د. على بن حبيب اللواتي – الرؤية
بدون مقدِّمات.. نطرح في هذا المقال حلًّا لمشكلة تسريح الشركات الكبرى للقوى العاملة الوطنية عند الصعوبات الاقتصادية.
الشركات الكبرى عادةً تلجأ إلى تكوين مُخصَّصات مالية لمقابلة جميع أنواع المخاطر المحتملة، التي يمكن أن تواجهها في مسيرتها التجارية؛ كالبنوك التي قانونًا يجب أن تبني لها مُخصَّصات مالية لمواجهة أنواع مختلفة من المخاطر المتنوعة، وتقوم في بناء تلك المخصصات لسقف محدد عبر فترة زمنية محددة.
وهذه المخصصات تُستخدم للتغلب على أنواع مختلفة من المخاطر، والتي يُمثل إحداها قدرتها على الاحتفاظ بالقوى البشرية التي كانت السبب الرئيسي لنجاحها وتفوقها لتحقيق تراكم الأرباح لسنوات عند نشوء الأخطار المختلفة. فتلجأ تلك الشركات المؤمنة بالشراكة الحيوية بينها وبين كادرها البشري إلى الاحتفاظ بهم بقدر الإمكان؛ من خلال توفير الحماية الوظيفية لهم؛ فتستخدم مخصصات المخاطر لدفع الأجور حتى لو خُفِّض جزءٌ يسيرٌ منها لكي لا تلجأ إلى التفريط بقواها البشرية حين تواجه الركود الاقتصادي؛ لأنها تؤمن بأن الأوضاع الاقتصادية لا تبقى في حالة ركود وضعف مستمر، إنما في مرحلة زمنية أخرى سيبدأ التعافي تدريجيا، وحينها ستضطرُّ لإعادة البحث عن موظفين جُدد لتعويض النقص العددي إذا سرَّحتهم بسهولة، وبالأخص لفئة أصحاب الخبرات والمهارات المتميزة؛ فمثلهم سيصعُب عليها تعويضهم بسهولة عند التعافي الاقتصادي الجديد.
تجاهُل الشركات لاستخدام هذه المخصصات التي بنيت من جهود العاملين أنفسهم ولجوئها للتسريح الجماعي سيعتبر حينها عدم المشاركة الإيجابية في حفظ المجتمع في الأزمات.
وعند عدم بناء مخصصات المخاطر واعتبار كل الأرباح (100%) هي من نصيب ملاك الشركة فقط، فإن هذا التصرف يعد مخالفا للقانون التجاري.
وعند تقاعُس هذه الشركات الكبرى بعدم الالتزام بتكوين مخصصات للمخاطر، فإنها عند وقوعها ستلجأ للتحرك بعيدًا عن مسؤوليتها الاجتماعية إلى تقليص القوى البشرية بالتسريح الجماعي لموظفيها؛ كونهم الحلقة الأضعف، غير مُكترثة باتخاذ خطوات عملية فعلية لإحداث تغيُّرات في مختلف أنواع عملياتها التجارية والصناعية لكي تتناسب مع الوضع الطارئ الذي تواجهه.
وهنا.. يأتي دور السلطات القانونية التي يجب أنْ تُجبر هذه الشركات على تكوين مخصصات مالية توضع في حساب بنكي منفصل، وتقدم الشركات الإفصاح عنه للوزارة بشكل دوري، ويستخدم لحالات الطوارئ من خلال إصدار تشريع الزامي مقنن ذي ضوابط محددة.
إنَّ جائحة كورونا وإجبار الدولة على إقفال الأنشطة التجارية لفترات طويلة كان لدواعي حماية كل السكان، وهذه بلا شك تمثل حالة طارئة يمكن للشركات حينئذ استخدام مخصصات الطوارئ بكفاءة للحفاظ على القوى البشرية العاملة التي هي بسواعدها أنجزت هذه الأرباح.
وفي حالة عدم وجود تشريع متكامل متوازن في هذا الجانب، فعلى المشرِّع الإسراع في استحداثه، ليوفر الحماية للقوى البشرية الوطنية، وكذلك للشركات نفسها من التعرض لمخاطر متعددة عبر مسيرتها التجارية.
ويمكن أن تتوحد هذه المخصصات ضمن ضوابط محددة، فينشأ صندوق شراكة بين الشركات ذات رأس المال العالي مُقسمًا على حسب حجم القوى البشرية العاملة به، يكون تحت إشراف البنك المركزي العماني؛ فبذلك ستحافظ هذه الشركات على تماسكها الذاتي، وعلى استمرار أعمالها رغم صعوبة المتغيرات الاقتصادية.
وفي حالة عدم فرض تشريع لبناء الاحتياط القانوني لمجابهة مختلف الأخطار، ويكون إلزاميًّا على الشركات الكبرى مثل البنوك، فإن هذه الشركات لن تترد في التخلي ببرود عن مسؤولياتها الاجتماعية متى رأت أن مصالحها هي أعلى وأهم من أي مصالح استقرار المجتمع!
إنَّ هذا التشريع “احتياطي المخصصات” سيُسهم بفاعلية في الحفاظ على القوى العاملة الوطنية لدى هذه الشركات في الظروف المتغيرة، وكذلك سيُساعدها على إحداث تغييرات متعددة في نوعية وأداء عملياتها وخطوط إنتاجها، لتتمكن من البقاء والاستمرار في أداء أعمالها. وهذا الأمر بلا شك سيعمِّق ويفعل دورها كشركات كبرى في تحمُّل المسؤولية الاجتماعية في وطن أتاح لها فرص النمو والاستثمار وجنى مختلف أنواع الأرباح.
ويُمكن لهذه الشركات مشاركة الحكومة في تحمل جزء من المسؤولية الاجتماعية، في زمن دق الهاون في رأس الحكومة (لوحدها) بتحميلها مسؤولية إيجاد الحلول بمفردها في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبالمقابل هذه الشركات في الأزمات تمرح وتُسرِّح من تشاء تعسفًا.