Image Not Found

التطبيقات الإلكترونية وقضية توصيل الطلبيات

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان

[email protected]

لا تبقى المجتمعات على أحوالها في عملية البناء والإنتاج، بل نجد هناك تغيرا مستمرا في هذه العملية من حيث أساليبها في التعامل مع مجالات التجارة والخدمات وفرص العمل المتاحة للراغبين أيضا. ما أود طرحه هنا يتعلق بمبادرة معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل مؤخرا بأن تبقى فرص عمل توصيل الطلبيات من المطاعم والمحلات والمراكز التجارية لبعض الشباب العماني الباحث عن عمل ليس كوظيفة بدوام كامل، وإنما كعمل مؤقت يمكن لأي شخص عماني من الجنسين امتهانه لكسب المزيد من المال في وقت فراغه، خاصة الشباب الذي يمتلك مهارة قيادة السيارة، وتشغيل الأجهزة الإلكترونية الحديثة للوصول إلى العناوين المبتغاة للزبائن.

وهذه دعوة صريحة للعمانيين بأن يكون لهم حضور في هذه المهنة بدلا من الأجانب، بجانب ضرورة وجودهم في عشرات من المهن الأخرى التي تكسب أموالا جيدة تنتزعها أيدي الوافدين. وعلينا أن نعرف بأن مهنة التوصيل لا ترتبط بعمر الشخص ومستوى تعلمّه وثقافته، ولكن في مجتمعاتنا الخليجية ومنها المجتمع العماني، فإنها يمكن أن تناسب أصحاب الشهادات الدنيا من المدارس ومن لم يكملوا التعليم وليس الجامعيين بعد تخرجهم من اختصاصات مهمة. إلا أن كل من يرغب في قضاء وقت فراغه في عمل منتج ومجز ماديا كطلبة الكليات والجامعات فهذا متاح لهم أيضا مثلما نجد ذلك في بقية دول العالم.
الطموح الذي ننظر إليه مستقبلا بأن نرى الشباب العماني في مواقع عمل مهمة مرموقة ومؤسسات راقية تتناسب وقدراتهم العلمية والسنوات الدراسية التي يمضونها في الجامعات والكليات من أجل خدمة وطنهم، ولكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية تلعب دوراً في تشغيل الباحثين عن العمل في جميع دول العالم، الأمر الذي يتطلب إحلال العمانيين في المؤسسات الحكومية والخاصة بدلاً من الوافدين. واليوم هناك البعض من المؤسسات العمانية تقدّم دروسا تدريبية لبعض المهارات الرقمية لرواد الأعمال العمانيين الذين يودون تشغيل مؤسساتهم أو زيادة فهمهم لإنشاء التطبيقات الإلكترونية التي تساعدهم في زيادة دخلهم الشهري.

الشباب العماني الراغب من جانبه يهتم هو الآخر بخوض أية تجربة جديدة في العمل المتاح، خاصة إذا تعلق بالتحول الرقمي والعمل بالتطبيقات الإلكترونية، ويعمل على استغلال مهاراته للدخول في أي مشروع يمكن أن يكسبه المال الحلال سواء في مجال الإنتاج أو الخدمات، بما فيها توصيل الطلبات، حيث إن هذه العملية تكسب مالاً وفيراً كلما حرص الشخص على التقيد بها وإنجازها، في وقت معين وبسرعة وجودة في التوصيل. واليوم لدينا العديد من التطبيقات التي أنشأها الشباب العماني لخدمة طلبات الناس وتسهيل أعمالهم واستغلال أوقاتهم، ولكن للأسف الشديد فإن معظم من يقوم بخدمات توصيل تلك الطلبيات أشخاص وافدون يعملون حتى منتصف الليل ويكسبون بذلك دخلاً جيداً. وهذا ما حدا بوزير النقل إلى طرحه في المجتمع بحيث يكون المستفيد الأول والأخير من هذه المبالغ التي تعطى للوافدين هم الشباب العماني الباحث عن عمل لفترة معينة لحين استلامه وظيفة الدوام الكامل.
طلبة الجامعات والكليات يمكن لهم أثناء دراستهم بأن يكونوا جزءا من هذه المنظومة لفترة معينة. وهنا استغلّ هذه المناسبة لأوجه الجامعات والكليات من خلال الاتحادات الطلابية وجمعيات المرأة العمانية بتسجيل أسماء الراغبين والراغبات في عمل مؤقت ليس فقط في مجال توصيل الطلبيات، وإنما في أي مجال متاح للعمل الجزئي، وبحيث يتم تزويد تلك الأسماء للجهات المعنية التي تقوم بدورها بالتنسيق مع المؤسسات والمنصات الإلكترونية التي تعمل في هذه الخدمات. وبذلك يمكن للشباب المتفرغين بالعمل في تلك الأعمال خلال ساعات معينة بأن يكسبوا دخلاً جديداً يساعدهم في تسهيل أعمالهم الحياتية ومصاريفهم اليومية.

هناك اليوم عمانيون كونّوا مؤسسات من بنات أفكارهم أثناء دراستهم الجامعية في كيفية إيجاد مصدر دخل إضافي لهم، وذلك من خلال العمل في توصيل طلبات الناس وأغراضهم من مكان إلى آخر. فإحدى المؤسسات العمانية لديها اليوم أكثر من 2500 شخص (كابتن) في المجتمع العماني من العمانيين والأجانب، ويعملون في توصيل الطلبات لجميع الشرائح في المجتمع العماني في مختلف الأوقات، ويتعاملون مع المؤسسات التجارية التي تعمل في مجالات البيع والشراء لتوصيل الكتب والأوراق والملابس والأكسسوارات والأكل والورود والهدايا إلى أصحابها. فيما هناك مؤسسات تتعامل مع المطاعم في توصيل طلباتها إلى زبائنها، وإحدى هذه المؤسسات تتعامل مع 250 مطعما في مسقط فقط، حيث تقوم هذه المؤسسة بعرض ما لدى المطاعم من الأكلات من مختلف الأذواق، وتوصيل هذه الطلبات من خلال سواق عمانيين ووافدين.
ومع استمرار جائحة كورونا فإن طلبيات الزبائن في تصاعد يومي، حيث تشير إحدى الدراسات قبل فترة كورونا وجود ما بين 14 إلى 15 ألف طلب للأكل من المطاعم في مسقط. وباعتبار أن سعر الوجبة في المتوسط يبلغ 7 ريالات عمانية وبواقع 365 يوما، فإن قيمة طلبات الأكل من المطاعم تصل إلى حدود 100 إلى 120 مليون ريال عماني. هذا ما أوضحه أحد الشباب العماني في جلسة خاصة. وهذه المهنة تحتاج أيضا إلى وضع أسس وتشريعات. وإن وجود العمانيين في موضوع توصيل الطلبيات، خاصة من الباحثين عن العمل يحتاجون إلى من يحفظهم من تدخلات أو إساءات الآخرين وتأمينهم من أية مخاطر أثناء تنقلاتهم، فيما تحتاج هذه المهنة أيضا إلى التعامل بسرية مع الزبائن وأماكن تواجدهم وأسرار بيوتهم.

قرار “التعمين” لوظائف التوصيل عبر الإنترنت يأتي بسبب الارتفاع الكبير في منصات التجارة الإلكترونية في البلاد خلال الفترة الماضية. فجائحة كورونا توجه الناس والمستهلكين إلى التعامل بأساليب جديدة في عمليات الشراء والبيع. ووفقا لبيانات وزارة النقل فإن حوالي 15 ألف طلب يتم تقديمها من خلال بعض منصات التجارة الإلكترونية يوميا، ويذهب معظم دخل هذه التوصيلات لجيوب القوى العاملة الوافدة التي تمارس بعضها التجارة المستترة، وبعضها تعمل بصفة غير قانونية بجانب تشغيل أبنائهم سواء في هذا العمل أو في توصيل الناس بالسيارات الخاصة. ومع استمرار هذه الجائحة فإن صناعة التجارة الإلكترونية تشهد خطوات متقدمة، ولكن معظم تلك المنصات المحلية تستخدم المغتربين في عملية التوصيل، الأمر الذي يعطي الفرصة للعمانيين بإحلالهم محل الوافدين، خاصة إذا كانوا من الطلبة والباحثين عن عمل جزئي. فبعض البيانات تشير إلى أن هذه المهنة يمكن أن توفر للعامل بها حوالي 1000 ريال عماني شهريا من واقع عمله في توصيل أكثر من 30 طلبا يومياً. وهذه فرصة للطلبة والراغبين بالاستمرار في هذا العمل لحين تمسكهم بعمل دوام كامل لاحقا. فهذه الجائحة (كوفيد 19) تعزز من صناعة التجارة الإلكترونية من جهة، وتعطي الفرصة للتسوق عبر الإنترنت والتوصيل السهل للزبائن من جهة أخرى. كما أن هذه التجارة يتوقع لها بأن تستمر بصورة أكبر في المستقبل القريب إن شاء الله. ومع اعتزام وزارة النقل توفير التدريب اللازم للعمانيين الراغبين في الانضمام إلى هذه المهن، فإن الأمور ستكون على قدر كبير من الوضوح للجميع، وستقوم الجهات المعنية بفرض شروطها على منصات التجارة الإلكترونية للتعامل في مسائل التوصيل مع العمانيين فقط.