في نفس الوقت، لم نطلق لها العنان للمساهمة في خدمة المجتمع بطرق جديده مبتكرة !!
وهناك شريحة بالمجتمع بدأت تكبر يوما بعد يوم، وأصبحنا وأمسينا نراها بين جوانب الوطن وزواياه وشوارعه تكافح، وتشقى، وتجتهد لكي توفر لأْسرها حياة كريمة، مبتعدة عن ذل الاستعطاف أو حتى بالاعتماد على الجهات الرسمية المعنية بالمجتمع؛ بل أبت على نفسها إلا أن تسكب العرق بالاعتماد على النفس لكي تعيش رافعة لِهامتها!
هل عرفتم من تلك الفئة؟
إنهن تلك الأمهات والأخوات وإنهم هؤلاء الآباء والأجداد والإخوان، والشباب والشابات الذين حوّلوا منازلهم وقدراتهم المتواضعة لإنتاج وصناعة مختلف الاحتياطات الإنسانية الأسرية والفردية؛ كإعداد الأطعمة والحلويات والمشاكيك والتمور المطعمة بالمكسرات والتحف الحرفية والعطور والبخور والشتلات الزراعية، إنها قائمة لا حصر لها من المنتجات المفيده الجميلة.
إنهم فعلا يكافحون ويشعرون بالسعادة حينما يتمكنون من بيع كل إنتاجهم اليومي فيعودون لأسرهم فرحين وتعلووجوههم نظرات الرضى فانهم سيتمكنون من تلبية احتياجات أسرهم الكريمة.
بلا شك أن جميع أفراد المجتمع لاحظ ازدياد أعدادهم، خاصة مع وجود أزمة مركبة مصطنعة اسمها (لا توجد أعمال للجميع) في مجتمع تعداد مواطنيه 2.6 مليون نسمة فقط وبينهم الأطفال وكبار السن بنسبة 30%، مقابل وافدين أغلبهم آسيوين بتعداد 1.8 مليون نسمة!
وأنا أتجولُ منذ شهرين في أحد المجمعات التجارية (المولات) في محافظة مسقط العامرة، بعد أن علمت بوجود معرض للحرف والأطعمة والمشغولات والعطور المصنعة بالبيوت، تبين لي أن العارضين مواطنون أعزاء الكرامة ونفوسهم أبية راقية.
وأثناء تجوالي بين مناضد العرض المرصوصة في ممر عام بالمول (وليس في قاعة أو محلات)، تبادلت الحديث مع المواطنيين العارضين لمنتاجتهم، واندهشت حينما علمت بأنهم يدفعون 150 ريالا عمانيا لاستخدام الممر لمدة 5 أيام فقط، إنها حقا أجرة مبالغ فيها!!
فأخذت أتساءل: هل فعلا ما سيبعونه من منتجات جميلة أعدوها بالمنازل ستتمكن من دفع الأجرة المرتعفة لهذا الممر؟ وكيف بعد ذلك سيربحون ليتمكنوا من توفير العيش الكريم لأسرهم؟!
وأنا بين تساؤلاتي الذاتية علمت أن هناك أسر شبه كاملة تعمل كفريق واحد لتسويق منتجاتهم.
هل ذلك الممر الضيق وبمساحة المنضدة بطول 5 متر × 3 متر، أجمل ما كان يمكن أن يقدمه المركز التجاري (المول) لهم مقابل تأجيره لهم بهذه الأجرة العالية؟!
مررت بعد أسبوع واحد في نفس المرر فوجدته ممر عبور عادي لا يصلح للتأجير كمحلات ثابتة، والمناضد قد أزيلت، فتساءلت: لم تم تأجيره لأصحاب الحرف والمنتاجات المنزلية بتلك الأجرة العالية؟ وهل هكذا تتم خدمة تلك الفئة الكادحة من المجتمع؟
إن وجود تلك المعارض الحرفية ومنتجات الأسر لهو عامل جذب رئيسي مهم في تنشيط حركة التجارة للمحلات المستأجرة فيه، فتلك المعارض تجذب الجمهور، وفي زيارتي الثانية لاحظت أن المركز التجاري أشبه بأطلالٍ دون كثافة ملحوظة من زائريه، بعكس أيام المعارض.
تفاجأت مثلما تفاجأ الجمهور الحاضر لزيارة المعرض بأن أسعار المنتجات المحضرة بالمنازل نوعا ما مرتفعة، وعند سؤال بعض العارضات والعارضين، كان ردهم أن تكلفة الإيجار مرتفعة، لذا سعر المنتج مرتفع.
هذا الممر لوحظ أنه لا يُؤجر طوال العام، فكان الأجدر بهذا المركز التجاري أن يوفر لهم مساحة الممر مجانًا مراعاة لظروفهم، فوجودهم بالتأكيد سيجلب الجمهور لزيارة المركز التجاري فتتحرك على إثر ذلك كل المحلات التجارية.
وعليه نأمل من أصحاب تلك المراكز أخذ تلك الحقيقة والعمل على تشجيع إقامة المعارض الوطنية مجانا أو برسوم منخفضة؛ كنوع من رد الجميل لهذا الوطن المعطاء الذي وفر لهم كل أسباب النجاح.
لكن.. هل هناك حلول بديلة عملية لتلك الفئة الاجتماعية العزيزة النفس؟
نعم.. إنها حدائقنا البديع؛ ففي حدائقنا البديعة والأنيقة الكثير من الساحات الفسيحة المنظمة، التي يرتادها السكان بمختلف جنسياتهم مستمتعين بجمال اناقتها ونظافتها واتساعها.
إن تلك الحدايق يمكنها أن تؤدي دورا فريدا في حل أزمة عدم وجود الساحات والمعارض المستمرة لأصحاب الحرف والمنتجات المنزلية.
كيف يتم ذلك؟
تقوم البلديات المختصة بتصميم برنامج المعارض المفتوحة الشهري والسنوي لأصحاب الحرف والمنتجات المنزلية المرخصة، ويشمل الجوانب التالية:
تخصيص وتحديد الساحات المناسبة بالحدائق لإقامة المعارض المفتوحة.
تصميم لوائح (حسن استخدام ساحات الحدائق) النظافة والنظام وجمالية تنسيق وتوحيد مناضد العرض، وفترات العرض، والتأمين الرمزي لحسن الإلتزام بالضوابط، إلخ..
وضع أجرة رمزية جدا للمشاركة خلال أسبوع كامل، قابلة للتجديد.
تقوم البلدية مشكورة بدعوة عامة لأصحاب الحرف والمنتجات المنزلية المرخصة للتسجيل ببرنامج المعارض المفتوحة للبلديات المختلفة.
تصميم إعلانات تنشر عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي للترويج للمعارض المفتوحة.
تشكيل فريق بلدي لتنظيم إدارة المعارض يكون مسؤولا عن حسن الإدارة والتنفيذ.
توفير المراوح المائية المعلقة لترطيب الأجواء أيام الصيف لتغطية كل مساحات الحديقة.
تدريب حراس الحدائق للقيام بدور المراقبة والمتابعة لحسن سير المعارض المفتوحة بالواقع الفعلي؛ دون تعدٍ على موجودات الحدائق ولا تلويثٍ لبيئتها.
ما هي فوائد ونتائج تطبيق هذا التوجه؟
ثمة فوائد إيجابية عديدة ستتحقق عند تطبيق هذا التوجه التعاوني بين البلديات وفئة أصحاب الحرف والمنتجات المنزلية، ألخصها كالتالي:
فتح المجال لهم لعرض منتجاتهم، وهذا سيصحبه التنويع والتطوير لتلك المنتجات، إضافة إلى العائد المالي الجيد لهم.
هذا التطوير والتنويع سيمنحهم الفرص المناسبة من محدودية الإنتاج الحالي إلى التحول إلى الإنتاج المعملي كخطوط إنتاج أوسع.
هذا التوسع بالإنتاج سيتطلب أيضا التوسع في توظيف القوى الوطنية البشرية.
وبعد التوسع ستبدأ مراحل التصدير عند الأكفاء المُجدّين، وهذا يعني أن مصادر الدخل والربح قد تنوعت لديهم، وهذا سينعكس على بداية عملية الانتعاش المالي لديهم.. إنها كرة ثلج مستمرة بالتحرك لتحقيق الإنجازات.
هنا سيتحقق أيضا التفاعل والتعاون المنسجم بين شرائح مجتمعية مع البلديات ومؤسسات الدولة الرسمية، في تلاحم وتناغم بديع يؤدي إلى توسع دائرة التعاون والانسجام بينهم وبين فئات غيرهم.
وأيضا تحقيق الدخل الإضافي للبلديات ليمكنها من تغطية بعض من مصروفاتها الجارية. وتشجيع السياحة الدائمة؛ فتلك المعارض المفتوحة تجذب السياح للتوافد على السلطنة ليعيشوا جمال هذه التجربة الفريدة.
هذا بلا شك سينعكس على إثراء كل الحركة التجارية لكل القطاعات، الفندقية والمطاعم وخدمات التنقل الأجرة والتسوق وعموم التجارة، إضافة إلى رفع من عوائد الدولة من رسوم التأشيرات، وتنشيط حركة المطارات والناقل الوطني الرسمي، وستوفر للشباب أعمال حرة مساعدة لحركة السياح لاستقبال السياح وتقديم الخدمات لهم.
إنها ببساطة إعادة بث الحياة في الوطن!