مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
تعد مؤسسة الجمارك العمانية من أعرق المؤسسات الإدارية التي ظهرت في المنطقة بشكلٍ عام، والسلطنة بشكلٍ خاص، وهي المؤسسة التي تجاوز عمر إنشائها بالشكل الحديث القرن من الزمان، علمًا بأن عمان عرفت نظام الفرضة منذ عهدٍ بعيد، وتعاقب على إدارة الفرَض العمانية العديد من الموظفين العمانيين والهنود.
وفي نهايات العقد الثاني من القرن العشرين وفي عهد السلطان تيمور بن فيصل، أدرك السلطان أهمية إصلاح النظام الجمركي كأحد أبرز الحلول للخروج من الأزمات المالية العديدة التي كانت تعصف بالسلطنة، لذا حرص على تنظيم مؤسسة الجمارك واستقطاب عدد من الخبراء العرب لإدارتها وتوجيهها التوجيه الصحيح، فظهر العديد من الأسماء التي تعاقبت على العمل في هذه المؤسسة بفروعها المختلفة، مثل: عبد السلام حسين غنّام، وأحمد زكي عبده، وعبد الله أفندي مدير جمرك مسقط، وأحمد حمدي أفندي مدير جمارك مطرح في عشرينيات القرن الماضي.
كما بزغ نجم موظفٍ آخر أكمل مسيرة من قبله، ولعب دورًا مهمًا في تنظيم عمل الجمارك العمانية على مدى أربعة عقودٍ من العمل منذ تركه لوظيفته كمترجم في وزارة الداخلية العراقية عام 1921، وحتى سقوطه مفلوجًا في ديسمبر من عام 1959، وعودته إلى بلده الأم مصر، ألا وهو إسكندر حنّا أفندي مدير عام الجمارك السلطانية الذي وصفه صاحب جريدة (الفيحاء) العراقية بأنه ” من خيرة الموظفين المصريين الذين قدموا هذه البلاد وتولوا الوظائف بها، وقد كان العامل الوحيد في زيادة الواردات من الرسوم الجمركية زيادةً تذكر، وهم ممن أحبهم صاحب العظمة السلطان تيمور لإخلاصهم وأمانتهم..”، والذي سنتعرف على لمحات من شخصيته الوظيفية وأبرز إنجازاته خلال فترة خدمته.
البداية
بتاريخ 12 يناير 1921 أرسل القنصل البريطاني في مسقط خطابًا إلى تريفور Trevor المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يفيد فيها بأن حكومة زنجبار أفادته بأسماء أربعة موظفين، ثلاثة منهم مصريون وسوداني واحد، يخدمون في الوقت الحالي بالعراق، وهم مؤهلون للعمل في جمارك مسقط، ولديهم الرغبة للانتقال إليها للعمل، طالبًا منه مخاطبة الجهات المعنيّة بالعراق من أجل الحصول على خدماتهم في أقرب وقتٍ ممكن، مقابل 300 – 400 روبية شهريًا كرواتب، على أن يتم تحديدها بعد الاطلاع على مؤهلاتهم وخدماتهم، وستتحمل حكومة مسقط تكاليف سفرهم.
وبالفعل ففي 20 يناير 1921 أرسل المقيم Trevor الخطاب رقم 125 إلى المفوض السامي ببغداد طالبًا مساعدته في الحصول على خدماتهم لصالح حكومة مسقط، وهم: شفيق أفندي الدهشوري، محمود محمد مكي، بشارة الطرابلسي، إسكندر حنّا وكان يعمل مترجمًا في وزارة الداخلية ببغداد.
وقد رد المفوض السامي بتاريخ 9 فبراير 1921 عبر برقيةٍ أوضح فيها أن شفيق الدهشوري غير موجود في العراق التي غادرها إلى مصر، وأن محمود محمد مكي مرتبط بأمور تحول دون قبوله العرض، وأن بشارة الطرابلسي رفض العرض لكن أخاه جورج مستعد للمجيء إلى مسقط وفق شروطٍ معينة ، بينما لم يرد إسكندر حنّا على الاستفسار حتى تاريخه.
وبعد عدّة رسائل متبادلة أرسل المفوّض السامي برقية أخرى للمقيم السياسي بتاريخ 25 فبراير 1921 يفيد فيها أن بشارة الطرابلسي مستعد لتولي العمل في مسقط مقابل بعض الشروط التي اقترحها شقيقه جورج، أما إسكندر حنّا فهو موافق ويمكن إرساله إذا لزم الأمر.
مدير عام الجمارك السلطانية
في الثامن من ربيع الآخر من عام 1342 هـ الموافق السابع عشر من نوفمبر 1923م أرسل مجلس وزراء سلطنة عمان خطابًا إلى إسكندر أفندي حنّا يفيد باختياره مديرًا عامًا للفرَض (الجمارك السلطانية)، وذلك “لما توقعوه من الهمم والاجتهاد والنشاط في الأعمال، والقيام الحسَن في إجراء لوازم الإدارة العمومية للجمارك السلطانية بالمصالح الوافرة”.
وقد تجدد اختيار اسكندر أفندي حنّا مديرًا للجمارك السلطانية أكثر من مرة منذ وصوله لمسقط في عام 1921، وحتى مغادرته النهائية في يناير 1960 بسبب مرضه، وتشير الوثيقة الآتية التي تعود إلى التاسع من ديسمبر عام 1927 إلى أحد تلك الاتفافات بينه والحكومة .
القوانين الجمركية
بحسب الباحث محمد بن سعيد دريبي العمري فقد أفرزت التعيينات الإدارية بمصلحة الجمارك العمانية ظهور أول نظام جمركي عماني في العصر الحديث، ويتكون من مجموعة من القوانين مثّلت اللائحة الخاصة الهادفة إلى تنظيم دوائر الجمارك العمانية، والتي أطلق عليها ” القوانين الجمركية لمسقط”.
ويبدو أن أول إصدار للقوانين كان في عام 1920، ثم جرت التعديلات على النظام الجمركي تبعًا للحاجة، ومن بينها التعديل الأول في عام 1927، وآخرها عام 1938، وقد شملت القوانين سبعة عشر فصلًا بالإضافة إلى ثلاثة ملاحق.
وقد لعب إسكندر حنّا دورًا مهمًا في إعداد وتعديل هذه القوانين وبالأخص خلال الفترة ما بين 1927 حتى 1938، إذا ما ذهبنا إلى الرأي القائل بأن إعداد الصورة الأولية من تلك القوانين قد تم قبل وصوله إلى مسقط في عام 1921، علمًا بأن الباحث العمري قد ذهب إلى أن إسكندر حنّا هو من أشرف على إعداد القوانين الجمركية لمسقط، وربما اختار الباحث محمد العمري تاريخ 1920 لاعتقاده أن إسكندر حنّا كان موجودًا وقتها بعمان.
وبحسب العمري فقد عززت تلك القوانين قدرة الإدارة المركزية للجمارك بمسقط على مد نفوذها إلى بقية المناطق التي بها موانئ بحرية، وبالتالي الزيادة الحتمية لمداخيل المحطات الجمركية البعيدة عن مسقط، كما أحدث تطبيقها نوعًا من زيادة الوعي والفهم لدى التجار والمواطنين بطبيعة الأنظمة الجمركية التي يتم تطبيقها من قبل الحكومات المعاصرة.
أنشطة جمركية عديدة
نظرًا للجهد الكبير الذي بذله إسكندر حنّا في إدارة الجمارك العمانية والإشراف على محطاتها المختلفة، فقد حرصت الحكومة العمانية على الاستعانة به والاستفادة من خبراته لأكبر مدة زمنية، حيث كانت الجمارك في مقدمة مصادر الدخل قبل ظهور النفط وتصديره في فترة متأخرة من ستينيات القرن الماضي، لذا كان وجود إدارة جمركية واعية من شأنه الإسهام في تحسين الوضع المادي، والقيام بالإصلاحات الاقتصادية المرجوة.
وقد قام مدير عام الجمارك بالكثير من الجهد في سبيل تلك الإصلاحات، ولعل القوانين الجمركية، ومحطات الجمارك في عدد من الموانئ العمانية، واختيار وتدريب وتأهيل العناصر القادرة على إدارة الجمارك، والقرارات المختلفة التي أمر بها السلطان تيمور، وابنه السلطان سعيد في المجالات الجمركية المختلفة، من ضمن تلك الجهود التي قام بها إسكندر حنّا طوال مدة خدمته الطويلة.
جهود مشكورة
في 19 يناير 1925م أرسل مجلس وزراء سلطنة عمان خطاب شكرٍ إلى إسكندر أفندي حنّا مدير عام الجمارك السلطانية، وذلك بعد اطّلاعهم على كشف إيراد جمارك عمان السلطانية خلال السنتين 1923 و1924، والزيادة التي حصلت في ذلك الإيراد بفضل ” نصحه واجتهاده”.
كما أرسل السلطان سعيد بن تيمور خطاب شكرٍ آخر بتاريخ 25 جمادى الآخر 1373 هـ، أشار فيه إلى سروره عندما علم أن أعمال الجمارك جارية على ما يرام، كما أشار السلطان مخاطبًا حنّا أفندي أن هذا ” باجتهادك، ولا زلت مشكورًا”.
نيشان الشرف السعيدي
في 13 مارس 1926 منح السلطان تيمور بن فيصل نيشان الشرف السعيدي لمدير عام الجمارك السلطانية إسكندر حنّا أفندي، وذلك لجهوده في مجال إدارة الجمارك العمانية، وحسن تنظيم سير العمل بها، وأثر ذلك في مجال الإصلاح المالي بالسلطنة، وزيادة نسبة العائدات.
وفي التاسع من أغسطس 1931 صدر الإذن من وزارة الخارجية المصرية بجواز حمل نيشان الشرف السعيدي الممنوح لاسكندر حنّا أفندي – مدير عموم جمارك مسقط وعمان- من قبل السلطان تيمور بن فيصل سلطان مسقط وعمان.
نوبة قلبية
يبدو أن مدير عام الجمارك العمانية كان دائم التنقل بين الموانئ العمانية التي توجد بها مراكز جمارك سواء في عمان أو المناطق التابعة لها كجوادر، فتشير الوثيقة رقم ( FO 371/120543 /122) المنشورة في الأرشيف الرقمي للخليج العربي تحت عنوان (الوضع السياسي الداخلي في مسقط وعمان عام 1956) إلى أن إسكندر حنّا مدير الجمارك بمسقط قد عاد إلى مسقط من مصر في 18 أكتوبر 1956، بعد أن كان قد أصيب في يونيو 1956 بنوبة قلبية أثناء وجوده في جوادر، وبناءً على المشورة الطبية عاد إلى مصر بعد وقتٍ قصير من وصوله إلى مسقط.
مرضه وسفره
في نهاية عام 1959م أصيب إسكندر حنّا بالفلج، حيث وصف صديقه والي مطرح وقتها ومدير المعارف إسماعيل بن خليل الرصاصي الذي كان من الشخصيات القريبة منه مرضه بما سرده في مذكراته: ” في 25 يناير (1960) وجدت صديقنا إسكندر حنّا مدير الجمارك مفلوجًا نصفه الأيسر وتكدرت لمصابه كثيرًا، وتم تسفيره إلى أهله على ظهر باخرةِ شحنٍ فيها موضع للمرضى، وصعدتُ معه، وهناك رفعوه في ونش إلى ظهر الباخرة. كان الله في عونه وعون أهله”.
ويبدو أن سبب رفعه في ونش هو ضخامة حجمه وعدم قدرته على الحركة مما استدعى إلى استخدام الونش في نقله.
وهناك خطاب موجّه من السلطان سعيد بن تيمور بتاريخ 31 ديسمبر 1959 إلى إسكندر حنّا يفيد بمعرفة السلطان في صباح يوم إرسال الخطاب بمرض حنّا أفندي وتأسفه لحدوث ذلك، وتمنيه له بالشفاء العاجل والصحة الكاملة.
كما أشارت وثيقة بريطانية تعود إلى عام 1960 منشورة في الإرشيف الرقمي للخليج العربي تحت رقم (FO 371/148898 /4) تتناول الوضع الداخلي في الخليج العربي عام 1960، إلى أن إسكندر حنّا وضع في سفينة مغادرة إلى ميناء السويس بتاريخ 29 يناير وأنه لن يعود مجددًا إلى مسقط.
المراجع
الأرشيف الرقمي للخليج العربي. وثيقة رقم ( FO 371/120543 /122)، الوضع السياسي الداخلي في مسقط وعمان عام 1956.
الأرشيف الرقمي للخليج العربي. وثيقة رقم (FO 371/148898 /4)، الوضع الداخلي في الخليج العربي عام 1960.
البلوشي، صالح. صفحات من حياة السلطان تيمور بن فيصل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 2018.
الرصاصي، إياد. الوالي إسماعيل، الطبعة الأولى، 2020.
العمري، محمد سعيد دريبي. الجمارك العمانية ونظمها في التاريخ الحديث والمعاصر، المركز الدولي للخدمات الثقافية، بيروت، لبنان، 2011.
حساب جمارك عمان @omancustoms على موقع التواصل الإجتماعي تويتر.
مكتبة قطر الرقمية، وثيقتين تحت رقمي IOR_R_15_1_417_0449، IOR_R_15_1_417_0389
الصور من حساب جمارك عمان، هيئة الوثائق الوطنية، شبكة المعلومات العالمية.