مرتضى بن حسن بن علي – الشبيبة
أي إصلاح اقتصادي وبصرف النظر عن مضمونه،يتطلبه إعادة النظر في البنية المؤسسية لإدارة الموارد المالية للدولة، والاقتصاد العماني يواجه حاليا عددا من التحديات الرئيسية التي تراكمت عبر السنين، ويتطلب من الاقتصاديين إقتراح أساليب لعلاجه، وإقتراح ما يرونه من خطط وإجراءات،ولا سيما في ظل غياب أية جهة مسؤولة عن الاقتصاد.
تقوم الدولة بنشاط-يضيق او يتسع- وفقا لما يتوافر لها من موارد مالية، وعمان،تعتمد بشكل كبير على الايرادات النفطية.والنفط كسلعة، لا يمكن الاعتماد على أسعاره،كما هو كمصدر طاقة، يفقد أهميته، بسبب بروز مصادر طاقة جديدة ومتجددة ونظيفة تنافس النفط وتحاول إزاحته من عرشه، وهو كنوع من الريع يؤدي الى قيام مجتمعات خاملة إقتصاديا،ولا يقدر ان يوفر فرص عمل مجزية الا في مجاله. وتفتقد عمان، في الوقت الحاضر، إلى مصادر دخل اخرى ذات قيمة. الحكومة تحصل على أيرادات النفط والغاز مباشرة،ومعظم الانشطة تعتمد بشكل او أخر على إيراداتهما.
هيكل الايرادات إرتفع نتيجة الارتفاع في أسعار النفط وكمياته، وليس لسبب أخر. كانت عمان تشهد بين فترة واُخرى عجزا في موازنتها، ولكنه لا يدوم طويلا . ومنذ خريف عام ٢٠١٤ كان الانخفاض كبيرا،ولمدة طويلة وأدّى إلى إرتفاع العجز ليبلغ ٢٠،٤ مليار ريال في عام ٢٠١٩، وعلى الارجح ان يتجاوز العجز الفعلي في عام ٢٠٢٠ عن العجز المقدر، بسبب تداعيات جائحة كورونا وأنخفاض كبير أخر في أسعار النفط. ومن ناحية اخرى فأن فاتورة الرواتب لموظفي الدولة فقط وصلت الى ٦،١ مليار ريال، وهي تقترب من الإيرادات النفطية الحالية.
كل الخطط الخمسية ابتداءً من الخطة ألاولى “١٩٧٦-١٩٨٠”، نادت بتنويع مصادر الدخل،ولكنها أخفقت في ذلك.ويتطلب الامر الان، بذل جهود مضاعفة لتنويع الاقتصاد.بعض أوجه تنويع الاقتصاد يمكن تلخيصها بالاتي:
١-إستخراج مواد عديدة من النفط والغاز وتحويلها إلى مواد ذات قيمة مضافة، مثل انواع الغازات المختلفة ذات الاستعمالات المتعددة، ووقود السيارات و الطائرات وانواع الزيوت المختلفة والميثانول، والمستلزمات الطبية والاسمدة والبلاستيك والدهانات، وصناعة الملابس والادوية والعطور والالات الرياضية والمذيبات والمبيدات الحشرية وألياف النسيج، الخ… وتصدير الفائض الى الخارج. جذب الاستثمارات لتشييد صناعات تعتمد على النفط والغاز، أصبحت مهمة أيضا.
٢-الاستثمار الأمثل للكميات الهائلة من الأسماك المتنوعة وزراعتها،وإستخراج الزيوت النباتية والسماد منها، وتعليبها وتصديرها. والصناعة مغلة للدخول ومُوفرة لفرص عمل كثيرة.
٣-إيجاد صناعة سياحية كبيرة عن طريق أستثمار الصحاري والرمال والجبال وألكهوف والسواحل والجزر والقرى التاريخية والشواطئ البحرية الطويلة وموقع عمان. والسياحة تلعب دورا كبيرا للحصول على مدخولات كبيرة، كما تساهم في تحسين ميزان المدفوعات وتحويل الخدمات المحلية الى خدمات قابلة للتصدير. وحسب منظمة السياحة العالمية، فان الصناعة السياحية، في البلدان المتقدمة سياحيا، توفر نحو مائة الف فرصة عمل، مباشرة وغير مباشرة، لكل مليون سائح.فإذا إفترضنا ان كل مليون سائح لعمان، سيوفرون ٢٥ الف فرصة عمل فقط،وليست ١٠٠ الف، فذلك يعني ان عشر مليون سائح يأتون الى عمان ، سيوفرون ٢٥٠ الف فرصة عمل، وفي جميع انحاء عمان. ومع الاسف، ما زالت جهودنا في مرحلة الحضانة. لا نمتلك الإرادة الكافية لتوفير الخدمات السياحية التي ينتظرها السائح.
٤-إستثمار الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.والشمس تزود الارض بنحو ٢٥ الف ضعف ما تحتاجها الارض، وتتلقى الارض خلال ساعات قليلة، طاقة تفوق ما تحتاجها في سنة كاملة، وفي كل أربع ثواني ونصف، فان الشمس تزود الارض بطاقة اكثر مما تحتاجها ليوم كامل. وهي طاقة نظيفة لا تسبب اي تلوث، كما انها متجددة لا تنضب، وتكلفتها في إنخفاض مستمر.
٥- إستعمال طرق التقنية الحيوية لزرع منتوجات زراعية عديدة وتصدير السلع ذات القيمة العالية.
٦-إستثمار الطاقة المتولدة من الهايدروجين الموجود في ذرات الماء H2O، عن طريق فصل الاوكسجين عن الهيدروجين.وتمتلك عمان مسطحات مائية واسعة.
٧- عمان، تعتبر واحدة من دول العالم القديم، التي قامت بالتنقيب بحثا عن الثروات المعدنية، ومن ارضها كان يتم تصدير النحاس ويستعمل لصنع السيوف في ممالك بلاد ما بين النهرين والهند . ومن المرجح ان عمان تمتلك كميات تجارية كبيرة من المعادن المختلفة والمواد التعدينية الاخرى، مثل الكروم والمنغنيز والرصاص والفضة والجبس وخام الحجر والمرمر وتحتاج الى تكثيف عمليات
.التنقيب خلال المدة القادمة
كما من المحتمل إكتشاف خامات معدنية أخرى. كل هذا المواد، إذا ما تم تصنيعها،واضافة قيمة مضافة لها،بدلا من تصديرها كمادة خام، فانها سوف تساعد على تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات.
الاقتصاديون يتفقون أن أي بلد يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، فإنه يخاطر بوقوعه في فخ “الريع”،والى ظهور مجتمع إستهلاكي قليل الانتاج، ويتم التضحية بالزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والتصدير، والتعليم والتدريب وتطوير القوى البشرية المؤهلة،ويتضخم الجهاز الاداري للدولة ويكون القطاع الخاص منتجا للخدمات غير القادرة على التصدير، وتشكل الايدي العاملة المنخرطة في الإنتاج نسبة ضئيلة من القوى القادرة على العمل،ويؤدي كل ذلك الى ما يسمى اصطلاحا بالمرض الهولندي، والذي يشير الى ارتفاع قيمة العملة المحلية بسبب تدفق العوائد المالية الكبيرة من الريع،والتركيز على الموارد الطبيعية واستنزافها، على حساب حقوق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية .والمجتمع الاستهلاكي، يقوم بإنفاق الإيرادات من ثرواته الطبيعية على استهلاك السلع والخدمات المستوردة وبشكل يؤدي في نهاية المطاف الى إرتفاع نسب البطالة بين أبناء البلد.الجانب التشغيلي يستنزف ما يقارب ٨٠٪ احيانا،من القيمة الكلية للموازنة. وتغيب عمليا أي خطة تنموية وتطويرية نوعية،او آلية عمل للنهوض بالواقع الاقتصادي.ومع غياب التخطيط الحكومي لخلق فرص عمل للعاطلين بما فيهم الخريجون من الجامعات والمعاهد، بسبب ضعف القطاع الخاص وهيمنة التوجه الاقتصادي الريعي، تتم التعيينات في الاجهزة الحكومية، كحل ترقيعي لمشكلة الباحثين عن عمل،ويغيب القطاع الخاص المنتج ويتم الاعتماد على الأموال السهلة التي توفرها الموارد الطبيعية التي تستغني عن باقي القطاعات الإنتاجية وإهمالها، وتخشى الحكومة منها لان تطور أنشطتها، يصاحبها توجيه أصابع النقد للخطط الحكومية وسياساتها الداخلية، ويتم تقديم أشياء عديدة مجانا كما لا يتم فرض الضريبة على الدخل بصورة تصاعدية، لأن دفع المواطن للضرائب، تخوله ان يعرف كيفية الصرف والمطالبة بالخدمات وتوفير فرص عمل حقيقية تمكنه من دفع الالتزامات المالية المفروضة عليه.
التجارب العالمية الناجحة التي خاضتها العديد من الدول مثل النرويج وماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة أثبتت ان النمو الاقتصادي المستدام، لا يكون الا من خلال الابتعاد عن الأموال السهلة واعتبار إيرادات الريع ضمان للأجيال القادمة من خلال تأسيس صندوق سيادي يوضع فيه الفائض من هذه الأموال بعد استقطاع جزء يسير منه، اما باقي الالتزامات المالية الحكومية فتتم من خلال تشغيل المصانع والمعامل وزراعة الأراضي والاهتمام بباقي القطاعات وضرائب على الدخل. وكلها تعتبر العماد الحقيقي لأي اقتصاد حر وسليم ومنتج.