حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
كم هو جميل أن يلتقي الطالب ببعض أستاذته بعد مرور 50 سنة (أي نصف قرن) من الزمن، ويُعيد ذكريات الماضي الجميل التي لا تُنسى ولا تَغيب عن البال. هذه المرة جمعنا الأخ جميل بن علي سلطان في المجلس الكبير لأسرته مع عدد محدود من الأصدقاء لا يزيد عن أصابع اليدين من الأصدقاء للجلوس مع بعض الأستاذة الذين مارسوا مهنة التعليم في المرحلة الابتدائية في فترة السبعينيات من القرن الماضي عند بداية النهضة المباركة. الحضور ضم الأستاذ حاجي عثمان الذي قدم من دولة الكويت الشقيقة عام 1970 ليعمل بالمدرسة السعيدية، وكذلك الأستاذ عيسى شهداد الذي قدم من البحرين في العام التالي ليعمل بنفس المدرسة.
الحديث الذي دار بيننا شمل العديد من الذكريات تتعلق باهتمام تلك النخبة من المدرسين الذين قدِموا في بداية النهضة المباركة لينضموا إلى بقية الأساتذة من العمانيين والفسلطينيين الذين تواجدوا في تلك الفترة وما قبلها، وممن تركوا بصمات لا ينساها الطلاب حتى اليوم. فعلى أيديهم تمكّنا من استسقاء العلوم والمعلومات والفنون بشتى أنواعها بالرغم من تواضع الأجهزة والمعدات التعليمية في تلك الفترة، إلا أنَّ هؤلاء المدرسين تمكنوا من توصيل رسالتهم للطلاب- وأنا واحد منهم- بصورة بقيت في أذهاننا إلى اليوم. وعلى أيديهم تعلمنا الموسيقى والرسم والمسرح ومجلات الحائط وغيرها من الأنشطة المدرسية الرياضية المتطورة. فشكراً لكل مدرس ومعلم شارك في تنمية عمان وأبنائها منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا.
الحديث تطرق أيضاً إلى انتقال هؤلاء إلى العمل الإداري لاحقاً ليصبحوا مديرين بمختلف مديريات وزارة التربية والتعليم والشباب في تلك الفترة، وبعضهم تمَّ تعيينهم في الملحقيات الثقافية والتعليمية في عدد من الدول الخليجية والعربية والأجنبية، ليأخذ دورهم جيل جديد من الأساتذة العمانيين والعرب من الإخوة المصريين عندما شهدت المسيرة التعليمية في السلطنة تطورات إيجابية كبيرة سواء من حيث عدد الطلاب أو المدارس أو المدرسين.
وضمن هذا المحور تطرق الحديث إلى انشغال أبناء الجيل الحالي من الطلبة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيراته السلبية في ابتعاد الطلاب عن الجلوس مع ذويهم بحيث أصبح الولد والبنت يطلبون احتياجاتهم المدرسية والغذائية وغيرها من والديهم عبر الرسائل النصية، وهم يعيشون في بيت واحد ويتواجدون تحت سقف واحد، الأمر الذي سوف يترك آثارًا سلبية على الحياة الاجتماعية للأسرة لاحقاً إن لم تتم معالجة هذه الإشكالات.
لقد أرجع اللقاء بالحاضرين حنينهم للحديث عن الأيام الماضية التي كانت تعيشها العائلات والأسر العمانية مع أطفالها في بيوت صغيرة وبمساحات ضيقة، وكيف كان الطفل والطالب يقوم بمراجعة الدروس بنفسه، والالتزام بالنوم المُبكر. كما تحدثوا عن ظروف المعيشة في تلك الفترة، وقيام الوالدين بتقديم بعض الأدوية والأعشاب المخدرة لأطفالهم قبل النوم في حالة المغص اعتقادًا منهم بأنَّ ذلك يريح معدتهم ويدفعهم نحو النوم العميق دون إدراكهم الأضرار السلبية لهذه الأدوية إلا في وقت متأخر في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. فقد كان معتادا أن يتناول الطفل مشروب سائل مستورد للأطفال بمسمى “ماء غريب” أو أخذه نوعا من الأعشاب، دون معرفة الوالدين بأنَّ هذا السائل أو العشب كان عبارة عن مخدر يدفع الأطفال نحو النعاس. وفي هذا الإطار تفرع الحديث عن أضرار هذه السوائل والأعشاب بجانب أضرار السجائر التي كانت متواجدة في تلك الفترة من الزمن، خاصة وأن بعض العمانيين رجالاً ونساءً عُرف عنهم استخدامهم للتمباك (التبغ) في جلساتهم اليومية في عملية التدخين بجانب تخصص أهالي الباطنة في زراعة هذه النبتة وبيعها في أسواق مطرح ومسقط في تلك الفترة وحتى اليوم، بحيث وصل الحال لدى بعض المستثمرين والمزارعين العمانيين بالدخول في تجارة التمباك ورغبتهم في إقامة مصنع للسجائر في السلطنة في فترة التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث كانت البلاد تحتفل بعام الصناعة. هذا المشروع الذي لم ير النور جاء ضمن اهتمامات بعض المزارعين بأن تستغل زراعة التمباك في صنع السجائر في السلطنة ذات جودة، وتصديرها للخارج، خاصة وأن هذا المحصول ما زال يلقى رواجاً كبيراً في الأسواق الخليجية وغيرها؛ حيث يستخدم التمباك في أثناء المناسبات والاحتفالات الوطنية والدينية لدى البعض، فيما يستخدمه الآخرون في ليالي الأفراح والأتراح التي نتمنى أن تعود كما كانت في الماضي بعد انقضاء فترة وباء الجائحة التي يُعاني منها الناس. فهل هذه المبادرة ستلقى القبول من المعنيين؟
ونقول إنه بالرغم من مساوئ هذا الوباء، إلا أنه يدفع أفراد الأسرة الواحدة نحو تعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية فيما بينهم. فهذه الفترة تتميز بوجود الكثير من التحديات والمصاعب التي أوجدتها الجائحة للجميع سواء في أعمالهم التجارية اليومية أو على مستوى المعيشة. وفي جميع الحالات يبقى مشروع زراعة وصناعة التمباك في البلاد ضمن القضايا الإنتاجية المُهمة في السياسة الزراعية والتصنيع المحلي، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في الاقتراح بتأسيس صناعة للسجائر لاستغلال هذه الزراعة، ومباشرة غرفة تجارة وصناعة عمان والجهات المعنية الأخرى لفتح هذا الملف إن كان مناسبًا في الإضافة للاقتصاد العماني ليصبح مشروعا استثمارياً مجديا للتصدير إلى الخارج في إطار سياسة تنويع مصادر الدخل، خاصة وأنه يمكن من خلال ذلك توفير عدد من فرص العمل للعمالة الوطنية في مجال الزراعة والصناعة والتصدير والنقل.