Image Not Found

الخوارزمي في مسقط!

محمد بن رضا اللواتي – الرؤية

[email protected]

هل كان يتخيل أبو جعفر، أو أبو عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي، أنَّ يوما ما، سيتردَّد اسمه في أشد الأزمنة تطورا مرَّت على البشرية، وهو الذي وُلد في القرن التاسع للميلاد؟ هل رَاودته فكرة أنَّ أشهر بيوت الطبخ في العالم عندما تكون بصدد إعداد طبق، فسوف يتبع الطاهي طريقة تُعرف باسمه “الخوارزميات” أو The Algorithms؟

والأمر تجاوز إعداد طبق لعشاء فاخر كان الطاهي قد اعتمد على خوارزميات محددة لتحقيق هدفه، مرورا بإيصال زميل إلى مكتبه ذات صباح وجد فيه أن سيارته قد فرغت من البنزين، فاعتمد خوارزميات محددة بسطت له المشكلة؛ انتهاء إلى إعداد برمجيات الحواسيب التي يُراهن عليها الآدمي اليوم كثيرا، وتقريبا في كل أمر له علاقة بحياته.

لنا أن نتخيَّل أن ملايين من الملفات المكتظة بالمعلومات، الخوارزميات تُعيننا على البحث فيها خلال ثوانٍ! أعقد الحسابات لأكثر العمليات المالية دقة تتم بمعونة الخوارزميات خلال ومضة زمنية ضئيلة! إنها تلك الإرشادات التي يتبعها الحاسوب، ووفق ما أورده الدكتور مصطفى صلاح -دكتوراه في الذكاء الاصطناعي- في مدونته بتاريخ (3/11/2019) فإنَّ هذه الخوارزميات قادمة لأجل أن تحل محل الطبيب لتقديم الوصفة الطبية الدقيقة.

جوجل الذي لا نستغني عنه، له خوارزمياته الخاصة به التي يستند عليها في تقديم خدماته. إنها خطوات لأجل تبسيط الوصول إلى النتائج.

اللافت للنظر أنَّ الخوارزمي، الذي أوكل إليه المأمون العباسي إدارة بيت الحكمة، وطلب منه تصميم خارطة للأرض، رغم أن المحققين اختلفوا فيما إذا كان عربيا أم فارسيا أم تركيا، إلا أنهم اتفقوا على كونه مسلما مرتبطا بالكتاب المجيد، فقد بدأ كتابه الأهم “الجبر والمقابلة” بالبسملة، ومعنى هذا أنَّ الكتاب المجيد قد لعب دورا بارزا في توجيهه الجهة التي تخصص فيها، مثاله في ذلك مثال كل من الحكيم الكبير الفارابي والرئيس ابن سينا، اللذين، عندما ألقيا ببُرهان الحركة كما صممه أرسطاطاليس، جانبا، وانطلقا يُصمِّمان بُرهانا دالا على وجود الخالق، انطلاقا تأثرا بقوله تعالى “أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد”.

وإذا لم يكن بمقدورنا ربط اكتشاف “إدوارد لورينتز” لنظرية “تأثير فراشة” بدافع من توجيهات مقدسة، إلا أن الأمر حتما يختلف مع مثل “الخوارزمي”، فليس من البعيد بتاتا أن يكون قد تحرك بدافع ذلك الحث البليغ من القرآن لطلب العلم والتأمل في حقائق هذا العالم.

يقول تعالى: “ألم ترى أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء”. المذهل في هاتين الآيتين أن ذكر البشر قد جاء مرتين، مرة في مصاف الدواب والحيوانات، ومرة في مصاف ذوي الخشية من الله، ومُنحت ميزة فارقة للصنف الثاني متمثلة في عامل “العلم” بصفته سببا لافتراق هذه الفئة “العالمة” من البشر عن أولئك الذين عُدُّوا في مصاف الدوّاب. أليس غريبا أن نختلف بعد هذا حول القيمة التي يمنحها القرآن للعلم الذي يعمل على تحسين حياة الإنسان على هذا الكوكب؟

حزمة من “الخوارزميات” مطلوبة الآن وبشكل عاجل، وكانت واقعا دائما مطلوبة، فلعلها لو تواجدت، لكانت للسلطنة محطةُ قطارات، عملت على تغييب شدة الاحتياج إلى كثرة السيارات، وبالتالي الاقتراض لأجل شرائها، وكانت قد قللت معها صرفا مفرطا في شراء البترول، ونزيف حوادث السير، وفتحت آلاف الفرص للتوظيف.

غابت “الخوارزميات” فغابت معها “مدينة ملاهي” ولو واحدة، من أقصى عُمان إلى أقصاها، وغابت حديقة للحيوانات، لربما كانت قد مهَّدت أن تكون السلطنة الوجهة الأولى -بمقوماتها السياحية الأخرى- للسياحة العائلية.

حزمة من “الخوارزميات” نحتاجها اليوم مؤكدا، قد تجعل الإعفاءات الضريبية مرهونة بازدياد نسب التعمين، وقد تعيد التفكير في تحويل بعض كليات التقنية إلى كليات تمنح تخصصات في النجارة والسيارات، وصيدلة وتمريض، والحواسيب، مع مراكز للابتكار في التطبيقات الإلكترونية، تمهيدا لتدشين وادٍ للسيليكون في إحدى محافظات السلطنة خلال الخمس سنوات المقبلة.

“الخوارزميات” قد تفيد التفكير بفرض رسوم على الأراضي البيضاء ما لم يتم استغلالها في مشاريع ريادية، وتفيد في التفكير بفرض قانون الاستثمار للأجنبي الراغب في الاستيطان بالسلطنة، وتفيد في جعل التصاريح للمشاريع قابلة للحصول في غضون ثلاثة أيام فقط، وتفيد في إعادة النظر في الجزر العديدة التي تمتلكها بحار السلطنة، عبر إعادتها تحت تصرف الحكومة لأجل التخطيط لمنحها في مشاريع سياحية ضخمة، وتفيد في الاستفادة من رؤوس الأموال الأجنبية التي تغادر البلد شهريا بفرض نسب تُدفع جراء إخراجها وعدم استفادة البلد منها.

سعى الخوارزمي لأن يجعل الحياة أفضل بالعلم، فتجاوز الزمن الذي عاش فيه، وتمكنت خوارزمياته من تقديم حلول لتبسيط المشكلات، فاستعان بها العلم وعملت على إرشاداته الحواسيب، ولا شك أنَّ بإمكانها مدنا بحلول لأزمات اقتصادية قائمة، الأمر ربما يحتاج لإخراج التفكير من إطاره الحالي إلى إطار مختلف.