حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
ازداد عددُ المتقاعدين من الأجهزة الحكومية خلال الشهور الماضية ممن أمضوا حوالي 30 عامًا في الخدمة وفق التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله ورعاه-.
ومنذ بداية شهر مايو من العام الجاري، أصدر معالي وزير ديوان البلاط السلطاني تعميماً بهذا الخصوص، الأمر الذي أدى إلى تلقي عدد من الموظفين القدامي ممن أمضوا الفترة المطلوبة رسائل تقاعدهم من مختلف الوحدات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة للدولة.
البعض فيهم قَبل هذه الرسالة بكل أريحية، مؤكداً ضرورة إمضاء الفترة المتبقية له من العمل والحياة في أعمال أخرى، ومساعدة أبناء مجتمعه في المسائل التي يتطلعون إليها، فيما امتعض الآخرون من تلك الرسائل معللين بأنَّ الفترة غير مناسبة بسبب الوباء المستشري نتيجة الجائحة من جهة، وتوقف بعض مشاريعهم الخاصة من جهة أخرى، مؤكدين أنَّ لديهم التزامات مع البنوك والمؤسسات المالية بشأن القروض والالتزمات الاجتماعية الأخرى.
وفقاً للقرار، فلابد من إحالة ما لا يقل عن 70% من الموظفين العمانيين من موظفي كافة الوحدات الحكومية المدنية دون استثناء من تجاوزت خدماتهم 30 سنة إلى التقاعد، وذلك في موعد أقصاه نهاية العام الحالي 2020 استناداً إلى ترتيب أقدمياتهم بالتعيين حتى يتم استيفاء النسبة آنفة الذكر، الأمر الذي يعطي الفرصة لبقية الموظفين المتواجدين في تلك المؤسسات للارتقاء بالعمل وزيادة إنتاجيته، وتسليم المسؤوليات بدلاً عن المتقاعدين، بالإضافة إلى التحاق أفواج جديدة من العُمانيين الباحثين عن العمل في الأعمال الحكومية المطلوبة. والأمر الجيد في القرار أنَّه طالب جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بمتابعة تلك الجهات لإنفاذ الأوامر السامية، مع ضرورة خروج الموظفين المستهدفين في الإجازات المستحقة لهم قبل إحالتهم للتقاعد في الفترة المُحددة.
هذه سُنة الحياة بأن يمر كل شخص بتلك الأدوار، ولكن لا يعني أنَّ التقاعد يعني الخزلان لهم. فهم النخبة، وعلى أيديهم تأسست وأقيمت تلك المشاريع الكبيرة، ومن خلال أفكارهم واقتراحاتهم تطور المجتمع العماني. وممن له دراية بأمور الحياة يمكن له أن يكسب أموراً أخرى، حتى وإن قام بأقل جهد كاستثمار أرضه في الزراعة، أو اتخذ البحر مصدراً للرزق الجديد، أو توجه للعمل في مؤسسات القطاع الخاص، أو شارك في تقديم خبراته وتجاربه على شكل دروس ومحاضرات في الجامعات والكليات أو توجه نحو الكتابة والتأليف وغيرها من الأمور الأخرى. وهنا الأمر يستدعي السعي من المتقاعدين القيام بجميع أنواع الأعمال المتاحة إذا كانوا يرغبون في ذلك، أو إذا كانوا قادرين على العطاء في الجوانب الأخرى.
الكل على علم بأنَّ هذه الخطوات تتخذ في الوحدات الحكومية في إطار إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة الذي من المتوقع له أن يشهد اندماجات في وحداته الجديدة، حيث بدأ الأمر مع قرار إنشاء جهاز الاستثمار العماني الذي جمع بعض الصناديق السيادية والإشراف ومتابعة أحوال الشركات الحكومية. كما أن هذه الخطوات تتخذ أيضاً من أجل مراجعة نظم التوظيف في الوحدات الحكومية، مع العمل على وضع أسس وسياسات وتشريعات جديدة لتعزيز وتطوير إنتاجية هذه الوحدات الحكومية في الفترة المقبلة، وتحقيق مزيد من الإيجابيات في مجالات العمل والتوظيف من خلال استغلال العاملين من الموظفين وأصحاب الخبرات بصورة أكبر.
وتأتي هذه الخطوة من أجل توحيد منافع التقاعد والتزامات المستفيدين تجاه صناديق التقاعد التي يصل عددها اليوم في السلطنة إلى 12 صندوقًا تقدّم امتيازات مختلفة للعاملين بها والتي تتعدد من صندوق لآخر سواء في الأجهزة والوحدات الحكومية أو في مؤسسات القطاع الخاص. وقد أثير هذا الموضوع في أواخر عام 2013 عند صدور التوجيهات السامية لجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه- بالنظر في إقرار توحيد منافع والتزامات جميع موظفي الوحدات الحكومية والقطاع الخاص، مع ضرورة النظر في توحيد سن التقاعد في القطاعين وتوحيد المزايا المالية والاجتماعية. وترتبط هذه الأمور أيضاً مع القرارات التي اتخذت مؤخرًا بشأن إصلاح الأمور المالية والضبط المالي للمؤسسات الحكومية والإرشاد في المصروفات والحفاظ على الموارد العينية للدولة، الأمر الذي يمثل خطوات إصلاحية وتصحيحية في العهد الجديد لجلالة السُّلطان هيثم الذي يعمل على محاربة الترهل في المؤسسات وتطبيق مبادئ الحوكمة والرقابة وتفعيل دورها. وهذه الخطوات ستعمل- بلا شك- على تحريك الساحة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد الذي هو مُقبل العام القادم 2021 على تدشين الرؤية المستقبلية “عمان 2040”.
إنَّ قرار التقاعد للبعض يُعطي الأمل للباحثين عن عمل بالانضمام إلى المؤسسات الحكومية في الفترة المقبلة، في الوقت الذي نعلم جيداً أنَّ الملتحقين الجدد في المؤسسات الحكومية سوف لا ينالون نفس الامتيازات من الرواتب التي منحت للأجيال السابقة في إطار الإجراءات التي تتخذها الحكومة بخفض الإنفاق وإعادة هيكلة وتحديث الجهاز الإداري للدولة. فقد تم تغيير جدول الرواتب لجميع الفئات الجديدة.
إنَّ قرار التقاعد شمل اليوم جميع الدرجات الوظيفية من الدنيا والمتوسطة، بل شمل كبار الموظفين من الدرجات العُليا في مختلف وحدات الجهاز الإداري والهيئات والمؤسسات العامة والصناديق والشركات المملوكة للحكومة بالكامل، أو تلك التي تسهم فيها الحكومة بنسبة تزيد على (%40) من رأسمالها أو أي جهاز خاضع للحكومة. وتعتبر الأوامر السامية للسلطان بمثابة تشريع قانوني، أي إن أوامره من ناحية القوة الإلزامية حالها كحال القانون، وذلك وفق المادة 41 من النظام الأساسي للدولة، حيث إنَّ أمره مطاع حتى وإن لم يبلغ الموظف 60 عامًا من العمر، حيث لا تخضع الأوامر السامية لرقابة القضاء الإداري بموجب قانون محكمة القضاء الإداري. أما المتقاعدون فهم على علم بمخرجات التعليم الجامعي الكبيرة سنوياً، الأمر الذي يتطلب مهم قبول أوامر التقاعد بكل فخر ليفسحوا المجال ممن يأتي بعدهم. اليوم هناك فرصة لدى المتقاعدين بتأسيس جمعيتهم المهنية للنظر في كل المسائل التي تهمهم، وتكون بمثابة مرجعية للباحثين عن العمل، في الوقت الذي تُستغل اليوم هذه الفرص من بعض الشركات التي تخصم رواتب العاملين الجُدد في المؤسسات الحكومية والخاصة مُقابل خدماتها في البحث عن الوظائف والأعمال في المؤسسات، وسيكون بمثابة إنجاز جديد للجمعية المقترحة في حال تأسيسها والقيام بهذه الأعمال.