د.وجيهه عبدالمجيد اللواتي – مسقط
لا يختلف اثنان أن جائحة كورونا حملت لنا العديد من الدروس والعبر لنتعلمها ،ومن الجميل أن الكثير منا حول الألم أملا ونظر إلى الجوانب والأبعاد الإيجابيه التي حملتها الجائحة ، فالجائحة قد رسمت أبعادها النفسية والعقلية على جميع البشر باختلاف مشاربهم ، واختلاف أعمارهم ، فحتى الأطفال تأثرت قلوبهم الغضة ولم يسلموا من تبعاتها النفسية.
لعل أبرز قيمتين تجلتا بوضوح علينا كمجتمع عماني في غمرة هذه الجائحة ،هما قيمتي الصبر ، والشكر.
كورونا تهذيب ،هكذا قالت لي إحدى قريباتي وهي تحكي لي تجربتها مع البقاء في البيت ، نعم لقد علمتنا هذه الجائحة أن نهذب أنفسنا بالصبر الجميل .
صبرنا على فقد الكثير من النعم التي كنا نتنعم بها سابقا بل ونعدها استحقاقا لنا ، صبرنا عن لقاء الأحبة من آبائنا وأبنائنا وأخوتنا وأهلنا ،صبرنا عن احتضان الحبيب ومصافحة الصديق ، صبرنا عن بهجة اجتماعنا في أعراسنا وأعيادنا ، وعن وجود من يواسينا في مناسبات العزاء لدينا ، صبرنا على البقاء في بيوتنا وعدم الاختلاط بالناس ، وكل يوم يصل إلى أسماعنا حصيلة الأعداد المتزايده من الإصابات والوفيات ، الكثير منا صبر على فقد الوظيفة القائمةن على الأجرة اليومية وفقد الأمان الوظيفي، فتجلت فينا قيمة الصبر التي تصقل النفوس وتهذبها وتسمو بها إلى مراحل التكامل الروحي والنفسي ، فالصبر ديدن الأنبياء والله يحب الصابرين ،وفيه يقول جل وعلا:” وبشر الصابرين،الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون”.
ومن هذا الوعد الإلهي العظيم ، ومن قيمة الصبر تجلت قيمة التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى ، فنحن ندرك أنه لا علاج لكوفيد_١٩ إلى الآن ، ولا يوجد لقاح أو مصل واق له ، ولسنا نملك إلا التباعد الإجتماعي وغسل اليدين، طريقتين نتجنب بهما المرض وملتزمون بهما إن شاء الله، إلا أننا في دواخل أنفسنا نؤمن إيمانا تاما ومطلقا بأن الله سبحانه وتعالى سيلطف بنا ويخرجنا من هذا البلاء ، وأن البشرية على مدار تاريخها الطويل قد مرت بابتلاءات وامتحانات ربانية ، فكان الإيمان بالله تعالى هو المخرج وهو الملاذ ، وان للإبتلاء حكمة ربانيه قد نجهلها لكننا ندرك تماما أن رب الخير لا يأتي إلا بالخير ، وأن الإبتلاء سيتمخض عن ولادة الخير المطلق ، وأن العسر معه يسر وأن الشمس تشرق بعد كل ليل، وهذا التسليم المطلق هو ثمرة الإيمان بالله تعالى.
القيمة الأخرى ، هي قيمة الشكر ، فبعد الجائحة أدركنا كم كنا غارقين في نعم الله تعالى دون أن نؤدي شكرها ، بل ونظنها استحقاقا لنا ، بل وأحيانا نتذمر منها .
نعمة لقاء العائلة ،احتضان الآباء والأمهات والأبناء والأخوة ، نعمة الأصدقاء القريبين ،نعمة الوظيفة ،نعمة المساجد وصلوات الجمعة والجماعة ، نعمة الصحة وبالأخص نعمة الهواء والأكسجين الذي نتنفسه طوال حياتنا ولم نلتفت الى قيمته إلا بعدما أدركنا كيف يمكن للمرض أن يسلبه منا.
كل تلك النعم أدركنا كم أننا فرطنا وتهاوننا في شكر الله تعالى عليها ،لكننا صرنا الأن أكثر وعيا وأكثر حضورا بكل النعم التي تحيط بنا ..فصرنا نتضرع له تعالى أن يعيد لنا تلك النعم وأن يديم علينا كل النعم التي تحيط بنا من مأكل ومشرب ومسكن وعائلة وأولاد ووطن حبيب يحتضننا .نعم الآن صرنا ندرك أن النعم تدوم بالشكر فأصبح وعينا وادراكنا أكثر شمولا وتوجها ..وأصبح الامتنان جزءا من وجودنا ، يقول تعالى ” ولأن شكرتم لأزيدنكم”
نعم ..جاءت كورونا بظلالها الشاحبه ،ضيفا ثقيلا علينا ، لكنها كانت صقلا لأنفسنا ، وتزكية وتهذيبا لأخلاقنا .. وزيادة لاتصالنا بالمولى جل وعلا
ندعو الله تعالى أن يرفع هذه الغمة عن سائر البشرية، وأن نكون بعدها بحال أفضل ، ووعي أكبر ..
لا يذهب الجميل إلا ليأتي الأجمل وغدا حتما أجمل🌹
ودمتم بود