د علي محمد سلطان
من المشاهد التي ألفه المحيط داخل ردهات سور اللواتية وأزقاته وميادينه هي تلك التي كان كل السور يتوشحه في ليلة النصف من شعبان وهو على غير عادة نسائه في أجواء عائلية متآلفة داخل أسواره المحيطة به فالوشاح الأسود يكاد يلازم النساء متى ما خرجن من الأخبية لما وراء حوائط السور ومحيطه.
ويتعدى الوشاح ساحاته إلى ما وراء جدر السور ولاتكاد الحواري تخلو من بانوراماته الحية المتحركة وهي لنسوة يخرجن من أخبيتهن في مشهد درامي عفوي لانكاد نفهم مغزاه ونحن في بواكير أعمارنا.
كانت النسوة ومن خلال بركات شهر شعبان يطمحن بمزيد من النفحات الإلهية وإلى مزيد من الدعاء من الجيران فيصمن في أيام شهر شعبان وكيما يضاعفن من فرص قبول الرضى وقضاء الحوائج كن يقصدن بيوتا معينة ويضعن الخمر على الوجوه حتى لايُعرفن فيؤذَين وعلى رسلهن تصل مجموعة فمجموعة من دون أن يتعارفن فلعل واحدة لها صديقة في مجموعة أخرى وهي لاتعرفها لأنها متجلببة ومغطاة من رأسها لأخمص قدميها.
كان أصحاب البيوت مدركون بأن المرأة المنقبة حينما تقصد بيتا من بيوتهم فهي لاتقصده لحاجة بل أنها تستشعر بأن شيئا متحصلا من صاحب البيت المقصود يحقق لها أمنية أو يفتح لها خيرا أو يقضي لها حاجة في نفسها لم تبدها إلا لله فيعطيها شيئا من كرمه وعادة من البيسات السود أو الآنات وهي بذلك تخرج من بيته مسرورة فرحة وهناك نساء ميسورات كن يقصدن بيوتا معينة لا لحاجة إلا أن يتحقق لهن مرادهن بما في نفوسهن.
كان بيت السيد العالم حسين أسد الله الموسوي وهو من نسل الرسول صلى الله عليه وآله يزدحم في مثل هذه الليلة فيعطي لهن البيسات أو بعض الحلوى ويدعو لهن وبذلك فإن المرأة التي تتحصل على هذه البيسات تكاد تطير من الغبطة فترجع لأهلها من دون أن يعلم بحالها أحد سوى الأقرباء ممن تعيش في كنفهم.
بقي هذا العرف متواصلا حتى العهد القريب وقد تسلل إلى أكثر من مكان واليوم قد اختفى فيما بقيت ذكرياته حية في دفاتر الزمن.