Image Not Found

عمان نهضة متجددة (3)

د. علي حبيب اللواتي – الرؤية

قرانا وقلاعنا وسهولنا وجبالنا واجهات سياحية فريدة!!

جميعنا نتحدث ونُنظر كثيرًا في موضوع إستراتيجي هام، عُماننا يجب أن تنوع من مصادر الدخل لضمان استمرار عملية التنمية في تصاعد مستمر، ولكي يتمكن الشعب من العيش بمستوى دخل أعلى، فتتوفر له الحياة الكريمة..!

من أهم أسس وروافد تنويع مصادر الدخل النشاط السياحي المتطور، حيث سيعود نفعه على المواطنين والدولة معًا، إنها إيرادات مالية يمكنها إحداث قفزات نوعية في تطبيق فعلي لاستراتيجية تنويع مصادر الدخل.

هل يا ترى يجب أن يقع كل ثقل المسؤولية على الجهات المعنية بالسياحة فقط؟ أم أنَّ هناك شريك استراتيجي يمكنه تحمل لعب دور أساسي بجدارة من خلال التفاعل التكاملي بينه والحكومة..!!

إنَّ جغرافية عماننا الواسعة وتميزها بالجبال والوديان والبحار والشطان والرمال والقلاع والقرى الأثرية إلى حد ما له نهاية من الإبداع الإلهي، وما تركه لنا أجدادنا من تفوق معماري بارز في البيئة العمانية بأنواعها وأشكالها المتعددة. ومن هنا سأنطلق لأطرح حلا عمليا سيوفر تفاعلا بين المواطنين والجهات المسؤولية عن القطاع السياحي ليكون هو النافذة لانطلاق السياحة بمنهجية مدروسة متطورة تخدم الأهداف الوطنية المرسومة لرؤية “عمان 2040” من إيجاد وتنويع مصادر دخل ثابتة متنامية مستمرة ترفع من مستوى دخل المجتمع والأفراد والحكومة.

لنبدأ باسم الله وعلى بركة الله…

الحل يكمن في تشجيع مقنن للأهالي لإنشاء شركات مقفلة تجارية من أهل المنطقة تقوم بتطوير منتجات سياحية كنزل ومساكن وفعاليات في قريتهم بالاستفادة من المقومات الطبيعية والتراثية التي تزدهر بها قراهم وولاياتهم. ولتوضيح الصورة سأضرب مثالا لتقريب الفكرة لكم؛ ولايتا فنجاء وبدبد العريقتان المتلاصقتان، يوجد بهما فلجان عظيمان منذ القدم، يجريان بمياههما الدافئة العذبة؛ الأول فلج حمام الجانب الشرقي والآخر فلج حمام الجانب الغربي، فيتواجد فيهما الفلجان، يجريان من جانب قلاعهما وعلى امتداد منحدراتهما الصخرية إلى سهولهما ذات المروج الخضراء بنخليها الباسقات ووديانهما الممتدة لمسافات طويلة. إنها حقا ستكون منطقة سياحية من الدرجة الأولى إذا تمَّ الاهتمام بها اهتماما ينتشلها من الخراب وتآكل الآثار وترامي المخلفات، لتكون وجهة سياحية رائعة يقصدها السياح الأجانب وكذلك السياحة الداخلية الذين يحلمون بقضاء أيام وليال فريدة في قراها وجبالها وعند قلاعها ووديانها الجميلة.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا الآن: كيف سيحدث ذلك؟ وهل يمكن تنفيذه؟

في ولاية فنجاء الجميلة وأهلها الكرام توجد قرية تسمى “الحجره”، وكذلك حلة تسمى “كامل الغربي”، وساحة العزوة الشهيرة بتنورها الشهير الضخم العميق لإعداد وجبات الشواء العماني اللذيذ. القرية والحلة ترتفع بهما الأرض ارتفاعاً يصل تقريبا ما بين 50 إلى 200 متر فوق سطح البحر، وتحيط بهما القلاع العمانية الشهيرة في قمم جبالها الشامخة.

قرية يحيط بها سريان للفلج الملتوي المتدفق من وسط الصخور الصلدة في مشهد بديع، وبها حمامان للسباحه بماء الفلج الساخن الغربي والجنوبي، وبها مساكن (هُجرت) قديمة متلاصقة مع بعضها في محيط دائري لتكون مجمعا سكنيا يطل على منظر بهيج لمئات من أشجار النخيل الباسقات ذات الطلع النضيد حقاً هي تسر الناظرين. ويرى من هذا المرتفع (يبلغ 175 مترا) منظرا مهيباً لمدينة فنجاء العريقة، ومن هناك يمكن مشاهدة مسجد السلطان قابوس رحمه الله من الأعلى بمنارته الجميلة الشاهقة تسكن في قاع السهل في منظر متكامل متداخل يضفي بهجة في النفوس ويشعرها بالانبهار لخلق الله الرب المجيد.

تلك القرية والمئات بل الآلاف من قرى عماننا الجميلة تعد أحد أحلام السياح الأجانب الذين يشتاقون لهذه الأجواء ليعيشوا بها عدة أيام تظل راسخة في وجدانهم ومشاعرهم طوال أعمارهم!

لكن الآن للأسف الشديد والتقصير الأشد أنها تبدو قرية شبه متآكلة تتألم من سوء الإهمال الذي أصابها، حيث أيضاً تنتشر بها بقايا مخلفات أناس لا ضمير لهم يوماً قد مروا عليها واستمتعوا بعليل هوائها المنعش.

وما الحل؟!

يتم تشجيع الأهالي في كل ولاية لإنشاء شركة سياحية خاصة بهم، بروح تجارية مقفلة عليهم كشركاء متضامنين. وتقوم وزارة السياحة والداخلية ممثلة بمكتب الوالي بتشجيع الأهالي المواطنين لتأسيس هذه الشركة التي هي منهم وإليهم خيرها. وتعمل الشركة على جمع رأس المال لتطوير مرافق القرية لتكون مناسبة لاستقبال أفواج السياح طوال العام. ويمكن جمع رأس المال بطرحه للاكتتاب المقفل على أهل القرية وتساندهم صناديق التقاعد الحكومية، حيث تستثمر معهم في إقامة مشاريع محلية ناجحة بدل الاستثمارات الخطرة المقلقة بالخارج. ويتم تشكيل “مكتب موحد” ليتم إنهاء الإجراءات الرسمية تحت إشراف مكتب الوالي، مهمة هذا المكتب إنهاء جميع الإجراءات الرسمية لمنح التراخيص اللازمة من دون عناء مراجعة المؤسسين لمسقط. والأموال المتحصلة من الاكتتاب المقفل ستكون مودعة بأحد البنوك. ويختار الأهالي فريقاً كفؤا من أبناء المنطقة (كمهندسين) ليكونوا مشرفين على إنجاز تطوير المشروع، فيبدأ أعماله بمسح للقرى، ووضع تصور أولي لتطوير وترميم وبناء المرافق اللازمة وتنفيذ وإدارة المرافق لجذب السياح؛ مثل بناء النزل من خلال ترميم المساكن المتهالكة الحالية، وبناء دورات المياه، وإنشاء عدد من المطاعم الشعبية تقدم الوجبات العمانية، وعدة مقاهٍ، ومُخيم طبيعي، ومسابح مُتعددة تمر بها مياه الفلج الدافئة الغنية بالمعادن الطبيعية مع مراعاة الجوانب الصحية، وساحة تجمع، ومواقف للسيارات والباصات السياحية، مع توفير خدمات الواي فاي المجاني للسياح.

وتقوم الشركة بتصميم مُختلف العروض السياحية ولتطلقها بوسائل الإعلام الرسمية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للسياحة في القرية محلياً وعالمياً. ويتم تدريب مُرشدين سياحيين متخصصين مُتحمسين لاكتساب مهارات المرشدين الساحيين الناجحين بالتعاون مع وزارة السياحة يكونون من شباب القرية فأهل فنجاء هم أدرى بشعابها.

ماذا سيُحقق المشروع؟!

  1. إيجاد وظائف لشباب مدينة فنجاء، ولبقية المدن العمانية حين تطبيق التجربة هناك.
  2. توقف الهجرة الداخلية من تلك الولايات والقرى والمحافظات إلى العاصمة مسقط كالبحث عن عمل.
  3. رفع من مستوى الدخل العام للمدينة ولأهاليها، حيث السياح سيقومون بالتنزه والتسوق بأسواق فنجاء الشهيرة، والإقامة في النزل وتناول الطعام إلخ، حينها ستتحرك جميع الأنشطة التجارية المرتبطة بمدينة فنجاء الجميلة.

أما الحكومة فستحقق عوائد مالية جيدة مُتنامية، وهي على قسمين؛ مُباشرة من خلال عوائد رسوم التأشيرات والضرائب السياحية المتنوعة. وعوائد مالية غير مُباشرة؛ فحين تنشط التجارة بالمدينة وتتوسع ويزداد عدد المحلات التجارية المقدمة لمختلف الخدمات فإنَّ تلك المحلات بأنواعها ستدفع رسوماً متعددة كتجديد تراخيص وزارة التجارة والبلدية وغيرها،…إلخ. كما ستمنح الحرفيين العُمانيين سوقاً جديدة مُتنامية لتسويق منتجاتهم الحرفية الشعبية. كما توفر فرصًا عظيمة للأعمال المنزلية ببيع منتجاتهم المختلفة من مأكولات وإعداد الولائم للسياح والعطور والعسل والتمور إلخ.. وبذلك يتَّضح للجميع أنَّ التكاتف المجتمعي مع أجهزة الحكومة المختلفة يمكن أن يغير الواقع الاقتصادي لكل مكونات الوطن.

وعليه أوجه نداء للتنافس والتسابق بين جميع ولايات ومحافظات السلطنة من خلال تعاون الأهالي وممثلي الحكومة كالمحافظ مع الولاة بعد أن تمَّ إعطائهم مساحة أكبر (لا مركزية) لتطوير ولاياتهم ومحافظاتهم، وهم الآن مع أعضاء مجلس الشورى بولاياتهم للتعاون معاً كفريق عمل واحد لتبني روح التطوير السياحي لولاياتهم وقراهم ومحافظاتهم لتحقيق الأهداف أعلاه، إنها الشراكة الإيجابية يا سادة!!

وعليه بعد الاستعراض أعلاه إني لأوجه نداءً للحكومة بأن تعقد مسابقتان كل 6 أشهر (وليس كل سنة) لتشجيع روح التنافس بين كل الولايات والمحافظات تحت شعار “قرانا وولاياتنا واجهات سياحية جميلة”. لتكون المسابقة الأولى على مستوى الولايات، والثانية على مستوى المحافظات، فتقوم الحكومة مشكورة برصد جوائز مالية للولايات والمحافظات الفائزة حسب معايير وأهداف محددة مسبقاً.