أنيس بن رضا بن قمر سلطان – شرق غرب
بالطبع، واحد أكبر من صفر بواحد، ولكن لو قمنا بمقارنة الرقم المجرد – صفر – فلا شك إن أي شيء أحسن “مليون مرة” من العدم. هذا هو الدرس الذي استلذ مدير سابق لي في تلقيني اياه في العمل. كان يقول لي دوما “لا تطمع في الربح، إذا رفعت سعرك غلبك المنافس الفطن. اكسر حاجز الحلم بالملايين واربح المعقول – فالسوق واع، واربح ولو ريال، فواحد أحسن من صفر!”
ويقال ان أعظم العقول اتجهت إلى دروس بسيطة في الطبيعة وطعّمت ما تراه بالخيال لتصل إلى اختراعات واكتشافات فذة. نسمع مثلا عن ربط سقوط التفاح بالجاذبية، وعن مراقبة الحشرات والطيور لابتكار الطائرات. هل من نموذج يساعدنا في فك رباط اقتصادنا بما يسقط عليه من آفة طبيعية تارة ومن سياسات دولية تختزل مصير أمم في اجتماع أو قرار تارة أخرى؟
لا، ليس الآن مجال الحديث عن تخفيف كاهل المصاريف الحكومية أو إدارة تكلفة المشاريع العظمى ولا حتى الفساد الإداري المتفشي في القارة. كل من هذه التراكمات بحاجة الى دراسة عقلانية ومعالجة شاملة تستهلك الوقت الكثير والصبر البصير – وهما عملتان لا نملكهما في وقت الأزمات. الوقت الآن أزمة غير مسبوقة ولكن معالمها معروفة. في لغة الاقتصاد نحن الآن في ركود اقتصادي عالمي. وهناك أدلة كثيرة على عمق وتوسع هذا الركود. التوقف الصناعي واضمحلال قيمته وإنتاج النفط في الاقتصاد العالمي أكبر الأدلة، ناهيك عن توجيه مشتريات الأمم بشكل شبه حصري الى المواد الغذائية والطبية. وبدأ البعض بالتأهب لموجة مجددة من الكورونا في منصف ٢٠٢١. وعندما يدلي الاقتصاديون بتخمينات انخفاض معدلات الناتج المحلي عالميا بنسبة ٥٪ يجب أن نعي أن هذه المعدلات تخفي طريقة احتساب الاحصاءات فقد يظن الجميع أنهم سيتخطون هذه النسبة البسيطة. ولكن المعدل ليس رقم فعلى. انخفاض بمقدار ٥٪ قد يكون معدل هذه الأرقام ( -١٥، -١٠، -٥، ٠، +٥). أي منها يمثل الانحسار في اقتصادنا؟ أي نسبة نستطيع أن نتجاوز؟
فإذا ما هاجَمنا غول ونال منا بطعنة لئيمة لا نملك الجلوس بحثا عن بدائل لتضميد الجرح أو التأمل في فلسفة العنف والبقاء. بل نواجه الغول بكل ما أُتينا من قوة وعِدد ونجهز عليه وإن أدى ذلك الى نزيف مؤقت – فالشغل الشاغل هو ابعاد شبح الهلاك. والحل “الطبيعي” هو رد فعل سريع وفعال. الحل في الركود هو الانفاق الحكومي وليس الاحجام أو ربط الحزام. الدول الاقتصادية الكبرى العشرون قامت بضخ ما لديها من مدخراتها وامكانيات للحفاظ على النشاط الاقتصادي. يجب أن تُدعم المصارف ماليا (لا مجال للحث والاقتراح هنا) حتى تقوم هي بدورها بحمل عبئ الاقتصاد المتباطئ وتغطية كل المؤسسات التجارية وحمايتها من الإفلاس – من كبيرها الذي يوظف كل مهاراته ومصادره لينجوا من هذه الأزمة، والذي يقوم أيضا بتوظيف حشود من المواطنين والضيوف الوافدين – إلى صغرى المؤسسات التي تحمي الاقتصاد والذي يؤدي استمرارها إلى دعم القوة الشرائية في البلاد.
الدول الاقتصادية الكبرى العشرون قامت بما ذكرته أعلاه باستثناء المملكة العربية السعودية، واتبعت منهاج الأخيرة هذه بعض من دول الخليج حيث انكمش الصرف الحكومي وذلك لترابط مقدرة هذه الدول على الصرف بالعوائد النفطية. وتتفاوت مقدرات دول الخليج اقتصاديا بشكل كبير. ومن المؤشرات الاقتصادية المهمة: أدنى سعر تعادلي للنفط، الديون الخارجية والداخلية كنسبة من الناتج المحلي، ومقدرة الاحتياطي العام على تغطية المتطلبات. وعند مقارنة هذه المؤشرات يتضح لنا أنه لا توجد سياسة اقتصادية موحدة فكل اقتصاد له خصائصه. ولكن لدينا آذان وبصيرة.
وهنا قد نسترجع حكمة “واحد أكبر من صفر”.
لقد بدأت عدة مبادرات بين القطاع العام والخاص وردد القطاع الخاص رؤيته وشدد على مصاعبه. ولعل أهم مقومات النجاح هي: الانفاق الحكومي أولاً، سيولة وتمويل (من مبدأ رواتب وإنتاج ومشتريات الشركات وإن كانت مثقلة ببعض الديون أفضل من صفر أو افلاس)، حرية أكثر في تسعير العمالة المحلية (من مبدأ راتب – ولو صغر – أحسن من صفر)، وتخفيف الفوائد والضرائب (من مبدأ يسِّر ولا تعسِّر).