د. علي بن حبيب اللواتي – الرؤية
أُعلن عن زيادة في قيمة رسوم المأذونيات لجلب القوى العاملة غير العُمانية، وتم تقسيمها لأربعة مستويات تبدأ من المديرين التنفيذيين حتى فئة العمال غير المهنية.
لا شك أنَّ لهذا القرار إيجابيات وكذلك له سلبيات، وأثره المباشر سيكون نوعا من (التضييق على الشركات بأنواعها) برفع تكلفة جلب العمالة التشغيلية من الخارج، فتتوجه تلك الشركات إلى توظيف وإحلال العمالة المحلية بدل الوافدة في جميع المستويات.
إنَّ الشركات الكبرى قد تتماسك ويُمكنها تحمل التكلفة العالية لأنها (بالعموم) تضمن توقيع عقود مشاريع جديدة مع الدولة فتبني تلك الزيادات الجديدة في جسم المناقصات.
ولكن السؤال: هل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تتحمل هذه التكلفة الإضافية؟
لا شك أنَّها ستجد أنَّ هذا الارتفاع الكبير قد أصبح يشكل عبئاً ماديا إضافيا لن تتمكن من تخطيه والاستمرار بالعمل بالسوق، فيمكن أن ينهي بعضها مسيرته، أو يستمر بالعمل بعد تحميل التكلفة الإضافية للمأذونيات على المنتجات والخدمات التي يقدمها للسكان، الذين هم بين سندان رفع الرسوم على كل الخدمات الحكومية وإلغاء دعم الكهرباء والماء والبنزين وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مع العلم أن أغلب- وليس جميع- تلك المؤسسات الصغيرة المهنية الفنية هي بالأصل تدار من قبل الوافدين المؤسسين أصحاب رأس المال، وهذا هو الواقع، للأسف.
لكن هل هناك بديل لغياب تلك المؤسسات المهنية أو زيادة أسعار عند استخدام خدماتها؟!
بالتأكيد هناك بدائل، وهي فرصة تاريخية ومنعطف جديد سيعيد بناء منظومة الخدمات مهنية وخارطة طريق مميزة لأزمة الباحثين عن العمل وطرح جدير للتطبيق لإنشاء منظومة مهنية بديلة توفر كل الخدمات للمجتمع.
أطرح هنا حلولاً عملية يمكن تنفيذها من خلال التعاون الحكومي الرسمي والمجتمع لإيجاد أجيال عمانية شابة تقود سوق العمل المهني الفني، فتوفر الخدمات الأساسية في الوطن، كخدمات تصليح المكيفات وصناعة الأثاث والمطابخ وتصليح السيارات وصناعة الأبواب الحديدية والنوافذ من الألمنيوم، إنها حقاً قائمة طويلة من المهن الضروري تواجدها بالسوق لتقديم الخدمات لكل السكان، ولنبدأ في التعرف واكتشاف هذه المنظومة الجديدة.
المنظومة الجديدة تقوم على أن يتم تشجيع الشباب لتكوين مؤسسات صغيرة مهنية فنية خاصة بهم، واستحداث سجل تجاري خاص بالمؤسسات الصغيرة المهنية الفنية، سجل باسم مجموعة من الشباب لا يتجاوز الـ٤ أفراد كمؤسسين لورشة مهنية فنية، وليس باسم فرد واحد فقط، وهو ليس بالسجل التجاري للشركات المعقدة شروطه وأحكامه وضوابطه، إنما هو نمط جديد يمكن استحداثه، سجل يوجد وينظم العلاقة بين مؤسسيه الأربعة.
ويجب تخفيض رسوم البلدية لتسجيل عقود الإيجار لتلك المؤسسات المهنية الفنية العمانية من 3 إلى 1%، وكذلك بقية رسوم اللوحة وغيرها …إلخ. وهذا سيشجع أصحاب المباني بتأجير محلاتهم بقيمة إيجارية تشجيعية منخفضة.
ثم تقوم غرفة تجارة وصناعة عمان أيضاً بتخفيض رسوم الانتساب السنوية.
أما البنك المركزي العماني، الجهة المنظمة، فيقوم بتوجيه جميع البنوك بطرح منتجات خاصة بهذه المؤسسات كقروض ميسرة، فتكون نسبة الفائدة لا تتخطى 1%. وبالتأكيد أن مؤسسات الإقراض العمانية الكريمة لتؤمن إيمانا عميقا راسخا بواجبها الاجتماعي تجاه المجتمع والوطن.
ويجب أن يُعاد تدريس المهن الفنية بالمدارس وتكون مواد إجبارية خلال الصفين الثامن والتاسع. ولنا أن نعلم أنَّ الدول التي ألغت التدريب المهني بالمدارس فشلت في تنشئة أجيال مهنيين يكونون هم عماد الصناعة بالمستقبل، مع إعادة تفعيل وتأهيل المعاهد المهنية.
إلى جانب إنشاء قناة تلفزيونية وإذاعية عُمانية متخصصتان في نشر التوعية بأهمية المهن الفنية في المجتمع، ببرامجها المميزة. وهاتان القناتان ستساهمان بنشر روح تقبل المجتمع لهؤلاء الشباب ويفتخرون بوجودهم.
وإيجاد فصل تشريعي يُقنن علاقات العمل الخاصة بتلك المؤسسات بحيث يكون جزءًا من قانون العمل العماني الجديد المزمع إصدارة قريبًا، وهذا التشريع سيكون حافزاً لتشجيع الشباب للانخراط بالعمل في المهن الفنية.
وإعطاء الأولوية للمؤسسات العمانية المهنية الفنية فيما يتعلق باحتياجات الوزارات والمؤسسات الحكومية. وأن يتم تخفيض تسعيرة الكهرباء والماء لأصحاب هذا السجل العماني المهني.
كما يتعين على شركات الاتصالات أن تطرح منتجا خاصا بتلك المؤسسات المهنية العمانية. وتقوم الحكومة بدعم هؤلاء الشباب أصحاب السجل الرباعي بمبلغ شهري بمقدار 150 ريالاً لكل واحد منهم لسنة واحدة فقط، وذلك بعد اكتمال جميع الإجراءات لإنشاء الورشة. وهذه المبالغ لن تمثل عبئا إضافيا على الدولة كونها محدودة ولفترة بعينها، مقارنة بالدعم المقدم الدائم لشركات الحكومة وغيرها.
ويجب أيضاً توفير برنامج تدريبي سريع لمدة شهر لتدريب هؤلاء الشباب على إتقان أساسيات إدارة الورش، كبرنامج السلامة المهنية والحسابات وخدمة الزبائن والجودة، وبناء روح الفريق والتواصل.
ثم يتم وضع شرط استخدام المؤسسات المهنية العمانية لتوريد منتجاتها إلى المشروعات الحكومية التي تسند للشركات المنفذة الكبيرة، كصناعة الأبواب والشبابيك والنوافذ والمطابخ …إلخ.
وتقوم الحكومة بتكريم تلك الورش المهنية العمانية كل 6 أشهر (لترفع من مستوى التنافس بينهم) باختيار أفضل عشر ورش من كل قطاع مهني فني خدمي.
ولنا تكملة في جزء ثانٍ من هذا المقال.