د.وجيهة عبد المجيد اللواتية
من الأبيات الشعرية المعبرة لأمير الشعراء أحمد شوقي، استوقفني هذا البيت
“دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثواني”
فعلا هناك تناغم وتجانس عجيب بين دقات القلب ودقات عقارب الساعة، وكأنهما اتفقتا على إخبارنا بأن العمر الذي نعيشه محدود وإلى رحيل.
الكثير من الناس يستثمرون في أسواق المال والأسهم والعقارات، لكن في نظري فإن أهم استثمار في حياة الإنسان هو استثماره في الوقت الذي منحه الله تعالى إياه مدى عمره.
كل لحظة نعيشها وكل ثانية من حياتنا ترحل دون عودة، نعيشها ونودعها، لذا فإنه بإمكاننا التعويض عن الخسائر المادية، لكن خسارة الوقت، هذا الكنز العظيم هي خسارة دائمة غير قابلة للتعويض.
عندما ندرك ونستشعر معنى أن كل ثانية من أعمارنا ترحل دون عودة، فإننا حتما سوف نسعى إلى استغلالها الاستغلال الأمثل، وعيشها بكل تفاصيل جمالها، والاستفادة منها بالحد الأقصى، فما عمرنا كما قال أمير الشعراء إلا دقائق وثوان.
ورد عن رسول الله (ص):”الدنيا ساعة، فاجعلوها طاعة” كما ورد في الروايات :”اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الأخوان الثقات، وساعة تخلون فيها للذتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث”.
من أهم العوامل التي تساعدنا على تجنب إهدار الوقت، هو وضوح الهدف، إذ لا بد لنا من أن نرسم أهدافا واضحة المعالم، وأن نخطط لها جيدا بوضع إطار زمني مناسب لتحقيقها.
قد تكون أهدافنا طويلة الأجل كحفظ القرآن الكريم، أوقصيرة الأجل كتعلم هواية جديدة وممارستها.
قد تكون أهدافا اقتصادية كالبدء في مشروع تجاري، أو اجتماعية كاكتساب صداقات جديدة، أو عائلية كالسفر مع العائلة في رحلات استكشافية، لكن
المهم في الموضوع أن تكون أهدافنا فيما يرضي الله تعالى، وأن تكون واضحة في أذهاننا حتى يكون التخطيط لها ميسرا والإطار الزمني لتحقيقها ملائما.
يعاني الكثير منا من مشكلة التسويف، وهنا قد تكون أهدافنا واضحة، إلا أننا لا نلتزم بإطار زمني معين لإنجازها، ونقوم بتأجيلها إلى الغد وما بعده، دون أن نصل فعلا إلى وقت تنفيذها، اتكالا منا على سعة الوقت ووفرته. وهنا جائت جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، لتعلمنا أننا بالفعل لا نمتلك الوقت الذي كنا نعتقد أننا نمتلكه.
المبادرة إلى الإنجاز ، هو الدرس الذي تعلمناه من هذه الجائحة، التي قلبت كل خططنا رأسا على عقب، وأجبرتنا على إعادة النظر إلى أهدافنا وإيجاد الطرق البديلة لتحقيقها.
نعم إن الحياة متقلبة، وعلينا أن نتعايش معها، ونتعلم منها استغلال أوقاتنا في كل الظروف، وقد تفرض كورونا علينا استغلال وقتنا بالبقاء في البيت بطرق مختلفة، وبإعداد خطط وأهداف جديدة، وممارسة هوايات أخرى، حتى نخرج من هذه الفترة وقد استثمرنا وقتنا بأفضل ما يكون، ولا يكون هذا الوقت الطويل ضائعا أو مستقطعا، وإنما وقتا فرض علينا فيه تحديات معينة، ونخرج نحن منه إن شاء الله بنتائج مميزة ومكتسبات مطورة، وإبداعات جديدة.
من الجميل أيضا أن ندرج التأمل ضمن برنامجنا اليومي، فالتأمل بالإضافة إلى كونه وسيلة فاعلة للحد من التوتر وزيادة المشاعر الإيجابية، فإنه من أجل العبادات التي تثمر عن محبة الله تعالى.
خلق الله تعالى لنا كونا جميلا، رحبا، فيه من آيات الجمال والإبداع الإلهي، فيه الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيه البحار والمحيطات وما تحويه من عجائب الخلق، فيه الغابات والأنهار، فيه الأشجار والأثمار.
لننظر ونتفكر ونفعل عقولنا في عظمة هذا الخلق، وليكن وقتنا في هذه الدنيا متصلا بالذات الإلهية في كل تفاصيل حياتنا.
كنت أتابع برنامجا شيقا للإعلامية المشهورة أوبرا وينفري، وفي إحدى مقابلاتها سألت ضيفها : هل أنت كثير الصلاة ؟، فأجابها : إن الناس يتعاملون مع الحياة على أساس أنها برنامج من الأنشطة المتتالية تتخللها أوقات الصلاة، لكن ماذا لو عكسنا ذلك؟ ماذا لو تعاملنا مع الحياة على أساس أننا نعيش في صلاة، طوال الوقت، تتخللها بعض الأنشطة الحياتية؟، فما الصلاة إلا اتصال بالله تعالى. ثم قال : إننا نظن أن غايتنا في الحياة هي الوصول إلى الشهادة الجامعية أو الوظيفة التي نتطلع إليها، سواء أطباء أو مهندسين الخ، لكن في الحقيقة الغاية الأسمى لوجودنا هي أن يكون الإنسان مظهرا لتجلي صفات الله تعالى، إن الله تعالى رحمن رحيم، فهلا جسدنا هذه الصفات في تعاملاتنا اليومية مع الناس، إن الله تعالى لطيف ودود فهلا عشنا اللطف ونشرنا الحب والمودة في الإنسانية، إن الله جميل يحب الجمال فهلا تأملنا.