حيدر اللواتي – لوسيل
تقدّم جائحة كورونا وأزمة النفط دروسا عديدة للعالم، خاصة لدول المنطقة التي ما زالت تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل والإيرادات. هذه الأزمات تدفعنا للإسراع في التنويع الاقتصادي، واستغلال ما لدينا من الموارد المتاحة، بجانب إبداء المزيد من الاهتمام بالكوادر الوطنية وتشغيلها، الأمر الذي سوف يساعد على تدوير الأموال السائلة في داخل الدول والإقلال من التحويلات المالية الشهرية الكبيرة للعمالة الوافدة.
هناك العديد من القطاعات الاقتصادية التي يمكن التركيز عليها في دول المجلس وتأسيسها بشكل فردي أو ثنائي أو جماعي، منها مشاريع الصناعات الدوائية التي تقدّر قيمة وارداتها السنوية بملايين الدولارات، والتي أثبتت هذه الأزمات ضرورة أن تكون متوفرة لدينا، وخاصة في مثل هذه الظروف. ونرى اليوم أننا مقصرون في الصناعات الدوائية، فيما صرفنا خلال العقود الماضية البلايين من الدولارات على مشاريع ومجالات تتسم بالرفاهية دون أن ننتبه إلى القضايا الملحة لمجتمعاتنا، ناهيك عن البلايين الأخرى التي صرفت من أجل إشعال وشن الحروب في المنطقة وخارجها.
ومنذ عقود ونحن ننادي بالتكامل الصناعي الخليجي من أجل أن تكون احتياجاتنا وسلعنا من الأغذية والأدوية والمعدات الطبية وغيرها متوفرة متى شئنا، ولكن تحقق شيء يسير من ذلك، وأصبحنا ننافس بعضنا بعضا في الكثير من المشاريع الصناعية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة بعضها سنويا.
في السنوات الماضية تمكنت دول مجلس التعاون من إنشاء مجلس للصحة فيما بينها، ولكن مهمة هذا المجلس تكمن في إيجاد نظام موحد لتسجيل الأدوية والتأكد من جودتها وفعاليتها، ودقة المعلومات المتعلّقة وبحيث يكون تصنيعها وفقاً للمواصفات والمعايير العالمية، بغض النظر عن السعر العالي لهذه الأدوية في أسواق دول المجلس، بينما المستفيدون من ذلك هم مجموعة من الشخصيات والتجار الوافدين الذين يتحكمون في أسواق هذه السلعة الضرورية.
نحن نقدر الجهد الذي يبذله المجلس في العمل باختصاصاته في هذا الشأن كتوحيد تسجيل الشركات الدوائية والأنظمة والإجراءات في عملية تسجيل تلك الشركات، وتوحيد تسعيرة الأدوية وزيادة التكامل والتنسيق بين الدول الأعضاء وتوحيد المعلومات والشروط عند تسجيل الأدوية. وجميع هذه القضايا مهمة للمواطن والمقيم بالمنطقة، لأن هذه المعلومات تساعد في التأكد من تطبيق أسس التصنيع الجيّد من قبل شركات الأدوية، ومتابعة آثارها الجانبية، بالإضافة إلى استخدام تلك الأدوية بشكل أمثل وبأقل التكاليف، وأن يكون الحصول عليها آمناً وفعّالاً وبأسعار مناسبة. ولكن ما ينقصنا في المنطقة هو أن تكون لدينا صناعات ومشاريع دوائية متكاملة وتكون موزعة بين دولنا، بحيث يمكن لنا التصرف بها في حال عوزنا لإنتاج المزيد منها في وقت الشدة والمرض. نحن نعلم بأن الدول الأوروبية وأمريكا تتجنب إعطاءنا المعرفة والخبرات اللازمة لصناعة الأدوية في المنطقة بسبب علمها بأن السماح بإيجاد القاعدة الصناعية الدوائية في المنطقة سوف يقلل من استيراد الأدوية من دولهم، والتي تباع أحيانا بأسعار خيالية، ناهيك عمّا يصرفه الخليجيون على قطاع العلاج سنويا في الخارج نتيجة لقلة المستشفيات المتخصصة بالمنطقة. اليوم علينا إعادة الاهتمام إلى هذه القضايا، وتعزيز التنسيق بين وزارات الصحة الخليجية للنظر فيها باعتبارها تهم جميع أبناء المنطقة سواء من المنتجات أو الأجهزة الطبية أوالأدوية أو كل ما يتعلق بصحة الإنسان عموما.