حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
الكثير من أفراد الشعب العربي يتحدث اليوم عن ضرورة العمل بالنزاهة والإخلاص وخاصة في المؤسسات الرسمية، في الوقت الذي يمر فيه العالم بأسوأ مرض يصيبه من جراء تفشي فيروس كورونا، الذي أدى إلى مكوث 70% من الإداريين والموظفين الحكوميين في منازلهم، في الوقت الذي يمارس 30% من هؤلاء الأشخاص عملهم من مؤسساتهم بكل كفاءة.
فعلى الصعيد الإداري، فإن هذه السياسة سوف تؤدي إلى تغيير منهج العمل في المؤسسات، وسوف تتغير معايير تقييم الأعمال الحكومية في المؤسسات ومتابعة أعمالها مستقبلا. ولحين حدوث ذلك رأينا أن الكثير من الحكومات العربية لم تتمكن خلال السنوات الماضية من تحقيق مراتب متقدمة في الأعمال، وبالتالي وقعت في الكثير من الأخطاء والفشل من خلال متابعة التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية الذي يتحدث عن الفساد العالمي.
بالرغم من أن بعض الدول العربية الخليجية حظيت بمرتبة جيدة في تقييم مؤشر الفساد العالمي الأخير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2019، إلا أن معظمها احتلت مراتب مؤخرة في هذا التقرير. فقد احتلت السلطنة المرتبة الرابعة بين الدول العربية ومرتبة الـ 56 عالميا في هذا المؤشر بحصولها على 52 درجة من 100 درجة لعام 2019، وهو المؤشر نفسه لعام 2018، فيما احتلت دولة الإمارات العربية المرتبة الأولى بين الدول العربية في مكافحة الفساد والمركز 21 عالميا بحصولها على 71 درجة، تلتها دولة قطر في المرتبة الثانية عربياً والـ 30 عالميا بحصولها على 62 درجة، فيما تقدمت السعودية لتحتل المرتبة الثالثة عربيا والـ51 عالميا بحصولها على 53 درجة، بينما احتلت الأردن المرتبة الخامسة عربيا والـ 60 عالميا بحصولها على 48 درجة.
أما الدول العربية التي احتلت مراكز ما بعد الـ 70 في الترتيب العالمي، فقد جاءت تونس في المرتبة السادسة عربيا والـ 74 عالميا بحصولها 43 درجة، تلتها البحرين في المركز الـ 77 عالميا بحصولها على 42 درجة، ثم المغرب في المرتبة الـ 80 بحصولها على 41 درجة، تلتها الكويت التي تراجعت إلى المرتبة الـ 85 عالميا وحصولها على 40 درجة.
هناك عدد من الدول العربية التي احتلت مراكز متأخرة ما بعد الـ 100 في الترتيب، ومعظمها جمهوريات ديمقراطية بحيث جاءت كل من الجزائر ومصر لتحتلان مرتبة الـ 106، تلتهما جيبوتي في المرتبة 126، ثم كل من لبنان وموريتانيا في المرتبة 137، بينما جاءت العراق في المرتبة 162 متأخرة عن جزر القمر التي احتلت المرتبة 153، تلتها اليمن في المرتبة 177 ثم سوريا في المرتبة 178 وجاءت الصومال في ذيل القائمة محتلة مركز الـ 180 الأخيرة في العالم. منظمة الشفافية الدولية أكدت في بياناتها الحديثة أن مؤشر الفساد في جميع دول العالم لا يختلف كثيرا عن السنوات الماضية، بالرغم من أن بعض الدول تمكنت من التقدّم في تلك المؤشرات التي تعتمدها المنظمة عند تقييمها وإعدادها للتقارير السنوية للفساد.
كما لم تتمكن تلك الدول من معالجة آفة الفساد المستشري في المؤسسات الرسمية وفي الشركات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني التي دخلت في هذا الإطار أحيانا بدلا من مكافحة الفساد. وهذا يبدو اليوم ظاهرا في قضية مرض كورونا الذي أدى إلى كثرة الوفيات في الدول الغربية وأمريكا بسبب عدم قدرة الأجهزة الإدارية والصحية من مواجهة الأعباء التي نتجت عن تفشي المرض، الأمر الذي يؤكد أن تلك الدول أيضا كانت تعاني من الفساد الباطن في أعمالها اليومية، بالرغم من أن بيانات المنظمة تشير إلى أن الدول الغربية هي من احتلت المراتب المتقدمة في التقييم السنوي، إذ تصدرت كل من الدنمارك ونيوزلندا قائمة الدول الأكثر محاربة للفساد في مؤسساتها بحصولهما على 87 درجة من 100 درجة، فيما جاءت في المركز الثالت فنلندا التي حصلت على 87 درجة.
رغم أن هذه المؤشرات تؤكد أن الدول الأوروبية كانت أكثر حرصا على محاربة الفساد في مؤسساتها، إلا أن تقييمها في المستقبل سيكون مغايرا نتيجة لسوء الإدارة في هذه المؤسسات الأمر الذي سيؤدي إلى اختلاف قيم نتائج تقارير المنظمة مستقبلاً. تقرير المنظمة لعام 2019 لا يطمئن الحكومات والشعوب في العالم وخاصة العربية والإفريقية منها، إذ ما زال الكثير منها تئن من غياب النزاهة السياسية في الأمور اليومية التي تهم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ممارسة البيروقراطية في الأعمال اليومية من ممارسة الرشى، الأمر الذي يشكّل تحديا لتلك الدول ومؤسساتها. فالمنطقة العربية بحاجة إلى العمل الشفاف والمحاكمات العادلة للفاسدين لتغيير واقع الحياة في المجتمعات من خلال تكثيف عمليات التدقيق والمراقبة وتعزيز المساءلة القانونية والشفافية في وسائل الإعلام.
إذا فهي بحاجة إلى بناء مؤسسات شفافة في عملية الإفصاح عن الفساد، ومحاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، ونشر تلك القضايا والأحكام في وسائل الإعلام المختلفة، بجانب ضرورة نشر الوعي بين المواطنين العرب من أجل الحفاظ على الأموال العامة، وعدم التلاعب في القوانين والأسس والتشريعات، وإجراء العمليات النظيفة في الانتخابات والمناسبات التي تهم الشعوب، بجانب البعد عن ممارسة البيروقراطية والقمع تجاه المطالبات الحقوقية لهم. ترى منظمة الشفافية الدولية أن مستويات الفساد ما زالت عالية في العديد من دول العالم، في الوقت الذي تتراجع فيه مساحة الديمقراطية في بعض الدول، بجانب معاناة بعض منظمات المجتمع المدني من الإجراءات التي تتخذ ضدها لممارسة أعمالها الرسمية.
إن تقارير منظمة الشفافية الدولية تستقي معلوماتها وتعتمدها من خلال تحليل بيانات 12 مؤسسة مستقلة متخصصة في تحليل وإدارة الحكم والمناخ الاقتصادي في دول الـعالم الـ 180، وذلك من خلال دراسة القوانين والأحكام والتشريعات، ومتابعة قضايا الرشاوي والفساد والأعمال التجارية والقوانين السارية لها، بجانب أعمال وأحوال مؤسسات المجتمع المدني ومدى تقدّمها وغيرها من الأمور المتعلقة بفساد السياسيين والأشخاص الذين يديرون المؤسسات الحكومية والخاصة. مما لا شك فيه فان أحد أسباب انتشار الفساد الإداري والمالي في بعض الدول العربية يعزى إلى الاختلالات السياسية وإلى الحروب الأهلية والطائفية، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب مزيد من الصراعات في المنطقة، وانتشار مزيد من الفساد على مختلف الأصعدة. في غضون الأعوام الثمانية الأخيرة لم تتمكن الكثير من دول العالم من تحسين مؤشراتها السنوية في مكافحة الفساد، حيث تأتي معظم الدول العربية الإفريقية في مقدمة الدول التي لم تتمكن من تحسين المؤشر العام لها.
أخيرا نقول: إن الدول الغربية التي تتقدم في مؤشر مكافحة الفساد سنويا، تلعب أدواراً سلبية تجاه بعض الدول العربية من خلال تشجيع بعض الأحزاب والشخصيات على الحصول على الأموال غير النظيفة مقابل حصولها على المناقصات والمصالح التجارية لشركاتها ومؤسساتها، وتمكينهم من السيطرة على أوجه الحكم والتحكّم في القوانين والتشريعات الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الفتن والقلاقل والاضطرابات اليومية في تلك الدول، وهذا ما نراه اليوم على الصعيد العربي. يأتي مرض كورونا كاختبار جديد لجميع دول العالم وخاصة الغربية منها، لمعرفة مدى صحة السياسات والتشريعات والأنظمة التي تعمل بها من أجل الرقي الإنسانية والبشرية التي أصبحت تعاني اليوم من هذه الآفة، كما تعاني من سياسات مسؤوليها. فهل العالم متوجه اليوم للقضاء على الفساد في مؤسساته كما يحاول جاهدا القضاء على فيروس كورونا؟