حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
هل يُمكننا أن نعتمد على بيانات المنظمات الاقتصادية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ونصائحها المتكررة في تنمية الاقتصادات المحلية؟ الإجابة عن هذا السؤوال صعبة جدًّا في عالم يعيش في مشكلات سياسية وتناقضات، فيما تعتمد تقارير هذه المنظمات أحيانا على التغييرات السياسية للدول وبعض المجموعات الإعلامية المتنفذة في إعدادها. فما تقوله هذه المنظمات أحيانا يؤدي لحدوث العكس، وهناك خوف بالاعتماد على هذه البيانات والتوقعات والنصائح في بعض الأحيان؛ لأنها تستطيع تغيير الوقائع والبيانات في لحظة معينة. فما هو ناجح من سياسات ومشاريع لدى بعض الدول، يمكن أن ينقلب إلى مشاريع خاسرة أحيانا في حالة اتباع توصيات هذه المنظمات التي تدار بأيدٍ خارجية في الكثير من الأحيان.
البنك الدولي ورغم قيامه بنشر عدة تقارير عن الأوضاع الاقتصادية في السلطنة خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أنَّ ما جاء في توقعاته مؤخراً بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأسعار السوق للسلطنة خلال العام المقبل 2022 بنسبة 7.9% يدعو للتساؤل من بعض المتابعين والمرقبين لحالة الاقتصادات في المنطقة، خاصة وأنه يشير إلى أنَّ الاقتصاد العماني سيكون الأسرع بين 16 دولة شملها الاستطلاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. خبر مفرح جدا في الوقت الحالي، حسب ما أشار إليه البنك في إصداره الأخير حول “الآفاق الاقتصادية العالمية – يناير 2021”. وهذه النظرة التفاؤلية تتوقع أنْ يقفز الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 0.5 % في العام الحالي 2021، إلى 7.9% في العام المقبل نتيجة الإجراءات التي تتخذها الحكومة والجهود التي تبذلها في هذا الصدد لتحقيق الاستقرار في وضعها المالي الحالي غير المستقر من خلال خفض الإنفاق وتقليل الدعم وتعزيز إنتاجية القطاعات غير النفطية والتنويع الاقتصادي…وغيرها من الخطوات الأخرى؛ سواء على المدى القريب أو البعيد.
إنَّ التوقعات الإيجابية للبنك الدولي بشأن النمو في السلطنة فعلاً لافتة للنظر والتساؤل أيضا على أساس البيانات السابقة للبنك؛ حيث كان من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العماني بنسبة غير مسبوقة تبلغ 9.4% في عام 2020، إلا أن توقعات خبراء البنك قد تحسنت في الآونة الأخيرة نتيجة التغيرات الاقتصادية والمالية التي أجريت في البلاد منذ منتصف العام الماضي 2020، حيث توقع التقرير الأخير أنْ يتقلص الناتج المحلي الإجمالي العماني بنسبة 4% في العام 2020، وأنه من المقرر أن يرتفع بنسبة 2.2% في العام الحالي، في حين سجل الانكماش في الاقتصاد المحلي نسبة 0.8% في العام 2019، مقابل النمو في الاقتصاد بنسبة 0.9% عام 2018. وهذا ما أشار إليه التقرير بالنسبة للسلطنة والبلدان الـ16 التي ورد ذكرها؛ حيث يرى البنك الدولي أن جميع هذه الدول التي شملها الاستطلاع في التقرير تسير على الطريق الصحيح لتحقيق نمو سلبي في العام 2020.
لقد رأينا مؤخراً الخطوات التي اتخذتها السلطنة فيما يتعلق بتعزيز خطة التوازن المالي متوسطة الأجل التي تعتبر حجر الزاوية في الجهود التي تبذل لتغيير الاقتصاد والواقع المحلي؛ حيث تعتبر خطة تاريخية اعتمدتها الحكومة لتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات خلال الإطار الزمني 2020-2024. فالإجراءات المبذولة للخطة تهدف لتحديد العوامل التي تؤدي للسيطرة على العجز، وتجنّب الدولة والاقتصاد العماني مزيدا من التدهور في التصنيف الائتماني من قبل بعض المؤسسات التي ترصد أي تراجع أو خلل يحصل في الاقتصاد العماني، وكأنها الدولة الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه التراجعات.
والخطوات التي تتخذها الدولة تهدف في نهاية المطاف إلى تعزيز الاستدامة المالية، وخفض عجز الميزانية إلى أقل من 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024، مع إدارة الدين العام للدولة الذي يكلّف الكثير في مثل هذه الظروف التي تمر بها السلطنة وبقية دول العالم؛ سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، والذي من المتوقع أن يصل إلى 21.7 مليار ريال عماني بحلول نهاية العام 2021، حيث تتفاقم المشاكل الاقتصادية للعالم نتيجة للاضطرابات الكبيرة المتعلقة الناجمة من استمرار جائحة كوفيد 19، مع بقاء أسعار النفط العالمية في حدود 40 إلى 50 دولاراً للبرميل، وتراجع الطلب العالمي عليه في بعض الدول، الأمر الذي يؤدي لحدوث تباطؤ في النمو في المنطقة وتضاعف خسائر الدخل الفردي أيضا.
… إنَّ السلطنة وجراء هذا تعمل على تحسين النمو؛ حيث من المتوقع وفق تقرير البنك الدولي أن يتحسن النمو إلى 2.1% خلال العام الحالي، مستشهداً بعدد من الجهات الفاعلة التي تعمل على تغيير هذا الواقع، بما في ذلك النجاحات المتوقعة في السيطرة على الوباء الذي تتمحور وجوهه، وتخفيف قيود الإغلاق، مع العمل بالاحترازات المطلوبة، ورجوع بعض الدول لشراء النفط العماني، مع استمرار الدولة في دعم السياسات.
ورغم ذلك، يحذر التقرير في بعض جوانبه، متوقعاً أن يترك الوباء الحالي ندوبًا اقتصادية دائمة في المنطقة، ويثبط النمو المحتمل لبعض الدول ومنها السلطنة، مع عودة ظهور الوباء؛ الأمر الذي سيؤدي لحدوث بعض المشاكل والاضطرابات الاقتصادية والتوترات، وعدم الاستقرار السياسي، وربما يؤدي ذلك إلى هبوط آخر في أسعار النفط، والضغط الإضافي على ميزان المدفوعات للدول، وجميعها تعتبر مخاطر سلبية رئيسية لهذه التوقعات.
وفي جميع الحالات، علينا أنْ نثق في قدراتنا، ونستمر في تقديم كل ما يدعو لتنمية الاقتصاد المحلي، وعدم أخذ واعتبار كل ما يرد إلينا من الخارج من نصائح وحلول، فربما بعضها تكون سبباً في تراجع النمو وزيادة حجم الديون الخارجية والداخلية، مع العمل بكل شفافية ونزاهة ووفق المنهجيات المحاسبية التي تدعو لضرورة التدقيق ومحاسبة المفسدين وأولئك الذين يعملون من خلف الستار.