حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد العمالة الوافدة قليلاً بدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة الماضية، فقد ظلت قيمة التحويلات المالية ثابتة في معظم دول المنطقة خلال السنتين الماضيتين 2018 و2019.
ووفقا للبيانات الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخيرة؛ فقد جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى في هذه التحويلات التي بلغت قيمتها 45 مليار دولار أمريكي في العام 2019، مقابل 46.1 مليار دولار في العام 2018، بنسبة تراجع قدرها 2.4%. أما المملكة العربية السعودية، فقد جاءت في المرتبة الثانية من خلال تحويل ما قيمته 30.3 مليار دولار في العام 2019 مقابل 33 مليار دولار عام 2018، بنسبة تراجع قدرها 8.1%، إلا أن تحويلات العمالة الوافدة من الكويت شهدت زيادة في العام 2019 وبلغت 14.7 مليار دولار مقابل 14.2 مليار دولار في العام 2018 بنسبة زيادة قدرها 3.9%، وجاءت في المرتبة الثالثة. كما شهدت دولة قطر أيضا زيادة في التحويلات خلال العامين الماضين؛ حيث بلغت في العام 2018 نحو 11.4 مليار دولار مقابل 11.8 مليار دولار في العام 2019، بنسبة زيادة قدرها 3.5%، واحتلت بذلك المرتبة الرابعة بين دول المجلس.
أما بالنسبة للسلطنة، فقد تراجعت تحويلات العمالة الوافدة في العام 2019 لتصل إلى 9.2 مليار دولار أمريكي، مقابل 10 مليارات دولار في العام 2018، وبنسبة تراجع قدرها 8%، وجاءت في المرتبة الخامسة، كما تراجعت تحويلات العمالة الوافدة من مملكة البحرين وبلغت في العام 2019 نحو 2.9 مليار دولار، مقابل 3.3 مليار دولار في العام 2018، وبنسبة تراجع قدرها 11.6%، وهو أكبر تراجع بين جميع دول المجلس وجاءت في المرتبة السادسة.
أما بالنسبة لتحويلات العاملين الوافدين بدول المجلس إلى الناتج المحلي الاجمالي في العام 2019 بالأسعار الجارية، فقد بينّت مؤشرات المركز الاحصائي بدول المجلس أن السلطنة تأتي في المرتبة الأولى من حيث هذه النسبة وبواقع 12% من الناتج المحلي الإجمالي، تليها دولة الكويت بنسبة 10.9%، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 10.7%، تليها مملكة البحرين بنسبة 7.5%، ثم دولة قطر بنسبة 6.4%، وأخيراً المملكة العربية السعودية بنسبة 3.8%. أما متوسط نسبة تحويلات العاملين إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس في العام 2019، فقد بلغ 6.9% وفق بيانات المركز.
وشهدت السلطنة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة الماضية تراجعًا في عدد العاملين الوافدين نتيجة للتباطؤ الاقتصادي التي شهدته المنطقة في أعقاب منتصف عام 2014 بسبب تراجع أسعار النفط العالمية من جهة، ثم التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد 19 التي أدت لتراجع العديد من الأعمال التجارية في الكثير من القطاعات الاقتصادية من جهة أخرى؛ الأمر الذي دفع العديد من الوافدين إلى مغادرة المنطقة، وأدى ذلك لتراجع قيمة التحويلات المالية لهم أيضا. فدول المجلس تتميَّز حتى اليوم بوجود عمالة آسيوية كبيرة لديها تأتي معظمها من الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين وسريلانكا وبعض الدول العربية والإفريقية. وتعتمد العديد من العائلات في تلك الدول على الأموال التي يتم تحويلها إلى دولهم، الأمر الذي يقلل من الفقر والبطالة في العالم، ويلبي حاجة العائلات للحصول على احتياجاتهم اليومية. كما أن هذه الأموال تساعد حكومات تلك الدول على بناء الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي لها، مع ترك تأثيرات سلبية على ميزان مدفوعات الدول المصدرة لتلك الأموال.
ومن خلال متابعة البيانات الرسمية للمؤسسات المعنية في الدولة، نجد أن عدد العمالة الوافدة في السلطنة تراجع إلى 1.6 مليون شخص في بداية العام الحالي، كما تراجعت بقية دول مجلس التعاون الخليجي بعد عدة عقود من النشاط الاقتصادي لهم في المنطقة. فالاقتصاد الخليجي لعب دوراً كبيراً في العقود الماضية في استقطاب هذه العمالة إلى المنطقة في ظل الطفرة النفطية التي شهدتها المنطقة بعد العام 1973 من القرن الماضي. ولكن نتيجة لتاثيرات السوق العالمي في تجارة النفط وما ينتج عن ذلك من تراجع في سوق الطاقة العالمي، تدفع الدول النفطية الخليجية إلى وضع سياسات وبرامج إحلال الكودار الوطنية في مختلف القطاعات من جهة، والتوجه نحو التنويع الاقتصادي من جهة أخرى؛ الأمر الذي يؤدي إلى الإقلال من عدد القادمين الوافدين للمنطقة للعمل في مشاريع معينة، فيما ستظل الحاجة للعمالة الوافدة قائمة ما بعد تأثيرات النفط والجائحة نتيجة للتوجهات الاقتصادية الجديدة للمنطقة، والتي تتميَّز بالتوجه وبقوة في التنويع الاقتصادي وتنشيط قطاعات الصناعة وتقنية المعلومات والسياحة بجانب الزراعة والثروة السمكية والتعليم.
وكان لانخفاض أسعار النفط على المستوى العالمي، ومن ثمَّ ظهور “كوفيد 19” أثر سلبي على الكثير من المشاريع الاقتصادية في المنطقة؛ الأمر الذي يضعها أمام تحديات وضغوط جديدة للعمل على ترشيد النفقات وخفض أعداد العمالة الوافدة، بجانب تهئية الكوادر المحلية لاحلالها محل العمالة الوافدة، مع العمل على تجميد بعض المشاريع للسنوات المقبلة، وإصدار قرارات إيقاف المأذونيات للعمالة الوافدة في عدة أعمال، والعمل على مواجهة جميع تلك التحديات من خلال توظيف العمالة الوطنية الباحثة عن العمل في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.