Image Not Found

ما زلنا نتعلم من كورونا (4)

Views: 15

د. وجيهة عبدالمجيد اللواتية

من المفارقات العجيبة لسنة 2020 وهي كلها سنة العجائب، أنه في الوقت الذي أغلقت فيه جميع الصروح التعليمية من مدارس وجامعات وكليات، كانت البشرية في نفس الوقت وبالإجماع تتلقى أعظم الدروس وأبلغ العبر في الحياة.

جاءت جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، ضيفا ثقيلا مزعجا خانقا، لكنها جاءت محملة بالدروس والعبر التي طبقناها تطبيقا عمليا.

علمتنا كورونا في هذه السنة ما لم نتعلمه خلال فترة حياتنا كلها.

كانت الدروس المستفادة من كورونا (كوفيد-١٩) على نطاق فردي يلامس حياة كل فرد شخصيا، ونطاق جمعي يختص بالمجتمعات والظواهر والعادات السائدة فيها.

ولعلنا أدركنا الدروس التي استفدناها على النطاق الفردي كل على حده، وراجعنا أنفسنا لنصلحها بما فيه رضا الله سبحانه وتعالى.

أما على الصعيد المجتمعي، فالدروس كثيرة، لكن لا بأس بأن نمر مرورا سريعا على بعض منها لتعميم الفائدة.

🔸️أولا وأخيرا تعلمنا أن الحاكمية والمرجعية المطلقة هي لله تعالى، وأن الأمر كله بيده، وليس لنا إلا التفويض إليه جل وعلا، قال تعالى:”وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد”.
فبدون الله تعالى، لا العلم، ولا المال، ولا النفوذ أو التمدن أو الحضارة العظمى، استطاعوا التصدي لهذا الكائن المجهري الدقيق، وما زالت البشرية تعاني منه إلى أن يأذن الله تعالى بالفرج “وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو”.

كما تعلمنا أن الله تعالى ليس محصورا بالمساجد ودور العبادة، وإنه يريد منا طهارة القلب قبل الجسد، وإن قلوبنا متى ما طهرت صارت مساجدا يعرج بها إلى الله تعالى.

🔸تعلمنا أن الصحة والتعليم هما أهم ركيزتين يقوم عليهما أي مجتمع بشري، وأنه كلما كانت أنظمة الصحة والتعليم مواكبة للتطور الزمني والميداني، كانت أكثر جاهزية للتصدي لأي أزمة، بل وفي المبادرة بإيجاد الحلول المناسبة.

لقد كان الأطباء والطاقم الطبي، جنود هذه الأزمة وأخص بالذكر خط الصف الأول. هؤلاء هم أبطال الميدان ويستحقون كل التقدير والاحترام، ولهم تحية إجلال وإكبار على خدماتهم الإنسانية.

🔸تعلمنا أن الأعراس هي مناسبات سعيدة تجمعنا بالفرح، وأن الزواج هو اقتران روحين متحابتين لإنشاء أسرة وبناء المجتمع، وأنه كلما كان حفل العرس بسيطا، كان أجمل ومحلا لبركة أكثر.

لقد كانت أعراسنا قبل فترة الجائحة سباقا لإظهار التميز عن الآخرين، وفيها تصرف آلاف الريالات لإعداد متطلبات العرس المميز من قاعة فخمة وديكورات فاخرة وهدايا راقية، بالإضافة إلى ما لذ وطاب من أصناف الطعام.

ليلة واحدة تصرف فيها مبالغ طائلة من أجل الوصول إلى التميز المنشود، ولعل هذا التميز لا يتحقق عند البعض إلا بالاقتراض من البنوك، فيجد الشاب المقبل على الزواج نفسه بين مطرقة القرض وسندان الأعباء المادية الجديدة لإنشاء بيت وأسرة.

هذه المبالغ كان بالإمكان أن تساهم في بناء مسكن للأسرة لكنها صرفت في أشياء وقتية قصيرة وفي غير محلها.

كلنا نريد أن نعيش لحظات الفرح في أعراس أحبتنا، ولست أعارض أبداً إقامة احتفال بهيج وسعيد لكن الاعتدال مطلوب. يقول الله تعالى: ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”.

🔸تجمعات العزاء أيضا تأثرت بالجائحة فصارت التعازي تقدم مهاتفة أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
لقد حرمتنا كورونا من مواساة الأحبة ومن الكون معهم وقت الشدة والحزن وهو بالفعل حرمان كبير.

لقد تحول العزاء قبل الجائحة إلى ضغط مادي على ذوي المتوفى بدل أن يكون مصدر مواساة وتسلية لهم، إذ أن عليهم إعداد الطعام يوميا للمعزين متضمنا الوجبات الثلاث والقهوة والشاي وغير ذلك من مستلزمات الضيافة في الوقت الذي قد لا تسمح إمكانياتهم المادية بل وحتى المعنوية بذلك، فهل لنا وقفة مراجعة؟

🔸من المناظر المؤلمة في فترة الجائحة منظر العمال وهم يبيعون قنينات المياه وسط الشوارع وهو منظر يعكس الحاجة المادية ومحاولاتهم الصعبة لكسب لقمة العيش.

مما تعلمناه هنا أن استقدامنا لفئة العمالة الوافدة يجب أن يكون واعيا و مدروسا وليس استقداما عشوائيا، وعلينا أن نتذكر حديث الرسول (ص) :”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

إن العامل الوافد بشر له حاجاته النفسية والجسدية كأي إنسان آخر من مأكل ومشرب ومسكن مناسب، ومن الشعور بالأمن والكرامة والحصول على العلاج عند المرض.
لقد جاء هذا العامل تاركا أهله وأولاده بحثا عن لقمة العيش لقاء مبلغ زهيد، لا يستطيع من خلاله تأمين احتياجاته الأساسية للعيش. لذا نأمل أن توضع ضوابط في المستقبل لاستقبال العمالة الوافدة حسب الحاجة إليها وتضمن لهم توفير الاحتياجات الضرورية المناسبة، بالإضافة إلى تأمين صحي يغطي نفقة علاج العامل في حال مرضه في السلطنة. وقد رأينا كيف ساهم تكدس العمال في مساكن صغيرة في انتشار فايروس كورونا (كوفيد-١٩).

🔹إن الدروس التي تعلمناها من هذه الجائحة كثيرة وما زلنا نتعلم منها يوما بعد يوم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنا هذا البلاء والوباء، وأن ينفعنا بما تعلمناه لنضعه في مجال التطبيق، وأن يجعل أحوالنا أفضل مما كنا عليه قبل الجائحة إنه سميع مجيب .

دمتم بود،،،،