محمد بن علي اللواتي – الرؤية
تسعَى دول العالم لتأمين الوظائف للباحثين عنها؛ لذا فإنَّها تقوم بخلق فرص جديدة، وإيجاد آفاق خلَّاقة للاستثمارات، بُغية توطين الكفاءات الوطنية والاستعانة بخبراتهم، ليس فقط لخفض مؤشرات البطالة، ولكن أيضا لبقاء مقدرات الوطن بين أيدي أبنائه، وعدم تحويلها خارجيا؛ مما ينعكس إيجابا على المستوى المحلي.
هنا.. سأقدِّم اقتراحي لوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لبناء مُجمَّعات ومناطق تقنية على غرار الموجودة بالهند وبالكثير من دول العالم، وهدفها جلب الاستثمارات العالمية، وأيضا الاستفادة من الخدمات التقنية بأسعار تنافسية، ولا يخفَى على القارئ استثمارات شركة مايكروسوفت بالهند، والتي تملك مكاتبها في 9 مدن هندية، ويعمل بها أكثر من 6500 موظف لبرمجة وصيانة برامج مايكروسوفت كالويندوز والأوفيس…وغيرها، ويعتبر هذا أكبر تجمع للشركة خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية.
الفكرة تتلخَّص في تعليم ألف باحث عن عمل من أبنائنا بجميع لغات البرمجة المطلوبة عالميا، وبرامج التحرير كالفوتوشوب وإدارة المحتوى على برامج التواصل الاجتماعي…وغيرها، وإخضاعهم لسنة كاملة وبشكل مكثف لدورات متقدمة وبمستويات مختلفة، وبعد التخرج توفير مكاتب مفتوحة وأجهزة الحاسوب الآلي والإنترنت للعمل عليها، يتم تقسيمهم إلى أفراد ومجموعات تتكون ما بين خمسة إلى عشرة أشخاص، ومساعدتهم في العمل على نمطfreelancer وتعني المستقل، أو gig وتعني منصات العمل الحر، وأيضا تسمى باقتصاد العمل المؤقت، ويوصف العمل بها بدوام كامل مع العمل بساعات محددة ويعمل بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ما بين 20 إلى 30% من العمال بوظائف تندرج تحت مسمى العمال غير التقلديين والمستقلين؛ ففي العام 2015 حصل ما يقارب واحدًا من عشرة أمريكيين على أموال باستخدام منصات رقمية لوظيفة أو مهمة.
إضافة لذلم، فإنَّ العمل بهذا النمط سيوفر لهم تقديم خدماتهم لشركات التقنية بالعالم ولكل من يريد الحصول على الخدمات السريعة والصيانة دون أن يضطر لتوظيف موظفين جدد وبدوام كامل، وتكبُّد مبالغ باهظة في جميع مجالات العمل؛ حيث تتم رعايتهم من خلال تسويق خدماتهم بشكل جيد، وإيجاد قنوات العمل من خلال منصة موحدة على غرار Fiverr ومنصة People Per Hour وعربيا منصة “خمسات”، التي تجني مئات الملايين من الدولارات سنويا، يتم التعاقد من خلالها لمن يحتاج لهذه الخدمات على أن تتقاضى الوزارة ما نسبته 20% من الأرباح نظير تأجير المكاتب وتقديم الإنترنت والكهرباء مجاناً، على أن يكون العمل في هذه المكاتب حرًّا وعلى مدار 24/7 لكي تواكب هذه الأوقات مواعيد العمل في جميع دول العالم، مع مراعاة تقديم الخدمات ذات الجودة العالية، وبأسعار تنافسية، وبخبرات ومتطلبات قياسية؛ وذلك بُغية إيجاد القدم في السباق المحموم بالتنافس العالمي بهذا المجال، وبعد نجاح التجربة يُمكن تعميم الفكرة على بقية محافظات السلطنة، وتوظيف 11 ألف باحث عن العمل.
كيف ستستفيد السلطنة إذا ما قامت بإنشاء هذه التجمعات:
1- إظهار اسم السلطنة من ضمن الدول التي تهتم بالتقنية، وعلو شأنها عالميًّا في هذا المجال على غرار جمهورية أستونيا.
2- رفد خزانة الدولة بمئات الملايين من الدولارات بشكل سنوي.
3- توطين خدمات التقنية في السلطنة وفتح آفاق جديدة.
4- إيجاد العمل لآلاف الباحثين عن العمل بالسلطنة.
5- الاستغناء عن خدمات وصيانة الشركات العالمية، وتوطين هذه التقنيات محليا في بناء المواقع الحكومية والمنصات التعليمية والصحية، وتقديم الخدمات البرمجية والصيانة لمختلف الوزارات والشرطة…وغيرهم، والإسراع في ربط القطاعات الحكومية على بأيدي وخبرات أبناء الوطن لإنشاء الحكومة الإلكترونية المتكاملة.
6- الحفاظ على مئات الملايين من الريالات وصرفها داخليا.
7- تخريج دفعات من المبرمجين الماهرين من ذوي الكفاءة والخبرة، خاصة وأنَّ البرمجة لغة العالم القادمة، وللطلب المتزايد عليها، خاصة ونحن بعصر الذكاء الصناعي.
ولأهمية البرمجة، فإنَّ العديد من الدول أدرجتها ضمن مناهجها منذ الصف الاأول كجمهورية أستونيا وبريطانيا، وقامت الولايات المتحدة -وبمساعدة العملاقيْن مايكروسوفت وجوجل- بإدراج البرمجة للطلاب حديثي السن، يقول تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل العملاقة: إذا كنت طالباً يتطلع لتعلم لغة جديدة، فقد ترغب في النظر إلى اللغات البرمجية وتعلمها قبل أن تتعلم اللغة الإنجليزية، إنَّ لغات البرمجة هي السبيل الوحيد للتواصل مع أكثر من 7 مليارات شخص حول العالم.
هذه دعوة جادة للحكومة، وبالأخص للوزارة الموقرة، بالتفكير خارج الصندوق، والاستفادة من الأفكار الموجودة حولنا، وتطبيقها على أرض الواقع بالسلطنة على وجه السرعة، وكما يقول الإمام علي بن أبي طالب: “انتهزوا فرص الخير، فإنها تمر مر السحاب”، وفي الفترة الحالية ومع تحديات “كورونا”، يجب علينا إيجاد الاستدامة لخلق وظائف جديدة وتقديم العيش الكريم لأبناء الوطن.