محمد بن علي اللواتي – الرؤية
من منا كان يتخيل أن تتغير حياتنا رأساً على عقب بسبب أزمة الجائحة، وأن تتحول الأمور الروتينية التي كنا معتادين عليها بحياتنا، كالذهاب إلى الأعمال، ومقابلة الأهل في نهاية الأسبوع، والالتقاء بالأصحاب في المقاهي والمجمعات التجارية، من المحرمات، وأن نكون حبيسي المنزل لعدة أشهر!
وبما أن أزمة كورونا لم تبق قطاعاً إلا وطالته؛ فقد تأثر قطاع التعليم على سبيل المثال وبات أكثر من 1.5 مليار طالب وطالبة بعيدين عن مدراسهم، وأصبحت الدروس والواجبات تعد وتقدم عبر الإنترنت، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الكثير من الشركات تأثرت من هذا الوضع الاستثنائي وأعلنت إفلاسها، فيما قامت الأخرى بالتفكير خارج الصندوق، وإيجاد البدائل في إتمام المهام وإنهاء الأعمال من المنزل، وقد سميت هذه الفترة بـ(New Normal) ويعني الوضع الطبيعي الجديد، والذي يتطلب التباعد الاجتماعي والجسدي، والبقاء على بعد مترين على الأقل من أي شخص غريب، وغسل اليدين وغيرها من التعليمات التي صاحبت منذ بداية الجائحة.
وكما يُقال مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد نمت بعض القطاعات وأصبحت أكثر طلباً من ذي قبل، كالبرامج التي تقدم خدمة الاجتماعات على الهواء مباشرة مثل (Zoom وMicrosoft Teams و Google Meet)، والمعاملات البنكية عبر النت، ومتاجر البقالة والتجارة الإلكترونية وغيرها، ويقول الخبراء إنَّ العالم تقدم في جميع المجالات في فترة الجائحة، وإنَّ هذه الأعمال كان يتوقع لها أن تصل إلى ما عليه اليوم بعد خمس سنوات.
هذه الممارسات الجديدة أضافت زخماً على الأعمال وأحدثت طرقاً ابتكارية لم تكن بالسابق في التعامل مع الوضع، حيث بدأت الشركات العالمية في استخدم الذكاء الصناعي لتحسين العمليات، وتحديث القدرات التكنولوجية لتعزيز سرعة التطوير، وزيادة الرشاقة التنظيمية لمؤسساتها لتقديم الخدمات على نحوٍ أسرع، ونجحت شركات الطيران في إيجاد السبل الكفيلة بعدم اللمس طوال فترة الرحلة، في حين قامت شركات السيارات بابتكار آلية توصيل الموديلات الجديدة إلى منازل العملاء.
كما قامت شركات التكنولوجيا العملاقة بإعطاء موظفيها الحرية في العمل من المنازل، مثل آبل وفيسبوك وأمازون، وتقييد سفرهم خوفاً من تفشي المرض، فيما قام الرئيس التنفيذي لشركة جوجل ساندر بيتشاي بالسماح لموظفي الشركة بالعمل بعيداً عن مكاتبهم إلى منتصف العام القادم، وتفردت شركة تويتر بالسماح لهم بالعمل من المنازل إلى الأبد.
إذا ما قمنا بدراسة قرارات هذه الشركات بمعزل عن الوضع الراهن فإننا نجد أنّ الخطوات المتخذة من قبلها تعزز من إنتاجية الموظف، وتقدم له المساحة اللازمة من الراحة في العمل في الأوقات التي تناسبه وهو في كنف العائلة، مما يقلل عليه مشقة الذهاب إلى العمل في كل صباح، وقطع المسافات وغيرها من الأمور الروتينية المعتادة التي تنهك الموظف، ناهيك عن ضياع الأوقات في الانتظار وازدحام الطرقات.
إذا ما رجعنا عدة سنوات إلى الماضي، سنجد أنَّ العالم في وقت الأزمات قد ابتكر أساليب مغايرة لمواجهة الصعوبات؛ فعلى سبيل المثال: شركة نتفلكس كانت المتنفس للأمريكيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتطوَّرت إلى أنْ أصبحت ما عليه اليوم، وشركة “علي بابا” رسخت من مكانتها بين الصينيين في شراء البضائع عبر الإنترنت إبان أحداث انتشار فيروس سارس في الصين، في حين ظهرت شركة (Airbnb) في عز الأزمة الاقتصادية التي عصفت في سنة 2008؛ لكي تنافس الفنادق وتحقق دخلاً إضافيًّا لأصحاب الممتلكات الفردية.
اليوم.. نحن في صراع بين قوتين تقليديتين؛ فالذين يحبون الجنوح إلى منطقة الراحة والكسل بدون إضافة أعباء جديدة إلى كواهلهم خوفًا من تجربة كل ما هو جديد، وبين المجددين الذين هم قلة ولكن يحملون من الهمم؛ ما يدفعهم إلى التفكير بكل جرأة في تغيير العالم، والاستفادة من كل ما هو متاح لتقدم شعوبهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن اليوم هو: أين هو موقعنا بالسلطنة بعد أزمة كورونا؟ وأي الفريقين سنختار؟ هل سنرجع إلى حياتنا السابقة بكل ما كانت تحمله من سلبيات وروتين قاتل، أم سنختار الطرق التي وفرت علينا الوقت والجهد والمال؟ أترك إجابة السؤال للمسؤولين أصحاب القرار…،