فاطمة عبد الرضا محمد اللواتية – الرؤية
معرفة الذات هي من الأمور الأساسية للبشر، حيث إنَّ كل فرد يمتلك صفات وسمات تختلف عن الآخرين، والإنسان هو الوحيد الذي يُمكنه التعرف على ذاته ومعرفة نقاط القوة والضعف لديه، وما يحمله من فكرة عن هويته من الناحية النفسية والجسدية، والصورة الذاتية التي يكونها لنفسه من حيث الكفاءة والوعي والتقدير.
فما هي الذات؟ وما هي الأهمية والاهتمام بمعرفة ذواتنا؟
يعرف علماء النفس الذات”اعتقاد الفرد عن نفسه بما فيه صفات الشخص ومن هو؟ وماهي الذات؟ “
والذات الإنسانية عملية معقدة من حيث التكوين والتشكيل، وتبدأ مرحلة تشكيل وتكوين الذات لدى الإنسان منذ مراحل نموه الأولى من الطفولة، ومن خلال بناء المعرفة التي تساعده في تشكيل مفهوم الذات الإنسانية.
معرفة الإنسان لذاته تعتبر نعمة وهبة ربانية منحها الخالق- سبحانه وتعالى- للبشر دون غيرهم من الكائنات، حيث إنَّ معرفة الإنسان لذاته ومدى امتلاكه للقدرات والكفاءات تجعله يأخذ مكانته التي يستحقها في الحياة بناءً على الإمكانات التي يمتلكها، أما في حالة جهل الإنسان لذاته وعدم معرفة إمكاناته وقدراته فيجعله يقدم تقييما غير عادل وغير دقيق وسليم، فإما أن يعطيها أكثر ما تستحق وبالتالي يثقل كاهله بمهمات لا يُمكن إنجازها لضعف القدرات لديه وبالتالي يواجه الصعاب والمشاكل لعدم قدرته على الأداء؛ لأنها تفوق إمكاناته، وفي المقابل نلاحظ وجود فئة من الناس تزدري ذاتها وتقلل من إمكاناتها وقدراتها فيظلم نفسه ولا يأخذ المكانة التي يستحقها في الحياة، على الرغم من أنه جدير باستحقاق المكانة العالية.
إن معرفة الذات هي من الإشكاليات التي يواجهها الكثيرون، وهي عملية معقدة وصعبة؛ لأنها تشمل الكثير من الصفات المتناقضة من القوة والضعف والفزع والأمن والشدّة واللين، وهي جامعة لعدد كبير من الصفات تجعل من الصعب على الإنسان أن يتعرف على ذاته بسهولة، ولكن المعرفة الحقيقية للذات وتحديد نقاط القوة والضعف ومُعالجتها من الأمور الأساسية وتعتبر مفتاح التطور والارتقاء والنجاح في الحياة للإنسان.
ولعل من الشروط الأساسية لمعرفة الإنسان لذاته هي “المصداقية” بمعنى أن يكون صادقاً مع نفسه وواضحاً وصريحاً، وأن يكون صافي الذهن ونقي السريرة، ومقدرًا لطاقاته وإمكاناته ولا يتقمّص أدوارا لا تناسب ذاته ولا طبيعته – وإنما فقط لمجرد كسب إعجاب الآخرين- وألّا يكون متملقا أو متوهما بوجود صفات ومميزات فيه لا يمتلكها، وأن يكون موضوعيا ومحايدا وبعيدا عن الاهتمام بنظرات الإعجاب من الآخرين وآرائهم.
أقسام الذات الإنسانية:
الذات الإنسانية تنقسم إلى أربع نوافذ كما أشار إليها العالمان (جوزيف لوفت) و(هاري أنجام) حيث أطلقا عليها (نموذج جوهاري) وهي أن الذات تنقسم إلى أربع نوافذ هي كالتالي:
(المخفية) لا يعرفها الآخرون وتعرفها الذات فقط، مثل: الأسرار الشخصية.
و(المنطقة المفتوحة) والتي تعرفها الذات والآخرون وهي الأمور الظاهرية التي لا تستطيع الذات إخفاءها.
والمنطقة (العمياء) والتي تسمى شبه المفتوحة والتي يعرفها الآخرون ولكن مجهولة لدى الذات.
وأخيرا المنطقة (المجهولة )لا يعرفها الآخرون ولا تعرفها الذات وتحتوي على الطاقات الكامنة والقدرات، ومن خلالها يستطيع الفرد مواجهة التحديات إذا استطاع الوصول إليها، ولكن لا يمكن اكتشافها أو استغلالها إلا إذا وُضِع الإنسان في المواقف، وتطلب منه التفكير والغوص في أعماق ذاته حتى يتوصل إلى الحل وكثيرا ما تقود المنطقة المجهولة للذات إلى الإبداع، فمن خلال التجارب والملاحظات نجد أن الكثيرين تمكنوا من الخروج من المشاكل بطرق ووسائل إيجابية كانت لصالحهم، ولكن هذا لا يتم إلا من خلال التعرف على الإمكانات الداخلية الدفينة في داخلنا، لذا دائماً تجد الاندماج والتوغل في فكرة معينة تقودك إلى أفكار أخرى إبداعية عكس الفرد الذي يجمد نفسه ولا يفكر، إن التفكير وإيجاد الحلول تقودنا إلى معرفة ذواتنا وما نملكه من إمكانات وطاقات وهذا ما يطلق عليه الطاقات والقدرات الكامنة.
سؤال دائماً يطرح هل بإمكان الإنسان أن يقوم بتغيير ذاته؟
كل منِّا يمكنه أن يُغير من نفسه ولكن التغيير ليس سهلاً ولا يمكن تحقيقه إذا كان للفرد مجرد أمنيات وتخطيط على الورق، إنما لابد أن تكون لديه قوة داخلية من ذاته ودافعة تجعله يبدأ بالتغيير، وحث نفسه، والقدرة على مواجهة التحديات من خلال الإرادة الذاتية والالتزام بالأمور التالية:
•تحديد النقاط والأمور التي يريد أن يغيرها في ذاته.
•البعد عن منطقة الراحة (وهي المنطقة التي يفضل بعض الأفراد البقاء فيها دون تغيير أو الخوض في تجارب جديدة) ولنا في الحياة أمثلة كثيرة .
منها البقاء على السلبيات ونقاط الضعف بالرغم من قدرته إذا بذل القليل من الجهد التغيير في ذاته.
• الاستمرار والمحاولة المستمرة إذا كانت لديه النية الصادقة في التغيير، ويجب عليه الاستمرار ولا يتوقف إذا ما واجهته الصعاب والتحديات والوصول إلى المنطقة المجهولة التي تضمن الطاقات والإمكانات.
• الصبر والإرادة من الأمور الأساسية التي يجب أن يتسلح بها المرء إذا كانت لديه النية الحقيقية في التغيير.
التغيير ليس عملية سهلة كما ذكرنا سابقا وإنما لابد من الإرادة القوية، والكثيرون حاولوا التغيير ولكن بسبب عدم تملكهم الصبر والإرادة والنية الصادقة في التغيير، تركوا التغيير في منتصف الطريق على الرغم من تقدمهم ولكنهم فضلوا العودة لمنطقة الراحة.
إنَّ تقييم المرء لذاته يتوقف على ما يقوم به من أعمال وأن يكون واثقاً من نفسه وعارفاً ومعترفاً بعيوبه، وهذا لا يتم إلا من خلال المعرفة الحقيقية للذات، وذلك عن طريق الإنصات لنفسه وتخصيص وقت كافٍ في التفكير لذاته ومحددا لقدراته ومهاراته والمعرفة في كيفية التعامل مع المشاعر الذاتية والبحث عن الجانب المشرق في حياته.
من خلال الخبرات والتجارب نستدل بأن هناك أمورا حياتية نمارسها وتعتبر عوامل مساعدة للمرء في التغيير وتحويل الجوانب السلبية إلى جوانب إيجابية، وهي:
الاسترخاء والتأمل والتي لها الدور الكبير في التخلص والتخفيف من التوتر مثل: “اليوغا” وكذلك التأمل في الكون والجلوس في مكان هادئ بعيدا عن الضوضاء مثل: البحر والتي تصفي الذهن وتساعد على تغيير المسارات العصبية في الدماغ.
وأخيرا يجب على الإنسان ألا يستسلم مهما كانت البداية وعليه الاستمرار والإصرار حتى يصل إلى التغيير الذي يود الوصول إليه.