حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
انشغل رجال الأعمال العمانيون في الآونة الأخيرة بالحديث عن تداعيات القرار الصادر عن شرطة عمان السلطانية فيما يتعلق بإلغاء المادة ١١ من قانون إقامة الأجانب والأضرار والسلبيات المترتبة على القطاع الخاص من إيجابياته.
فهناك من أبدى عدم رضاه عن هذا القرار وهم الأكثرية، ومن رأى إيجابيات في هذا التغيير وهم الأقلية، وذلك من واقع ما تم طرحه من آراء وأفكار تجاه هذا الموضوع سواء من قبل غرفة تجارة وصناعة عمان أو من الكتاب في الصحافة اليومية أو في وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا ما تطرقنا إلى رأي الغرفة وهي المؤسسة التي تحمي مصالح التجار والمؤسسات والشركات، نجد أن بنود البيان الذي نشرته فور صدور هذا القرار غير مرحب بها، متناولًا العديد من السلبيات والأضرار التي يمكن أن تواجهها مؤسسات القطاع الخاص من جراء العمل بمثل هذا القرار. فبيان الغرفة لم يبد ارتياحا من ذلك، باعتبار أن هذه المؤسسة تمثّل مصالح معظم الشركات والمؤسسات المنضوية تحت عضويتها، والمسجلة لديها في مختلف المهن والتخصصات، الأمر الذي يتطلب منها حماية مصالح تلك الفئات.
ويتفق معظم التجار مع بيان الغرفة من حيث الأضرار التي ستنتج عن تطبيق هذا القرار، حيث يرون أنه كان من المفترض أن تستمع الجهات المعنية لآراء ووجهات نظر المسؤولين في الغرفة، باعتبار أن هذا الموضوع طرح في عام 2014 وشمل آراء مجلسي إدارة الغرفتين السابقة والحالية، حيث اعترض كلاهما على السماح بتنقل القوى العاملة الوافدة من مؤسسة إلى أخرى بالكيفية التي نص عليها القرار الأخير، مؤكدين أنه كان يجب على الجهات التنفيذية أخذ ملاحظات الغرفة في الاعتبار، لأنها ناقشت هذا الموضوع مع مختلف اللجان والمجالس التي تهم التجار، وأخذت برأي الأغلبية التي كانت ترى الإبقاء على هذه المادة من أجل حماية الاقتصاد العماني.
ففي الواقع إن القرار الأخير للمادة 11 من قانون إقامة الأجانب – كما أفادت الغرفة عنه – يحمل العديد من الأضرار للقطاع الخاص والتي نوردها هنا دون زيادة أو نقصان، حيث ترى الغرفة أن ذلك سوف يعمل على تباطؤ معدلات الإنتاجية لدى مؤسسات القطاع الخاص بسبب تسرب القوى العاملة الوافدة الماهرة والمدربة إلى المؤسسات المنافسة، وسوف يعمل على تنشيط التجارة المستترة بواسطة القوى العاملة المسربة، بالإضافة إلى ذلك سيعمل على إرباك التوازن والاستقرار الاقتصادي في بيئة الأعمال، ويعمل على إضعاف الشركات المحلية من خلال اتجاه العاملين الأجانب إلى إنشاء شركاتهم الخاصة، خاصة في ظل قانون استثمار رأس المال الأجنبي الجديد. كما أن هذا القرار سيعمل أيضا على تسريب المعلومات السرية للمؤسسات إلى جهات أخرى من قبل العامل، وسوف يزيد الضغط على الجهاز القضائي من خلال رفع حجم القضايا والخلافات بين العامل وصاحب العمل، بالإضافة إلى ارتفاع أجور القوى العاملة الأجنبية، الأمر الذي يرفع من حجم التحويلات الخارجية، وأخيرًا سيكون له تأثير على التركيبة السكانية في مختلف المحافظات والولايات حيث ترغب معظم القوى العاملة الوافدة العمل في مراكز المدن ذات النشاط الاقتصادي الكبير.
أما الفريق الذي يرى أن هناك مصلحة في العمل بهذا القرار فيرى أن سوق العمل العماني سيصبح أكثر جاذبية للكفاءات والخبرات، وأنه في نهاية المطاف سينهي حالة الجمود التي تعاني منها السوق من خلال بقاء الوافدين لسنوات طويلة في نفس المؤسسة أو الشركة، كما يرون أن ذلك يمكن أن ينعكس إيجابيا على الاقتصاد العماني من خلال انخفاض أجور القوى العاملة الوافدة من خلال المنافسة، كما يمكن أن يعود هذا القانون بالإيجابيات على المواطنين، حيث يرى البعض أن المستثمر ورائد العمل العماني يثق بصورة كبيرة في الوافد، ويفضله أحيانا على العماني، وحين يتخلى عن الوافد ببساطة من خلال التغيير الدوري سيدرك عندئذ أن العماني هو الباقي في المؤسسة، وأن ترك الوافد لا يحتاج إلى الكثير من التفكير.
هذا الفريق يعتقد أنه على مدى العقود الماضية تدنت إنتاجية القطاع الخاص بسبب إخفاقه في تنفيذ سياسات «التعمين» من جهة والاعتماد على القوى العاملة الوافدة المتدنية الأجر من جهة أخرى، بينما اليوم بعد تغيير القانون فإنه يمكن له أن يساهم في استقطاب كفاءات أفضل من القوى العاملة الوافدة للعمل في البلاد وزيادة الاستثمار الأجنبي وليس انخفاضه كما يعتقده البعض. كما أن ذلك يعطي الفرصة لمحاربة التجارة المستترة، والتوقف عن الاتجار بالتأشيرات، وإيجاد القوانين بعدم تسريب المعلومات المهمة للشركات القائمة.
ويرى البعض من هذا الفريق أنه من الضروري التفكير في جميع العاملين في المؤسسات العمانية، اعتقادا منهم أن بعض التجار لا يفكرون إلا بمصالحهم وأنفسهم حتى وإن كانت على حساب حرية الناس العاملين لديهم، في الوقت الذي يمكن أن يعمل القانون الجديد على تفعيل وتحريك الأسواق من حيث المنافسة والعروض للعاملين، مطالبين بإعطاء فترة للقانون الجديد لمعرفة إيجابياته وسلبياته في السوق العماني، كما يرى هذا الفريق أن فكرة استبدال القوى العاملة الوافدة أصبحت اليوم اكثر سهولة في ظل ضخامة المعروض منها في العالم، خصوصا من دول شبه القارة الهندية ومصر وتركيا وإيران وغيرها، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد منافسة كبيرة في سوق العمل وينتج عنه انخفاض في الأجور.
وعموما فإن العمل بهذا القرار يأتي في إطار تشريعات العمل العالمية بحيث تستطيع السلطنة الدخول في التنافسية من خلال إلغاء “شهادة عدم ممانعة” التي تشترط بموجبها موافقة صاحب الأعمال على انتقال الموظف الوافد إلى صاحب أعمال آخر بعد انتهاء العقد، خاصة أن السلطنة تعتبر الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تلغ شهادة عدم الممانعة إلى اليوم، الأمر الذي يتطلب إصلاح نظام الكفالة، والقضاء على أي استغلال أو سوء معاملة في العمل اليومي. فالمادة رقم (11) من قانون إقامة الأجانب تنص على أنه (يحظر منح تأشيرة دخول للعامل الأجنبي الذي سبق له العمل في السلطنة، وذلك لمدة سنتين من تاريخ آخر مغادرة، وللمفتش العام التجاوز عن هذه المدة في الأحوال التي تقتضيها المصلحة العامة).
وهناك رأي آخر من التجار الذين يرون إمكانية العمل في مثل هذا القانون، بحيث يتضمن أي عقد بينهم والطرف الآخر شروط التعاقد المطلوبة، خاصة تلك التي تتميز في المهن والتخصصات، على أن يتضمن أيضا بنود سداد التكاليف المترتبة على مجيء العامل الوافد، وما يتم الصرف عليه من تكاليف أخرى في حالة رغبته في الانتقال إلى مؤسسة أخرى من خلال تقديم استقالته قبل انتهاء مدة العمل المفترضة بينهما، خاصة إذا كان يعمل في مهنة مهمة أو حساسة، مع ضرورة العمل على تدريب وتأهيل العمانيين والخبرات المحلية للعمل في تلك المجالات مستقبلا، كما يجب تسجيل هذه العقود بوزارة القوى العاملة لقطع أي ذريعة للعامل الوافد قبل إنهاء فترة العقد المبرم بينهما. وهذا الأمر يدعو أيضا نقابات العمال في الشركات العمانية بأن تكون على علم بتلك الاتفاقيات، لأنه من المتوقع أن تزداد هذه القضايا إذا لم تضع لها الأسس المطلوبة من البداية.
وأخيرا نقول إن لكل قرار إيجابيات وسلبيات، ولكن إذا زادت السلبيات، عندئذ ستكون هناك آثار سلبية عديدة وضارة للاقتصاد المحلي.