صادق حسن اللواتي
فاطمة من التاريخ إلى التراث الروائي (2)
أنا وأنت نسمع المحاضرات الدينية ثم نريد مناقشة المتحدث وراء الميكروفون حول موضوع حديثه في أي بعد من أبعاد الدين كان ، وذلك من أجل الوصول إلى إدراك واقعة يقينية أو واقعة غير يقينية ، ولو أهملنا هذا الإدارك ولم نسعى للوصول إليه فإن فهمنا للدين سيكون ناقصا لسببين :
الأول :- لن نستطيع تميزمسارتفكيرالمتحدث أيا كان هذا المتحدث مثلا عن سيرة السيدة فاطمة (ع) ، الثاني سنبتعد عن فهم القواعد الفكرية التي توصلنا إلى التحليل المنطقي للنصوص التاريخية والروائية أصحيحة هي أم غير صحيحة.
مثلا : هل تفسيرعبارة (رؤية الهلال) واحدة بين الفقه وعلم الفلك أو لا ؟ الجواب كلا والدليل علم الفلك يستند على تفسيرها بالحسابات الفلكية قبل ولادة الهلال والفقه يستند على تفسيرها بالعين المجردة بعد ولادة الهلال وبعيدة عن الحسابات الفلكية بل يستند على النصوص الروائية أو الحديثية ، لهذا هو يستعين بالتقويم الشهري الذي يحدده علماء الفلك.
إذن لابد من التميز بين أصل الموضوع وبين سلوك العباد ، ويقسم السلوك إلى نوعين وهما : (عقائدي ومؤسسي أو أسطوري) ، فالعقائدي نظام يتجلى في مجموعة تصورات أصل الدين مثلا ، هل نظام التوحيد واحد عند المسلمين والمسيحيين ؟
الجواب كلا المسلمون التزموا بنظام التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله ، بينما المسيحيين لم يلتزموا بهذه الشهادة بل اعتبروا عيسى النبي إلها فهو مصدرالمعرفة عندهم فهم ليسوا بحاجة إلى الوحي ، ومن أجل نشرالدين المسيحي هل يمكن إيجاد مدعين للنبوة ؟
الجواب نعم ، يمكن لأن لا يوجد نبي في الفكرالديني المسيحي ، بالنتيجة إعطاء المبشرالمسيحي منصب النبوة ضرورة دينية أم ضرورة شخصية ؟ ضرورة شخصية ، لنقرب المعنى أكثر
أنت عندما تسأل الفرد المسلم كيف إنتشرالإسلام ؟ الجواب البعض سيقول بالحكمة والموعظة الحسنة ، والبعض يقول بمال خديجة وسيف علي ، جزئية مال السيدة خديجة لا نستشكل عليها كعامل مساعد في انتشار الإسلام ،
أما جزئية انتشارالإسلام بسيف علي نضع عليها علامة إستفهام ، لماذا ؟ أولا : لأنها مناقضة للمنهج القرآني ، جاء في سورة يونس آية 99 ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين “.
ثانيا : تم تثبيت هذ الإعتقاد بالإعتماد على الرأي الشخصي ، جاء في (بحارالأنوار) ج16 ص 19-22 في شرح الآية 8 من سورة الضحى (ووجدك عائلا فأغنى) يقول
(خلال فترة الحصارفي شعب مكة ، حيث استمرثلاث سنوات منعت قريش القوت والإمداد عن بني هاشم ، فكانت خديجة تغدق عليهم بكل سخاء) ثم يقول رأيه (لقد ساوى بذل خديجة (ع) وسيف علي ، وقد تساويا في من قبلُ في سبق إلى الإسلام).
بالنتيجة الشيخ المجلسي عندما أعطى هذا الدور في نشرالإسلام ل (علي بن أبي طالب) بالسيف هل هو ضرورة دينية أو ضرورة شخصية ؟ ضرورة شخصية.
هذا فيما يخص السلوك في البعد العقائدي ، أما السلوك في البعد المؤسسي أوالأسطوري ، هناك قصة في أدبيات الديانة الهندوسية وهي
(أن إمرأة مشاكسة جاءت إلى كريشنا قائلة له : أنا لا أجد طريقة تجعلني أحب الله ، سألها كريشنا أما يوجد شيء تحبينه ، أجابت المرأة بلى يوجد وهو إبن أخي الصغير، قال كريشنا حبك لله يكمن في حبك وخدمتك لهذا الطفل).
هذه الصورة للإله يختفي خلفها وجه العظمة للإله كريشنا ، الأدبيات الهندوسية تريد أن تُعرف كيف يتجلى شكل الإله في ثقافتها والصورة تشير إلى حقيقة واحدة ونهائية أنها قناع يتناغم مع الصورة المجازية في الدعوة إلى معرفة عميقة لشخصيات الحدث وهذا القناع نجده أيضا في الثقافة الإسلامية ،
عندما يتحدث المسلمون في أدبياتهم عن حوض الكوثر العظيم الذي سيوضع في أرض المحشريوم القيامة فماء الحوض من نهر في الجنة وأنهم سيشربون منه وأن الساقي على الحوض هو علي إبن أبي طالب يذوذ عنه أعدائه ويسقي أوليائه هذا عند الشيعة ،
أما أهل السنة الساقي هو خاتم النبيين (ص) يذوذ عنه منكري نبؤته ويسقي المؤمنين منه، طالما سقاية الماء من حوض الكوثر سيكون في أرض المحشر سؤال : قبل الحساب أو بعد الحساب ؟ مؤكد قبل الحساب لأنه لا يمكن سقي أي احد بعد الحساب فهو إما إلى جهنم فلا نصيب له من ماء الحوض وإما إلى الجنة فالشُرب من هذا النهر تحصيل حاصل
ولكن النقطة المهمة هي عندما يُسقى شخصً من نهر في الجنة قبل الحساب فأنت حكمت عليه مسبقا أنه من أهل الجنة ومن لم يشرب منه فهو من أهل النارأليس كذلك
وهذا يأخذنا إلى سؤال : هل سلطة محاكمة الخلائق يوم القيامة بيد الله عزوجل أو لا بيد خاتم النببين(ص) والإمام علي؟ الجواب بيد الله عزوجل ، إذن لماذا تم تلبيس النص قناع العداوة والبراءة ؟
واقعا من هنا تبدأ المشكلة في حالة الإبتعاد عن أصل الموضوع دون تمييز النص الصحيح من غيره ، فإذا بحثت عنه ستجده مبعثرا هنا وهناك جزء منه صحيح وجزء لا وجود له أصلا ، ولكن جمع في زمرة واحدة وحفظ مع نصوص أخرى
ثم عمد كل طرف واختنزنه في أدبياته المختلفة ثم جمع حوله مجموعات في مؤسسة في مسجد أو ماتم او معبد او كنيسة لتمارس تطبيق هذه النصوص.
نكمل بحثنا في الحلقة (9) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء.
إعلموا أني فاطمة (9): فاطمة من التاريخ إلى التراث الروائي (3)
جاء في سورة مريم آية 30 (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) وجاء في سورة يوسف آية 26 (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد قُد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين).
الباري عزوجل ينقل في سورة مريم كلام عيسى النبي (ع) مع علماء بني إسرائيل والشهادة التي شهد بها وهو في المهد عن براءة أمه من التهمة التي وجهت لها ، وفي سورة يوسف ينقل الباري عزوجل كلام شهادة صبي عن واقعة وقعت في قصر عزيز مصر بين زوجته ونبي الله يوسف (ع).
نبي الله عيسى (ع) والصبي حين أدليا بشهادتيهما هل كانا في سن الرشد حينذاك ؟ ، لأن ما نطقا به لا ينطقه إلا صاحب عقل راجح وصل إلى كمال الرأي ، الجواب كلا ، إذن على أي معياروأساس ومبدأ أدليا بشهادتيهما ؟
ركزوا معي رجاء ، لا يختلف إثنان أن للنص مفهوم خاص ودلالة خاصة في الأديان السماوية وكذا الحال في باقي الأديان الغيرسماوية ، فالنصوص التي نطق بها عيسى روح الله والصبي لها إرتباط وثيق مع الجهة التي صَدرمنها النص ،
وهذه الجهة هي من تملك سلطة النص ، قد يقول قائل من أين عرفنا جهة النص ؟ الجواب من القرآن الكريم ، قد لا يطمئن السائل للجواب معللا أن القرآن لم يُجمع في عهد النبي الخاتم (ص) فكيف عرفتم أن هذا الكلام هو كلام الله.
الجواب أولا : أن لهذا الكتاب تاريخ فأنت رجعت به إلى التاريخ ، رجعت به إلى عصرالتنزيل ، رجعت به إلى العصرالذي صدرت فيه هذه النصوص. ثانيا : البنية المرجعية لهذه النصوص عكست رؤية معينة في قالب تنظيمي لغوي له دلالة معينة وهذا كاف لمعرفة مؤلف النص.
ثالثا : إرتباط النص بالبنية اللغوية لمقصد معين تفاعلت مع الفضاء الخارجي المتلقي للنص.
وهذه هي أركان النص الثلاث (أصل النص ، مؤلف النص ، متلقي للنص).
فإذا جاء عيسى وقال أنا نبي مرسل من قبل الله وهذا كتابه فهل تصدقه ؟ مؤكد لا ، لأن الذي قال لك أنه نبي مرسل من عند الله وهذا كتابه هو إنسان مثلك ، فهل يملك هذا النبي أو الرسول السلطة على نصوص كتاب الله الذي جاء به من عنده أو لا ؟
فإذا كان عيسى النبي لا يملك السلطة على نصوص كتاب الله ، فالكتاب بالنسبة لك كتاب معرفة وهداية وتصديقك له سيكون أسرع من تصديقك للنبي ، لأن سلطة النص بيد مؤلف الكتاب وهو الله عزوجل ،
أما إذا كان عيسى النبي يملك السلطة على نصوص الكتاب فأنت تحت هيمنة النبي أوالرسول لا تحت هيمنة كتاب الله. إذن في هذه الحالة ستكون سلطة النص بيد النبي لأنه سيكون هو مؤلف هذا الكتاب وليس الله عزوجل.
فهل عيسى النبي والصبي يستطيعان تأليف نصوص في قالب تنظيمي لغوي له دلالات خاصة وفي هذا السن ؟ الجواب كلا ، فسلطة النصوص التي نطقوا بها بيد الله وهو مؤلف هذه النصوص ، بالنتيجة
أن النص الذي بني ضمن مرجعية معينة ، ورؤية معينة ، ووظيفة معينة ، ولغة معينة ليحقق هدف معين في زمن ومكان معينين لربط العلاقات الداخلية والخارجية له فضاء واسع يسمى (بسلطة النص) أيا كان هذا النص قرآني ، روائي ، حديثي أوغيره.
لنقرب المعنى في المعلومات المتوفرة لدينا عن حياة السيدة فاطمة من منظورتاريخي وهي قليلة في مقابل حجم التراث الروائي الكبير جدا ، فبخصوص تاريخ مولدها الأقوال فيه لا تخرج عن ثلاث مواقف : (مولدها قبل البعثة ، ومولدها عند البعثة ، ومولدها بعد البعثة).
أما الذين ذهبوا إلى تاريخ مولدها قبل البعثة بسنة هو (إبن حجرفي الإصابة ج8 ص 263 ) ، أو بخمس سنوات هو (المجلسي في بحار الأنوار ج43 ص 9).وقد انفرد كبارعلماء الإمامية من أعلام القرن الثالث الهجري وهو (إبن أبي الثلج البغدادي في تاريخ الأئمة (ع) ص 3)
في ولادتها بخمس سنوات قبل البعثة حيث وافق عليه أهل السنة أيضا مما يعني أن عمرالنبي الخاتم (ص) كان وقتئذ 35 سنة وعمرالسيدة خديجة 50 سنة. أي قبل الإسراء والمعراج بسبع سنين
وهذا يعني أن السيدة فاطمة قضت طفولتها مع أبواها على دين أجدادهما ، فالنبي الخاتم (ص) كان على دين جده إبراهيم الخليل (ع) والسيدة خديجة كانت على دين النصرانية وهو دين إبن عمها ورقة بن نوفل.
أما الذين قالوا في مولدها عند البعثة هو فقط (محمد المناوي في إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب ص 24) فيكون عمرالنبي الخاتم (ص) 40 سنة وعمرالسيدة خديجة 55 سنة أي قبل الإسراء والمعراج بسنة واحدة.
أما الذين قالوا أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات وبعد الإسراء والمعراج بثلاث سنوات فهو قول (النيسابوري في روضة الواعظين ص 143) وهي الرواية المعتمدة الآن وتقرأ على المنابر وتنقل عبرالوسائط الإعلامية المتعددة ،
وهذه الرواية حلت المشكلة بعض الشيء على الأقل أنها ولدت في عهد الدعوة الإسلامية وأبواها على دين واحد.ولكنها جعلت السيدة خديجة تنجب وهي في عمر 60 سنة ، وهذا أمركان شبيه بالمعجزة في مكة والجزيرة العربية في تلك الفترة لأنه نادرالتحقق في التاريخ.
وهذه السيرة التاريخية عن مولدها إعتبرها البعض باهتة ولا يمكن الرهان عليها في كتابة ترجمة السيدة فاطمة لأنهم لاحظوا أن التاريخ إقتصرعلى ثوابت تاريخية وهذا مخيب للآمال فانبروا يؤولون أحداث التاريخ المقترنة بالسيدة فاطمة.
فاصطدمت النصوص التاريخية مع التراث الروائي الذي بني على نصوص نسبت إلى النبي الخاتم (ص) والأئمة (ع) فاختلط الحابل بالنابل وخرجت سلطة النص من يد إلى يد أخرى .
نكمل بحثنا في الحلقة (10) إن شاء الله تعالى……إلى اللقاء.