حيدر اللواتي – لوسيل
لا يخفى على المرء التراجع الملحوظ في عدد العمالة الوافدة في عدد من الدول الخليجية خلال الفترة الماضية، وبالتالي حصول تراجع في قيمة التحويلات المالية أيضا، إلا أن دولتي قطر والكويت شهدتا زيادة في هذه التحويلات خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018 وفق البيانات الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخيرة الذي يتخذ من مسقط مقراً له. فهذه التحويلات في مجملها ثابتة، ولكن البيانات المقبلة عن تطورات العام الحالي سوف تكشف مزيدا من التراجع في العدد الإجمالي للعمالة والتحويلات بسبب الآثار السلبية التي تركتها جائحة كوفيد 19 على العديد من دول العالم.
البيانات الصادرة للمركز تكشف أن تحويلات العمالة الوافدة لدولة قطر شهدت زيادة في التحويلات خلال العامين الماضيين على عكس بقية دول المجلس باستثاء دولة الكويت حيث بلغت في عام 2018 نحو 11.4 مليار دولار مقابل 11.8 مليار دولار في عام 2019 بنسبة زيادة قدرها 3.5%، الأمر الذي يؤكد بأن دولة قطر مستمرة في تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي في مختلف المشاريع التي يتم إنشاؤها في البلاد، وبالتالي فهي بحاجة إلى توفير المزيد من العمالة الوافدة، بجانب تشغيل العمالة الوطنية المؤهلة لديها في مختلف الحقول.
كما أن مؤشرات المركز الإحصائي الخليجي تبيّن أن نسبة تحويلات العاملين الوافدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 بالأسعار الجارية لدولة قطر بلغت 6.4%، وهي أقل كثيراً مما حصلت في دول خليجية أخرى. فعلى سبيل المثال بلغت هذه النسبة في سلطنة عمان 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الكويت 10.9%، الأمر الذي يؤكد قوة الاقتصاد القطري من حيث موارده المالية والدخل، وتنوعه في المشاريع التي تقام هناك.
إن جميع دول مجلس التعاون الخليجي شهدت خلال الفترة الماضية تراجعاً في عدد العاملين الوافدين نتيجة للتباطؤ الاقتصادي التي شهدته المنطقة في أعقاب منتصف عام 2014 بسبب تراجع أسعار النفط العالمية، والتأثيرات السلبية لجائحة كوفيد 19 حالياً، الأمر الذي أدى إلى تراجع أنشطة العديد من المؤسسات والشركات التجارية في المنطقة التي بدأت بعضها بالتخلص من العمالة الوافدة التي تركت تأثيراً على مجمل التحويلات المالية السنوية. فالمنطقة منذ عام 1973 من القرن الماضي شهدت هجرة عمالية كبيرة، وخاصة من الدول الآسيوية، الأمر الذي نتج عنه زيادة كبيرة في التحويلات المالية السنوية التي تساعد حكومات تلك الدول الأجنبية على بناء الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي لها، فيما تترك على الدول المصدرة للعملة الصعبة تأثيرات سلبية على موازين مدفوعاتها السنوية.
اليوم تشهد المنطقة تراجعا في الأنشطة الاقتصادية بعدما لعبت دوراً كبيرا في العقود الماضية في مختلف مجالات التنمية، وهذا يدفعها إلى تبني سياسات وبرامج إحلال الكوادر الوطنية من جهة، والإسراع في التنويع الاقتصادي من جهة أخرى. وهذه السياسات سوف تؤدي بالتالي إلى الإقلال من عدد القادمين الوافدين إلى المنطقة، إلا أن الحاجة للعمالة الوافدة ستظل قائمة بعد الانتهاء من الآثار السلبية للجائحة في إطار سياسات الدول بالتوجة وبقوة نحو التنويع الاقتصادي، وتنشيط القطاعات الاقتصادية، وخاصة في مجال المعرفة والتقنيات الحديثة والمعلومات بشكل عام.