صادق حسن اللواتي
(5)
نبدأ حديثنا في هذه الحلقة بالعامل الثاني من العوامل التي أدت إلى القراءة الدونية للمرأة وهو(إضفاء القدسية للنص الديني وإبعاده عن القراءات الأخرى). البشرية تضفي القداسة على أموركثيرة وكتاب الله يرفض أن تكون القدسية لغيرالنص الخارج عن دائرة الوحي ،
أو لبشرمهما كانت منزلتهم وارتفع شأنهم ، جاء في سورة المائدة آية 116(وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين).وينبغي أن نعلم أن القرآن جعل المرجعية له في كل شيء ،
وهذه المرجعية وضعها في مثلث (القانون – الحقيقة – العدالة) وسماها الحق ، وما نلاحظه أن هناك حذف لحقيقة تجربة الإنسان مع الله ومع منظومة النصوص القرآنية وتفسيرها ، حيث إلتجأ الإنسان إلى التفسيرالذي لا ينسجم مع المنهج القرآني وذلك من أجل تأسيس نظام إجتماعي تعسفي،
يمارس فيه تفسيرالنص تارة ويتلاعب في معانيه وألفاظه تارة أخرى ، حتى لا يتمكن أحد من التأثيرفي مجمل الفكرالذي ينتمي له ولا في النصوص القرآنية التي يدعي أنه يستخدمها وينتمي إليها.فعندئذ النص سيكون له معنى أو يصبح اللا معنى؟ مؤكد سيصبح اللا معنى لماذا ؟
لأن تم ترسيخه باللاهوت الديني والخطاب الديني فيتعالى على التاريخ واللغة والثقافة ليبين للناس أن ما قدمه ليست قراءته بل قراءة المعصوم ، أوالسيرة العقلائية أوالسيرة المتشرعة أوسيرة السلف الصالح.
فأصبح هذا الإنسان مقدسا في نظر الغير، فأنت هل تستطيع أن تنقد المقدس أو لا تستطيع ؟ لا تستطيع ، دعونا نأخذ مثالا ونوضح المعنى أكثر، جاء في سورة النساء آية 176 (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
ماذا تعني القوامية لغة ؟ جاء في (تحقيق في كلمات القرآن الكريم – حسن المصطفوي – ص 381) (القيم صفة والقيوم مبالغة ومأخوذان من القيام). بناء على هذا المعنى فإن كلمة الرجال صفة للموصوف وليس المقصود الذكروالصفة يمكن أن تطلق على الأنثى أيضا ،
لأن محورالقوامية في الآية هي النفقة فهذه المسؤولية قد تقوم بها المرأة وتنفق على الأسرة فالقوامية تكون لها وقد يكون العكس ، وقد تكون النفقة مشتركة فالقوامية مشتركة بينهما.وإجمالا القوامية هي رعاية المنظومة الأسرية لا لإيجاد نظام أسري مستبد.
إذن الإصرارعلى قوامية الرجل من أين جاءت ؟ تقول تفاسير المسلمين (إبن الكثيرفي تفسيره ص 84) (الرجل قيم على المرأة أي رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا أعوجت ، والرجال أفضل من النساء ولهذا كانت النبوة في الرجال).
(تفسير الميزان ــ الطباطبائي – جزء 4 ص 343) فضل الله الرجال هو ما يفضل ويزيد بحسب الطبع على النساء وهو زيادة في قوة التعقل فيهم وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة) ، ثم يقول
(العلة لهذا الحكم هو الجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء) بمعنى أن المرأة لا تستيطع أن تصبح قاضية أو رئيسة دولة.
هذه القراءات والتفاسيرللنص الديني طرحت قائمة الفروقات بين الذكر والأنثى ، ونحن نسأل ما هو أصل هذه الفروقات ؟
فإذا قلنا أن أصلها تكويني فهل يمكن تغييره أو لا ؟ لا يمكن ، إذن تعالوا معي لنستطلع حركة الإنسان في التاريخ هل فعلا هذه الفروقات يمكن اعتمادها لقوامية الذكرعلى الأنثى أو لا ؟
القراءة الأولى تقول : إن الرجل خُلق وعقله أرجح من عقل المرأة ومسؤلياته أكبرمنها والمرأة ضعيفة العقل بحيث لا تستطيع أن تكون حتى في منصب القضاء ، ولكن (سميرة موسى و رافيا أرشد) برهنتا عكس هذه القراءة حيث أصبحت الأولى عالمة ذرة والثانية أصبحت قاضية.
القراءة الثانية : تقول أن الرجل خلق قوي البنية فهو ذو بأس وقوة ، والمرأة ضعيفة البنية لا حول لها ولا قوة ولكن (جيانا لطفي) لاعبة كراتية ، أدحضت هذه القراءة أيضا بحصولها على حزام أسود تستطيع أن تصرع 10 رجال في ضربة واحدة.
وهذا يدل أن المرأة برهنت أنها تملك من القدرات العقلية والجسدية تستطيع أن تصنع التاريخ ، الآن تبين لنا أن القراءة التي قدمت لنا الفروقات في قوامية الذكرعلى الأنثى إنما هي قراءات ثقافية اجتماعية بحتة لاعلاقة لها بتكوين الإنسان.
قد يقول قائل أن هذه الفروقات في تفاسيرالمسلمين القصد منها التكامل وليس التفاضل بين الذكروالأنثى ، ولو كان كذلك لقال الله (بما فضلهم عليهن) كما ذهب إليه السيد منير الخباز
نقول هذا تلاعب بالألفاظ والقفزعلى المضمون ، سأقرب المعنى عندما تريد المرأة مساواتها في أن يكون الطلاق بيدها ، الفقيه ماذا يقول ؟ تعطى وكالة تستطيع من خلاله تطليق نفسها أليس كذلك.
سؤال : هذه الوكالة تنسجم مع قائمة الفروقات أو لا تنسجم ؟ لا تنسجم ، لأن المرأة لاعقل لها ، فلماذا تعطى الوكالة للجاهل طالما هو خلاف تشريعي ؟ يقول لا هذه قضية اجتماعية وليست تشريعية ، إذن ضغط اجتماعي عليه.
سؤال : لماذا ليست تشريعية ؟ لأن الطلاق بيد الرجل وهي الصيغة الرسمية التي تم اعتمادها من قبل السلف الصالح وهي سيرة العقلاء فماذا تتوقع الآن أن يختارالنصوص التي تنسجم مع صفات أو خصائص أو سمات الذكروالأنثى أوالتي تنسجم مع مصالحه ؟
مع مصالحه طبعا وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة (6) كعامل ثالث وأخير ثم ننتقل إلى سيرة السيدة فاطمة (ع) إن شاء الله تعالى…. إلى اللقاء.
(6)
كان الكلام حول العامل الثالث من العوامل التي أدت إلى القراءة الدونية للمرأة في الموروث الديني وهو(اختيار النصوص التي لا تخدم طبيعة الذكر والأنثى) ، وكلامي ليس في الموروث الذي تحتفظ به الأجيال أوالأمة أيا كانت هذه الأمة
كجزء من منظومتها الثقافية والفكرية والعلمية وكقيم معرفية وأخلاقية مجردة من سلطة الوصاية والهيمنة.بل كلامي مع الموروث المتداول الذي مازال يستخدم سُلطته في التوجية والهيمنة والإستحواذ
وهذا ما وجدناه في حكم الطلاق الذي هو بيد الرجل وإذا أرادت المرأة أن تشترط الطلاق يكون بيدها فتعطى وكالة تستطيع من خلالها تطليق نفسها وهذه الوكالة ليست سببها تشريعي وإنما ضغط إجتماعي ، لماذا؟ لأن الصيغة التي تم إعتمادها أخذت الطابع الفقهي الرسمي.
جاء في مستدرك الوسائل للحرالعاملي جزء 22 ص 98 (الطلاق بيد الرجل دون المرأة فإن شرط في العقد كون الطلاق بيد المرأة بطل العقد) مستندا على رواية عن أبي عبدالله (ع)
في إمراة نكحها الرجل فأصدقته المرأة واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق ، قال (خالف السنة وولى الحق من ليس أهله). إذن المرأة هنا سفيه ، وأيضا جاء في سنن البيهقي جزء 11 ص 27 عن إبن عباس عن النبي (ص) (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق).
إذا قلنا أن هذه النصوص المختارة لصالح الرجل ساهمت في تحفيز العقل الجمعي بشكل أو بآخر وفي تشكيل الوعي الخارجي من أجل تثبيت فكرة سفاهة المرأة والقوامية للرجل
فالمرآة ملزمة في قبول هذا النص أو لا ؟ لا غير ملزمة والدليل أن الذكر والأنثى توجهوا إلى الزواج المثلي جنسيا ، الرجل بالرجل والأنثى بالأنثى ، لآن الوضع بنسبة لهم وصل إلى إستحالة اللقاء بين الذكر والأنثى مما أوجد هوة كبيرة بينهما ، وهذه الظاهرة في توسع مستمر في الغرب وفي الشرق معا
وعليه نقول وبكل ثقة أن الموروث الديني في إستخدامه النصوص المختارة لصالح الرجل ، وبتراكم الثقافي الذي لديه ، وبتحركه بين الناس ومخاطبته لهم تاريخيا ، وبتوجيهه لهم عقائديا ، فإنه دون أدنى شك يعيش حالات نرجسية مع نفسه.
لهذا تجده دائم البحث عن المشروعية من خلال بناء علاقة مع النص وهذه العلاقة تنطلق من (الوهم الصفا) كما عبر عنه المفكر(علي حرب) ، ففي هذه الحالة هل سيخضع هذا الموروث الديني للدراسة المعرفية أو لا ؟
لن يخضع ، أنت إسأل أي خريج الدراسات الدينية أو من يتصدى للوعظ والإرشاد هذا السؤال :- عندما تريد فهم النص القرآني أو الحديثي أوالروائي ما هي الأدوات أوالقواعد التي من خلالها تستطيع فهم النص المقدس ؟
أبسط جواب ننظرماذا تقول تفاسيرالمسلمين وكتب الحديث ،ولكن محمد هادي في كتابه (التأويل في مختلف المذاهب والآراء ص 115) يقول أن القواعد أوالأدوات في فهم النصوص هي (علم اللغة ، الإشتقاق ، النحو، القراءات ، السِيَر، الحديث ، أصول الفقه ، علم الأحكام ، علم الكلام ، علم الموهبة)
هذه القواعد العشرتشمل فهم أي نص مقدس ولاسيما نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. نأخذ قاعدة واحدة من هذه القواعد وهي اللغة ونفتح (تفسيرالألوسي جزء 5 ص 23) لننظر ما جاء فيه حول آية 34 من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض).
يقول (الباء سببية وهي متعلقة بقوامون وأل(ما) مصدرية ضميرها الجمع لكلا الفريقين تغليبا ثم عدل عن الضميرفلم يقل بما فضلهم عليهن وقيل هي للإيهام والإشارة أن بعض النساء أفضل من كثير الرجال).
الآن القوامية عند الألوسي لمن للمرأة أو للرجل ؟ للمرأة طبعا ، ماذا يقول الدكتور محمد شحرورعنها أيضا ؟ (أن الرجال في هذه الآية فيها الذكوروالإناث، والنساء فيها الذكور والإناث أيضاً. فكأنه تعالى يربط القوامة هنا بالقدرات على جميع أنواعها).
القوامية هنا لمن للذكرأو للأنثى؟ لمن يملك المؤهلات والقدرات على جميع أنواعها ، الدكتورطرح نظرية إجتماعية تسمى (نظرية القدرة) كقراءة جديدة للنص المقدس سأتطرق إليها وغيرها من النظريات الإجتماعية خلال البحث إن شاء الله ،
دعونا نتابع السَير مع قاعدة (اللغة) جاء في معجم (فقه لغة القرآن) مجلد 23 ص504 (رجيل يعني قوي على المشي وإنه لذو رجيلة وإمرأة رجيلة والرجِيل القوي أي الصبور على المشي وفي ص 549 المرأة الرجيلة أي القوية على المشي).
وقلنا في الحلقة الماضية أن الرجل اسم أو وصف للذكر؟ وصف ، والمرأة أيضا يمكن أن توصف فتقول ترجلت المرأة أي صارت رجلا ، جاء في الآية 4 من سورة الأحزاب (ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه) الرجل هنا ذكر أو أنثى ؟
الخطاب يشمل الإنسان الذكروالأنثى ، جاء في تفسيرالميزان جزء 16 ص274 (الجملة توطئة لتعليل – قلبين نقضيان لا يجتمعان الخيروالشر والقلب واحد يعني نفس واحدة).
سؤال المهتمين بتفسيرالقرآن أوالفقه أوالوعظ والإرشاد يعرفون هذه المعلومات أو لا ؟ نعم يعرفون ، إذن ما هو السبب في الإصرارعلى بقاء القراءة الدونية للمرأة ؟
السبب هو أن الإعتقاد بالموروث الديني سواء القديم منه أوالحديث تحول إلى عقيدة تملك السلطة الحاكمية والحال يفترض أن يكون هذا الموروث مجرد نظريات قابلة للخطأ والصواب ، قابلة للنقد والتحليل ، قابلة للأخذ والرد ، خاضعة لقواعد فهم النصوص.
في ضوء ما سبق أُنهي حديثي عن المرأة في التاريخ والتراث عامة لننتقل إلى الحلقة (7) ونستنطقهما مرة أخرى عن سيرة السيدة فاطمة (ع) أنموذجا وسيقع البحث عنها طويلا ، لنكشف عن مكنون جوانب مختلفة في المرأة إن شاء الله تعالى……إلى اللقاء
(7)
لا أعتقد أن أحدا لا يعرف من هي السيدة فاطمة الزهراء فأنت عندما تذكر إسم فاطمة الزهراء أمام أي شخص مسلم فإنه مباشرة يسألك تقصد بنت خاتم النبيين (ص) تجيبه بنعم ، لماذا ؟
لأن لفظ (الزهراء) هي الصورة الذهنية التي يدرك بها أنها تخص هذا الرمزالإسلامي دون غيره لهذا أصبحت النساء المسلمات تسمى به تيمنا وتحببا بالسيدة فاطمة.
والتصورالذهني هو الميزان والمعيارللإستدلال بشكل صحيح للوصول إلى نتيجة صحيحة ، ومن أجل الوصول إلى الفهم السريع لمفهوم التصورالذهني عند الإنسان فإنه لا يستطيع التفكيربه من غيرأن يثيرفي نفسه صورا يحللها ويحاول مطابقتها مع الصورالتي نقلها من الخارج.
لتقريب المعنى هل الصورة الذهنية عند الفرد الشيعي عن السيدة فاطمة هي ذات الصورة الذهنية عند غير ه ؟ الجواب كلا ، لماذا ؟ لأن الأخيريريد دليلا على الصورة الذهنية التي طرحتها حتى يصدقها هل هي منطقية أو لا ؟ يقول (الدكتورعبدالهادي الفضلي) في كتابه (خلاصة المنطق ص 106)
(إختلفوا في تعريف التصديق لإختلافهم في حقيقته بين البساطة والتركيب ، البسيط على مذهب الحكماء ومن تبعهم عرفوه (بالإعتقاد) ، أما التركيب إنه يتألف من 4 أجزاء : محكوم ، محكوم به ، النسبة بين محكوم عليه ومحكوم به ، الإذعان للحكم).
بهذا الإختلاف في معاني التصديق مؤكد لن نخرج بالفائدة المرجوة من بحثنا إذا لم تكن هناك غاية لهذا الإختلاف ، فما هي الغاية من الإختلاف في معنى التصديق المنطقي ؟ ، لتبسيط المفاهيم بما يناسب البحث فإن (التصديق المنطقي) هو مجرد إدراك كون النسبة واقعة يقينية أو واقعة غيريقينية.
مثلا : إذا وضعنا القلم بشكل مائل في كوب زجاجي به ماء ، ماذا سنرى ؟ سنرى القلم وكأنه منكسر. ما سبب هذا الإنكسار ؟ علماء الفيزياء يقولون إن هذا الإنكسارهو النسبة بين إنكسارالضوء في الفراغ وبين سرعته في المادة. سؤال : هل هذا الإنكسارواقعي أو غيرواقعي ؟
طبعا غيرواقعي ، في هذه الحالة هل نستطيع الحكم من خلال هذا الإنكسار على أن القلم مكسورفعلا ؟ الجواب : كلا لأن الواقع مختلف عن الحقيقة. بالنتيجة أن غاية التصديق المنطقي هو وجود حكم واقعي يقيني لموضوع خارجي.
طبعا أنا استعرضت بعض المصطلحات في علم المنطق لكي نفهم منهجية الطرف الآخر في العلوم والمعارف الإسلامية أيا كان هذا الطرف ، بمعنى أنت عندما تقرأ عن السيدة فاطمة أو تسمع محاضرة عن سيرتها وترغب معرفة هل المحتوى قابل للتصديق منطقيا أو لا ؟
مثلا أنت مقتنع تماما أن السيدة فاطمة كانت تعيش وضع داخلي مستقرمع زوجها الإمام علي بن أبي طالب أليس كذلك ، ولكن فُوجئتَ أن التراث الإسلامي بشقيه السني والشيعي يقول أنه كانت هناك خلافات داخلية بينهما ، هل ستصدق أو لا ؟ تقول لا أصدق ، لماذا لا تصدق ؟
لأن المعلومات التي توفرت لديك تعتبرمن المقدمات تأسست في وعيك العادي مسبقا بطرق مختلفة سواء كانت حسية أوعقلية أو قلبية أو فطرية ،
ومن هنا ستكون بداية إنطلاقنا إلى قراءة النصوص التاريخية والدينية والصورة التي رسمتها عن السيدة فاطمة وكيف انتقلت هذه الصورة إلى الجمهور.
نكمل بحثنا في الحلقة (8) إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء.