Image Not Found

الدوران الوظيفي والزيادة السنوية بالقطاع الخاص

Visits: 9

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
[email protected]

تَلقيتُ رسالة من أحد التجار يقترح عليَّ أن أتناول في مقالي موضوع الدوران الوظيفي بمؤسسات وشركات القطاع الخاص، مع تسليط الضوء على مطالبات وزارة العمل للقطاع الخاص بتخصيص زيادة سنوية من رواتب العاملين في تلك المؤسسات بنسبة 3% سنويا، مع علم تلك الجهات المعنية بأن هذه المؤسسات والشركات تعاني من تحديات ومشاكل عديدة نتيجة لاستمرار الجائحة “كوفيد 19″، وما تترك من آثار ونتائج سلبية على الأعمال اليومية للقطاع الخاص العماني ونتائجها السنوية.

وحيث إنَّ الموضوع يتفرَّع إلى قسمين: الدوران الوظيفي والزيادة السنوية، فإنني أحاول أن أربط بينهما قدر معرفتي المتواضعة بهذه القضايا؛ فإن “الدوران الوظيفي” -كما ورد معناه في بعض الأدبيات- يعني حركة الموظفين والعاملين في المؤسسة خلال فترة زمنية معينة من حيث دخولهم وخروجهم القانوني من المؤسسات والشركات من خلال التزام الطرفين العامل وصاحب العمل بعقد موضح فيه نوع العمل الذي يقوم به العامل، والأجر الذي يحصل عليه، والتبعية للمؤسسة، والمدة التي يتعين العمل بها.

ومعدل الدوران الوظيفي المستمر في أية دولة يؤثر على أعمال الشركات والمؤسسات، وعلى العملية الإنتاجية وعلى أخلاق العاملين أيضا. وفي السلطنة، يعدُّ معدل الدوران الوظيفي عاليًا جدًّا مقارنة بالمعدل العالمي؛ إذ وصل في العام 2017 إلى نحو 21.1% وفق بيانات وزارة العمل، ليتراجع في العام الماضي 2020 إلى 16.7%، بينما يبلغ معدل الدوران الوظيفي الطبيعي في العالم نحو 7%؛ أي أن النسبة تزيد هنا عن 60% عن المعدل العالمي. وفي هذا الصدد، يرى سعادة نصر بن عامر الحوسني وكيل وزارة العمل للعمل، أن هذه الزيادة تعزى إلى عدة أمور؛ أهمها: تفضيل الشخص العماني العمل في القطاع الحكومي، إضافة إلى انتهاء العمل والمدة بمشروع معين وبالتالي السماح للعاملين بالانتقال لمؤسسات أخرى، بجانب عدم كفاية الأجر الشهري والحوافز المادية التي يمنحها صاحب العمل للعامل، والذي يشكّل عاملاً رئيسا في الدوران الوظيفي، فكثير من العمانيين قدموا استقالاتهم في السنوات الماضية بمجرد حصولهم على بعض الزيادة في مؤسسات أخرى. وهذه الحال ربما تستمر في الفترة المقبلة، إلا إذا تم وضع أسس لهذا الدوران، وكذلك عدم رضا العامل العماني عن معاملة الإدارة بشكل عام والمسؤولين بشكل خاص؛ حيث إنَّ الكثير من الإدارات العليا في المؤسسات ما زالت تدار بأيدٍ أجنبية، في الوقت الذي تعمل فيه الوزارة على تغيير هذا الواقع. كما أنَّ هناك أسباباً أخرى للدوران الوظيفي يتعلق بعضها ببعد المسافة بين مقر عمل الموظف ومكان الإقامة الدائم له؛ الأمر الذي يتطلب توفير وسيلة النقل الخاص للعامل، وبالتالي تزداد فاتورة النقل، إضافة إلى تأخُّر بعض المؤسسات والشركات في تسليم الأجور للعاملين في الوقت المحدد لهم، خاصة في أوقات كهذه حيث تعمل الجائحة على تقليص النشاط التجاري؛ وبالتالي تؤثر على سير التدفقات المالية لدى المؤسسات.

وأخيرا يتطلب من المؤسسات ضرورة أن تهتم بالعنصر الوطني لديها، من حيث توفير مسار وظيفي واضح له، بحيث يستطيع أن يرى العامل نفسه في المكانة التي يتطلع إليها مستقبلا.

ويشتكي العمانيون من مشاكل أخرى يتعلق بعضها بمنافسة القوى العاملة غير العمانية لهم، وصعوبة نقل الخبرات التي يمتلكونها إليهم بالرغم من تعليمات الإدارات، وأحيانا يحصل أن تكون طبيعة العمل التي كلفوا بها لا تناسب وضعهم الأسري من حيث أوقات العمل أو نوع العمل الذي يقومون به، إضافة إلى ضعف الانضباط لدى بعض العمانيين، وكثرة التغيُّب عن العمل، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل وقضايا عمالية يتم رفع بعضها إلى المحاكم لاتخاذ القرارات النهائية.

الحكومة -من جانبها- تعمل على حل هذه القضايا من خلال وزارة العمل التي أولت اهتمامًا خاصا بهذه الأمور، وتعمل على إيجاد مجموعة من الحلول التي ترضي الطرفين؛ بهدف تقليص معدل الدوران الوظيفي وهي توحيد المزايا بين القطاعين العام والخاص وتحرير سوق العمل، ورفع تكلفة استقدام القوى العاملة غير العمانية، بجانب تحرير سوق التوظيف؛ بحيث يرضى كل طرف بما يُعرض عليه من عمل أو وظيفة مقابل الراتب الذي يأمل الحصول عليه، مع زيادة توعية الجميع بهذه القضايا. وتقوم الوزراة بتفعيل نظم جديدة في عملية التوظيف والعمل من خلال الترشيح الإلكتروني الذي يمكّن الراغبين من الحصول على المعلومات من خلال أجهزتهم الذكية، بجانب تحسين بيئة العمل في الشركات ومؤسسات القطاع الخاص.

… إنَّ بعض المؤسسات العمانية أصبحت اليوم -ونتيجة التحديات القائمة أمامها- تعمل وفق نهج “التوطين الصوري”، وهي قضية بدأت الوزارة في تسليط الضوء عليها مؤخراً من خلال الحد من استخراج السجلات التي يمتلكها أصحاب المؤسسات والحصول على المزيد من المأذونيات لاستقدام القوى العاملة غير العمانية. فعملية التوطين الصوري تؤدي إلى تعذر المؤسسات عن عملية تأهيل وتدريب العمانيين، وتقوم من خلالها بنقل القوى العاملة الأجنبية من نشاط لآخر تجنباً لنسب التوطين المرتفعة في بعض القطاعات. وهذا ما أكد عليه وكيل وزارة العمل للعمل في حواراته خلال الفترة الماضية بكل التفاصيل عن هذه النقاط، مشيرا إلى قيام بعض المؤسسات باستغلال التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص وتسجيلها لعقود محددة المدة أكثر من مرة لنفس الشخص بنفس المنشأة. ورصدت وزارة العمل مؤخرا 180 حالة من التوطين الصوري للقوى العاملة العمانية التي تمكنت من استخراج 660 تصريح استقدام للقوى العاملة غير العمانية للعمل في منشآت ومؤسسات القطاع الخاص، وذلك باستغلال بعض التسهيلات التي تقدمها الوزارة لمنشآت القطاع الخاص، وهذه الأمور أصبحت اليوم واضحة أمام الجهات المعنية للوقوف عليها أولاً بأول، ووقف أي عمل يشوبه الفساد، ويكون مخالفا لقرارات الجهات المعنية، للحفاظ على حقوق الآخرين في العمل.

أما بالنسبة للزيادة السنوية والامتيازات والمكافآت؛ فالكل على علم بأحوال المؤسسات والشركات العمانية في الوقت الحالي نتيجة لاستمرار الجائحة. وهذا ما أدى أيضا بالمؤسسات الحكومية إلى حجب الترقيات وصرف العلاوات الدورية لموظفيها؛ الأمر الذي يتطلَّب المعاملة بالمثل مع مؤسسات القطاع الخاص أيضا لحين تمكنّها من التعامل مع المستجدات القائمة والقاهرة. فكلُّ المؤسسات تصارع اليوم للبقاء؛ الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكومية ألا تمارس ضغوطاً أخرى على مؤسسات القطاع الخاص، من حيث فرض مزيد من الضرائب أو الرسوم، على الأقل لحين حصول مستجدات إيجابية في موضوع “وباء كورونا”.