صادق بن حسن علي
(3)
إكمالا للحلقة الماضية في تحديد العوامل التي أدت إلى القراءة الدونية أو قراءة الإحتقارللمرأة في منظومة أسست منذ بداية تكوينها ونشأتها أن يكون لها دورها الإنساني ، ما الذي حدث حتى نحصل على هذه القراءات ؟ هل أصبح لزاما عليها قهرا أن تكون ضحية المجتمع ؟ أو لا هي ضحية العادات والتقاليد؟ أو ضحية الموروث الديني؟ أو ضحية القراءات المتعددة للموروث الديني ؟
لأن المخزون الإجتماعي السائد والمعتقدات التي تؤمن بمسألة التمايز بين الرجل والمرأة مرجعها الإختلاف البيولوجي والصورة النمطية للمرأة التي بني عليها هذا الإختلاف ، يقول دوركهايم (إن الرجل والمرأة يبحث كل واحد منهما عن الآخربعنف لأنهما مختلفين فيما بينهما).
وطبقا لهذا الإختلاف فإن تحديد العوامل التي أدت إلى القراءة الدونية للمرأة ستكون على النحو التالي ، ركزوا معي رجاء لأن البحث مهم جدا :-
العامل الأول : إقتصارقراءة النص الديني على الجانب الفقهي والأصولي وتأسيسه ليتماشى ضمن المعرفة الدينية ، فيكون التفاعل الاجتماعي والسلوك الاجتماعي الصادرعن الفرد هو نتيجة إحتكاكه مع بيئة معرفية واحدة.
فالبناء المعرفي سيكون لفهم جانب معرفي واحد وإهمال الجوانب المعرفية الأخرى ، والعلاقات بين الأفراد ستكون في جانب واحد. فهل تتوقع أن يكون تنافس بين الأفراد بعضم البعض؟ مؤكد لا ، بل سيبقى المجتمع في صراع مستمرلأن كل واحد سيفسرالمواضيع طبقا لمبانيه في فهم قواعد علم الأصول والفقه.
ولن يتطرق إلى العلوم الإنسانية والطبيعية والبحث فيها للوصول إلى النظرة الشمولية في هذه المسألة أو تلك أو في هذا الموضوع أو ذاك ، ولن يراعي في إصدارالحكم إختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكأنه منسلخ عن كل هذه الأشياء ولا علاقة له بها.
فعلى سبيل المثال الحديث النبوي الموجود عند الفريقين السنة والشيعة مارواه البخاري في صحيحه رقم الحديث (3331) واللفظ لمسلم (إستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج الضلع أعلاه).
قال (الشيخ المفيد) في كتابه (الإعلام بما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام) ضمن (موسوعة الشيخ المفيد – التذكرة في أصول الفقه المجلد 9 ص 62)
(وأتفقت الإمامية في توريث الخنثى على إعتبار بالمبال فإن كان خروج البول مما يكون للرجل خاصة ورث ميراث الرجل وأن كان خروجه مما يكون للنساء ورث ميراث الإناث وإن بال منهما جميعا نظر إلى الأغلب منهما بالكثرة ورث عليه فان تساوى ما يخرج من الموضعين أعتبر باتفاق الأضلاع واختلافها)
جاء في تفسيرالبغوي جزء 1 ص 82 في تفسير قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) : ” وذلك أن آدم لم يكن في الجنة من يجانسه ، فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء شقه الأيسر ، وسميت حواء ؛ لأنها خلقت من حي”.
جاء في سفرالتكوين الفصل الثاني (أما لنفسه لم يجد معينا نظيره فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما فقال آدم: (هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى أمرأة لأنها من إمرء أخذت).
الآن عرفتم من أين جاءت فكرة أن المرأة خلقت من ضلع الرجل في التراث الإسلامي ، لهذا أرجوا أن لا يتبادر إلى ذهن أحدكم أن هذه القراءات هي مما أتفقت عليه الإمامية أو هي من المسلمات عند أهل السنة لا أبدا ، بل هو الفكرالمستورد والمتجذرأن المرأة ماذا ؟ معوجة ملتوية مزاجها يتغير بتغيرالألوان.
سؤال : من أين جاء هذا المفهوم ؟ تعالوا معي إلى اللغويين لنعرف ماذا يقولون عن إسم (حواء) :-
أولا : (معجم فقه لغة القرآن وسر بلاغته ــ تأليف قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية ص 530) (الجواب أن أبا علي (ويقصد به سيبويه) ذهب أن حية وحواء كسبط وسبطر ولؤلؤولآلئ ودمث ودمثر،
وأن هذه اللفاظ اقتربت أصولها واتفقت معانيها وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه فكذلك حية مما عينه ولامه ياءان وحواء مما عينه واو ولامه ياء كما ان لؤلؤا رباعي ولآلئ ثلاثي لفظان مقتربان ومعنيان متفقان) إذن الحية وحواء معنى واحد وإن إختلفت ألفاظهما.
ثانيا : يقول كبيراللغويين (خليل بن أحمد الفراهيدي) في كتاب (العين ص 319) (من قال حواء على فعال فإنه يقول إشتقاق الحية من حَويت لأنها تحتوي بالتوائها وكذلك تقول العرب) إذن الطبيعة التكوينية للحية وحواء واحدة فكلاهما طبيعتهما الإلتواء.
ثالثا : نأتي الآن إلى التحقيق في اسم (حواء) في كتاب الله ، جاء في كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم ــ تأليف حسن مصطفوي ص 376) (أي ملتوي من جهة الشكل والصورة ومن جهة اللون فيتغيرفي طراوته وخضرته وليس اللفظ أحسن دلالة وأجمع مفهوما من هذه الكلمة) إذن الصورة عن النساء هنا أشد سوادا وأكثرعتمة عن باقي الصور.
هذا على مستوى اللغة ماذا على مستوى المضمون ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (4) إن شاء الله تعالى … إلى اللقاء.
(4)
كان الحديث في الحلقة الماضية عن تحديد العوامل التي أدت إلى القراءة الدونية للمرأة وبدأنا بالعامل الأول وهو (الإقتصارعلى الجانب الفقهي والأصولي في قراءة النص الديني) وقلت أن اللغويين قالوا أن كلمة (حواء) لغة تتفق مع كلمة (الحية) من حيث المعنى وتختلف من حيث اللفظ ، وتعني الإلتواء فهي ملتوية في طبيعتها مثل (الحية) وتغيرألوانها وتتبخترفي سلوكها ،
هذه المضامين لها تشبيهات لغوية وقد مرالكلام عنها ولها تشبيهات ضمنية والتي سنجدها في قصة إخراج (آدم وحواء) من الجنة حيث جاء في التراث الإسلامي ما يلي :-
أولا : جاء في (تاريخ الطبري جزء 1 ص 71 )عن إبن عباس عن رسول الله (ص) قال (لما قال الله لآدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما أراد إبليس أن يدخل الجنة فمنعته خزنتها فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم فأدخلته).
ثانيا : جاء في (تحف العقول عن آل الرسول – الشيخ الثقة حسن الحراني ص 17) (قال علي (ع) قلت يارسول الله فتلقى آدم من ربه كلمات ما هي الكلمات ؟
قال : يا علي إن الله أهبط آدم بالهند وأهبط حواء بجدة والحية في أصفهان وأبليس في ميسان ولم يكن في الجنة أفضل من الحية والطاووس وكان للحية أربعة قوائم).
وهذه القصة وجُدت جذورها في التراث اليهودي ، جاء في سفرالتكوين الفصل الثالث حوارطويل سأخذ بعض الفقرات منه (وكانت الحية أحيل جميع الحيوانات البرية التي عملها الرب ، فقالت للمرأة أحقا قال الله ألا تأكلا من كل شجرالجنة ! فقالت المرأة للحية من كل ثمرالجنة نأكل
وأما ثمرة شجرة في وسط الجنة لا نأكل ، فقالت الحية لن تموتا بل الله عارف يوم تأكلان تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخيروالشر…. وأخذت المرأة من ثمرة الشجرة وأكلت…. قال آدم للرب المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.
فقال الرب للمرأة لما فعلت هذا قالت (الحية) أغوتني ، قال الرب ملعونة أنت من جميع البهائم ، وأضع العداوة بين نسلك ونسله هو يسحق رأسك).
طبقا لهذه البيانات إذا طُلب منك أن تضع (آدم وحواء وإبليس) كل حسب طبيعته ، أين ستضع حواء مع آدم أومع إبليس ؟ إبليس ، أليس كذلك لأنه إبليس ملعون فهي ماذا ؟ ملعونه أيضا ، قد يقول قائل هذه الروايات ليس لها حجية وإنها من الإسرائيليات ،
أولا : أنا عندي الطبعة السابعة من تحف العقول طبعت عام 2002م تعليق الشيخ (حسين الأعلمي) لم أجد في الحواشي أي تعليق منه أن هذه الرواية لا يعتد بها لأنها من الإسرائيليات.
ثانيا : هل هذه النصوص الروائية توقفت عند هذا الحد أو لا ؟ النصوص الروائية لم تتوقف عند هذا الحد وكفى بل ترتبت عليها آثار فقهية والدليل
يروي (الشيخ الصدوق في علل الشرائع المجلد الثاني ص471 ) يسأل يزيد بن سلام خاتم النبيين (ص) رواية طويلة ما يهمنا منها هذه الفقرة
(قال : فأخبرني عن آدم خلق من حواء أم خلقت حواء من آدم؟ قال : بل حواء خلقت من آدم ولو كان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ، ولم يكن بيد الرجال ، قال : فمن كله خلقت أم من بعضه ؟ قال : بل من بعضه ،
ولو خلقت من كله لجازالقصاص في النساء كما يجوزفي الرجال ، قال : فمن يمينه أو شماله ، قال : بل من شماله ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى كحظ الذكرمن الميراث ، فلذلك صارللأنثى سهم وللذكر سهمان).
قد يقول قائل أين الدليل على أن هذه الروايات ترتبت عليها أحكام فقهية. سؤال : المرأة ترث زوجها في الأرض وما عليها من عقار أو لا ؟ الجواب كلا بل ترث العقاردون الأرض.
لماذا إذن الرجل يرث زوجته في الأرض والعقارمعا ؟ أليس ما للذكرفي القرآن هو للأنثى أيضا ! مع أن القرآن صريح جاء في سورة البقرة آية 228 (ولهن مثل الذي عليهن) (لهن) حتى في الإرث فكما يرث الزوج المرأة كذلك الزوجة ترث الرجل ،
علما أن هذا الحكم يعتبرمن الأحكام الشاذة عند الأصوليين لعدم تطابقه مع المنهج القرآني ، ولكن الحكم هي الروايات ولو سلمنا أن هذه الروايات صحيحة فهل هي لكل زمان ومكان أو لا مرتبطة لزمن صدور النص
فأنت بحاجة إلى دراسة نظام الإرث في ذاك الزمان وفعلا كانت ملكية الأرض هي محل النزاع بين القبائل وليس المنقولات ، فالمرأة إذا مات زوجها لا ترجع بالأرض ولا بالعقار لأنها قد تتزوج رجلا من قبيلة أخرى فكانوا يمنعونها من هذا الإرث كاملا
ومن أجل قطع هذا النزاع صدر الحكم على ان ترث المرأة من المنقولات وليس الأرض حقنا للدماء فقط وأنت في القرن 21 الميلادي تعيش ملامح ذاك المجتمع أو لا تعيشه ؟ لا تعيشه
خلاصة القول إن خلق آدم وما وصلنا من التراث عنه والذي هو بأيدينا الآن ، ماذا كانت النتيجة المحصلة منه ؟ نتائج سلبية بدون أدنى شك ، وهذا هو محل شاهدنا عندما يكون الإصرار
على الإقتصارفي قراءة النص الديني على الجانب الفقهي أو الأصولي فقط دون التطرق إلى العلوم الإنسانية والطبيعية للخروج بنظرة شمولية في المسائل والمواضيع ، فالنتائج لن تكون إيجابية.
أما العامل الثاني وهو إضفاء القدسية للنص الديني وإبعاده عن أي قراءات أخرى. سنتحدث عنه في الحلقة (5) إن شاء الله تعالى… إلى اللقاء.