Image Not Found

اعلموا أني فاطمة: المرأة في التاريخ والتراث (2)

صادق حسن اللواتي

تحدثت في الحلقة الأنفة أن المرأة في القرآن إنسان فكل ما ذكره القرآن عن الإنسان يشملها أيضا ، والقرآن لم يجعل محورية حركة حياة الإنسان في سطور آياته فقط وكفى ، بل جعل ذلك بداية لظهورحضارة إنسانية مديدة لن تنضب

وبناء مجتمع إنساني ينسجم مع واقع المراحل التاريخية المتعاقبة، وهذا البناء تأسس ساعة تكوين هذا الإنسان من طين ، فاحتل مكانه بين المخلوقات وأصبح سيدها بما أودع الله فيه من خصائص ، وبما تكرم عليه من مزايا ،

وهذه الخصوصية تكمن في أنه يتمتع بخاصية النطق والقدرة على التعلم والوصول إلى الكمالات بحيث سجدت له الملائكة ، وقد عرفنا أن لفظ إنسان يشمل الذكر والأنثى.

فعندما قال الباري عزوجل (وعلم آدم الأسماء كلها) كان هذا التعليم للذكروالأنثى ، وعندما قال (إني جاعلٌ في الأرض خليفة) هذا الجَعل شمِل الذكروالأنثى ، وعندما قال أيضا (فإذا نفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين) هذه السَجدة كانت للذكروالأنثى ،

فلا الأنثى من ضِلع الذكر ولا الذكركان وجوده دون الأنثى فكلاهما خُلقا من طين واحد ونفس واحدة ونفخة واحدة. قد يقول قائل أن السُجود والتعليم كان لشخص آدم وليس لزوجته حواء ، الذكرهو المعني بالخطاب وليس الأنثى ،

نقول أولا : إتفق النُحاة أن المعيار اللغوي في التذكير والتأنيث هي الصفات التي يشترك بها الذكور والإناث دون الحاجة إلى إضافة علاماتٍ مميزة للأنثى .

ثانيا : الله خلق أدم وحواء ، وقد جاء في كتابه عزوجل شيئا من كيفية خلقهما وكان على شكل قصة متكررة مختلفة المضامين واللقطات حيث تعددت السورالتي تكلمت عن خلق آدم ، ففي سورة طه مضمون واحد عن خلق آدم ، وفي سورة البقرة مضمون ثاني ،

وفي سورة الأعراف مضمون ثالث ، وفي سورة الحجرمضمون رابع ، وفي سورة ص مضمون خامس ، وفي سورة يس مضمون سادس ، وفي سورة النساء مضمون سابع ، وكل تلك المضامين تتحدث عن خلق آدم.

مثلا (إني خالق من الطين بشرا) (وخلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ، (إهبطومنها جميعا بعضكم لبعض عدو) (قلنا إهبطا منها جميعا) (ألم أعهد إليكم يابني آدم) (ياأيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرة ونساء) (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى).

لماذا كل هذا التكرارفي سرد قصة خلق آدم ؟ ركزوا معي رجاء ، أنت أطلب من أي أحد أن يأخذ هذه الآيات وغيرها التي تتكلم عن قصة خلق آدم ستجد في طي كل آية مضمون جديد ولقطة جديدة ، ثم أطلب منه حذف الكلمات المتكررة .

وعندما تستقرعندك كل اللقطات من كل الآيات ستحصل على الإطارالعام لقصة خلق آدم الذي سجدت له الملائكة.

يقول السيد الطباطبائي في تفسيرالميزان في ذيل سورة الأعراف آية 11 (قوله لقد خلقناكم ثم صورناكم يفيد بيان حقيقتين الأولى أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم).

الشيخ مكارم الشيرازي في (الأمثل في تفسيركتاب الله المنزل جزء 15 ص 23) (إن الله خلق حواء من بقية طينة آدم ومن نفس الطينة خلق الله ذرية آدم).

الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره في تفسيرآية (إهبطوا منها جميعا) أنها جاءت بصيغة الجمع لأن (الخطاب موجه لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره ، أمرهم جميعا بالهبوط).

سؤال : آدم هنا شخص أو نوع ؟ نوع وليس شخصا ، أنت تتصوره شخص وإلا فهو نوع تنتمي إليه جميع الأصناف من جنسه ، لهذا تجد أن أوجه الخطاب في القرآن لأدم وذريته متعددة ولكنها موجهة للذكروالأنثى معا.

طبعا هذا التشريف للإنسان هو في عالم التكوين وليس في عالم الكمالات لأن عالم الكمالات هو (أن لكل إنسان ما سعى) ، قد يصل الرجل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى وكذلك المرأة ، وقد تصل المرأة إلى الدرك الأسفل من النار وكذلك الرجل.

والقائلين أن الذكرأفضل من الأنثى لأن تكوينها فيه نقاط ضعف وهذايجعل الرجل أفضل منها ، نحن نسأل من قال أن القرآن فضل الرجل على المرأة بسبب نقاط ضعف في تكوينها ؟

القرآن لا يخالف بعضه بعضا بل يفسر بعضه بعضا ، جاء في سورة النساء آية 82 (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا)، ولم يقل القرآن أن الرجل أفضل من المرأة ولم يقل أن الرجل يستطيع أن يكون نبيا وهي لا تستطيع ،

الرجل يستطيع أن يصل إلى مرتبة الخلافة وهي لا تستطيع ، الرجل يستطيع الوصول إلى مقام الولاية والمرأة لا تستطيع ، الرجل يستطيع أن يصل إلى مدارج الكمال والمرأة لا تستطيع ، أو أن الولاية للرجل على المرأة ولا ولاية للمرأة عليه.

لا أبدا القرآن لم يقل هذا ولكن بما أنك إبن ثقافة بيئتك شككت في خصائص المرأة ، والدليل أن أول باب طرقه الرجل هو باب العقل بإعتبار أنها واهية العقل ، (إبن سيناء) ماذا قال عن المرأة ، إنها ماذا ؟ (واهية العقل).

والباب الثاني : هو باب لا ولاية لها على الرجل ، ماذا قال (السيد مرتضى الزبيدي) صاحب معجم تاج العروس عن الحذاء ؟ [زوجة] لأنها موطوءة النعل) ،

والباب الثالث : عدم أهليتها للقيادة (الشوكاني في نيل الأوطارجزء 8 ص304) : (المرأة ليست من أهل الولايات)

تقول (د. بشرى البستاني) (هنا لا يمكن أن نخفي هذه الحقيقة أن كل ما كتب عن المرأة في التراث كان برأي الرجل ومقاصده ، لهذا لم يكن ليخلو من المصلحة وليس الهدف بلوغ الحقيقة فظلت المرأة موضوعا وليست ذات فاعلة).

إذن ما هي العوامل التي أدت إلى هذه القراءة الدونية للمرأة في مقابل قراءة منظومة ورؤية المنهجية القرآنية ودورها الإنساني في الحياة ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (3) إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء.