حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
فقدت السلطنة أحد أبنائها الأوفياء، بوفاة الدكتور موسى بن جعفر اللواتي الذي وافته المنية بباريس قبل أيام مضت والتي اتخذها مقرًا لإقامته بعد سنوات عديدة من عمله المُستمر بمنظمة اليونسكو خلال سنوات خلت مُمثلاً للسلطنة في هذه المُنظمة الدولية التي تهتم بالعلوم والثقافة والتربية والتعليم وغيرها.
عرفنا هذه الشخصية ونحن صغارا نلعب على الساحل بشاطئ مطرح الجميلة. كان المرحوم أحد أبناء حارتنا بمطرح بالقرب من المدرسة السعيدية. وعندما كبرنا قليلاً كان يُواصل دراسته الإعدادية والثانوية خارج السلطنة، إلا أنَّه كان يأتي إلى مدينته في فترة الصيف ليشارك إخوته في الأعمال الثقافية التي كان ينظمها النادي الأهلي في تلك الفترة.
فالمرحوم يعتبر أحد المؤسسين الرئيسيين للنادي الأهلي بمطرح، وأحد رموز الثقافة والفن في هذا الصرح الثقافي الرياضي في فترة الستينيات من القرن الماضي وبالتحديد في عام 1960م، حيث تم إشهار النادي مع مجموعة من أصدقائه من طلبة المدرسة السعيدية بمطرح في ذلك العام، فيما وضع أول دستور للنادي في عام 1964، بجانب مشاركاته الثقافية والاجتماعية في تنظيم حفلات النادي السنوية. وعلى يديه وزملائه تمَّ بناء المسرح والفكاهة والعمل الثقافي الكبير الذي استقطب الكثير من الجماهير من مختلف أنحاء البلاد في بداية فترة النهضة المُباركة في السبعينيات. وما زالت هذه الأعمال تلقى قبولا كبيرا من المُجتمع العُماني.
وكان المرحوم أحد المنظمين لمسيرة الأندية واحتفالات البلاد بمقدم المرحوم السُّلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- إلى مطار بيت الفلج في يوليو عام ١٩٧٠، وكنَّا نلتقي به أحيانا في أروقة النادي الأهلي وفي سكك مدينة مطرح.
لقد التقيت بالمرحوم د. موسى بعض المرات منها صيف عام ١٩٧٣ على شارع الروشة ببيروت، حيث كنت بصحبة أخي المرحوم علي وأسرته بزيارة لبنان لأول مرة في ذلك العام قبل نشوب الحرب الأهلية، فيما كان المرحوم طالباً ويُواصل دراسته بإحدى الجامعات اللبنانية. وفي عام ١٩٧٩-١٩٨٠ كان المرحوم مديرًا للبعثات بوزارة التربية والتعليم، وجئت لاستلم تذكرتي للسفر ومخصصاتي المالية من الدائرة لمُواصلة الدراسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وإذا بي وجهًا لوجه مع المرحوم الذي كان حريصاً أن يلتقي معظم الطلاب الذين يفودون للدراسة إلى خارج السلطنة قبل سفرهم ليزودهم بالتعليمات والنصائح، وبضرورة بذل المجهود والاستمرار في النجاح سنوياً. وعلى مدى سنوات دراستي الجامعية كنت حريصاً على الالتقاء به سواء في مكتبه بالوزارة في فترة الصيف أو مع إخوته بالبيت. وفي عام ١٩٩١م عندما كنت عضواً بمجلس إدارة النادي الأهلي ورئيسا للجنة الثقافية بالنادي برئاسة الأخ حسن بن سعيد بن محمد اللواتي، علمنا في الإدارة بوصول المرحوم د. موسى إلى مسقط قادماً من باريس، واتصلنا به ليكون ضيفاً على النادي ليلقي محاضرة حول منظمة اليونسكو وأهدافها بمقر النادي، فوافق على الفور، إلا أنَّ ليلة المحاضرة كان عدد الحاضرين لا يتعدى ٢٠ شخصًا قبل أن يصل إلى ٢٢ شخصاً، فاخبرناه بذلك عن عدد الحضور فقال لا بأس عليكم مشيرًا إلى أن عدد الحاضرين في فرنسا يصل أحيانًا ٥ أشخاص في مثل هذه المُنتديات، قائلاً هذا هو الوضع الثقافي في الأندية والتجمعات الثقافية دائمًا وليس في أندية السلطنة ولكن في كثير من دول العالم.
وحرص تلك الليلة على أن يأخذ جولة في إدارة النادي ومرافقه ليرى صورته مُعلقة مع صور بقية المؤسسين للنادي وهم الأفاضل: رضا عبداللطيف، وحسين محمد، وعلي فدا، ومحمد الياس فقير، وموسى سعيد، وسالم العرفاتي، وسالم عبدالله مطر، وحسين علي عبد اللطيف. وبدأ بتساؤلاته لمعرفة أحوال النادي وعدد الأعضاء والإنجازات التي حققها في مختلف المجالات الثقافية والرياضية والاجتماعية وغيرها خلال السنوات الماضية. كما كان مهتما أيضًا بمعرفة الأحوال المالية للنادي.
لقد ظلت العلاقة مع المرحوم متقطعة بسبب تواجده خارج السلطنة في مُعظم الأحيان. وكنا نطمئن عليه من خلال إخوته الأعزاء تقي وباقر، ونسائبه وأهله. وآخر مرة تم الاتصال مع المرحوم كانت قبل عدة سنوات مضت من خلال رسالة شكر منه يطمئن فيها الجميع على صحته عندما داهمه المرض.
رحم الله الفقيد الذي ترك بصمات كبيرة في كثير من جوانب الحياة في السلطنة وأهمها الفن والمسرح والثقافة بشكل عام. فأبناء السلطنة وخاصة مدينة مطرح سوف لا ينسون هذا الشخص الذي ارتقى بالفن المسرحي والثقافة في البلاد ليقضي بقية حياته في خدمة مؤسسة ثقافية عالمية.
لقد سبقني الكثير من الكتاب بالتحدث عن هذا الشخص. وهناك الكثير ممن كتب وذكر عن الشخصية الكبيرة ومُساهماتها العديدة التي تحتاج إلى كتابة عشرات المقالات من هذا النوع. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان وحشره مع مواليه محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام.