حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
يتجه العالم نحو استخدام التقنيات الحديثة في عمليات الابتكار والإبداع في مختلف المجالات والحقول لتحقيق مزيد من الإنجازات في المؤسسات التعليمية والاقتصادية والصحية والاجتماعية. وقد أضافت الأزمة العالمية لفيروس كورونا أهمية متزايدة لمشاريع الذكاء الاصطناعي وأدواته لإنجاز مزيد من الأعمال المكتبية والتعليمية من المنازل عبر الأجهزة التي تعمل في هذا الشأن. فعشرات الجامعات تعتمد اليوم على تقديم الدراسات والأبحاث والامتحانات عبر الأجهزة الذكية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وهناك دول ومؤسسات تقوم اليوم بتأسيس معاهد وكليات للإبداع والتوجه نحو الذكاء الاصطناعي في الأعمال نظرا لأهمية هذه القضايا والأفكار والمعلومات والأدوات في حياتنا العلمية والعملية. كما تعمل الدول على توفير فرص التطور العلمي للشباب وتشجيعهم على اكتساب المهارات المستقبلية في هذه المجالات، ودفعهم لاستخدام أحدث التقنيات الذكية المتاحة، وتنمية قدراتهم في الابتكار والإبداع والذكاء الاصطناعي، أي أنها تعمل على توفير جيل مؤهل من الكوادر للعمل في تلك المجالات بصورة جديدة، وتوفير بيئة مناسبة لأعمالهم ومبادراتهم لتنمية أعمال المجتمع وما يحتاج إليها الأفراد من خدمات، بجانب مساعدتهم في إيجاد الخبرات العلمية والعملية اللازمة لتحقيق المستوي الجيد من الأداء والكفاءة.
لقد كان هذا الموضوع محل شرح من قبل الدكتور عبد الله دار الأستاذ السابق بجامعة السلطان قابوس، والأستاذ الحالي بجامعة تورنتو بكندا في إحدى الجلسات التي شهدها مجلس الخنجي مؤخرا، حيث تناول الضيف موضوع الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية والأخلاق. لقد عمل الدكتور بجامعة السلطان قابوس لمدة 20 عاما في المجالات العلمية قبل أن ينتقل إلى كندا مرة أخرى، مشيرا إلى أن الذكاء فطرة إنسانية طبيعية يدير بها الإنسان حياته اليومية ويحل من خلالها مشاكله، في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو الذكاء الاصطناعي أيضا. والمعروف بهذا الذكاء انه يعتمد على تقينات الآلة الحديثة والحاسوب، والأنظمة المرتبطة بهذا القطاع الذي شهد تضخما في أعماله خلال العقد الفائت من الزمن نتيجة لارتباط الذكاء الاصطناعي بالوسائل الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصالات الذكية وبرامجها. فأنظمة الذكاء الاصطناعي تقوم اليوم بوظائف الذكاء البشري مثل الفهم والتعلم والبحث وحل المشكلات، وقد حدث تضخم حقيقي لهذه الأنظمة في السنوات الماضية، وأصبحت الآن منتشرة في كل مكان في العديد من مجالات المجتمع الحديث. وهذه الأنظمة ليست مألوفة بالنسبة لمعظم الناس خاصة في الدول الفقيرة، على الرغم من أن الكثير منهم يستخدمون برامجها يوميا من خلال عمليات البحث من المواقع المعروفة المتاحة، لكن معظمهم لا يفهمون ماهية هذه التقنيات وما وراءها.
فأنظمة الذكاء الاصطناعي تنتشر بسرعة في مجال الرعاية الصحية. وهناك العديد من الشركات الناشئة التي يتم تأسيسها لمعالجة مختلف تلك الجوانب، حيث تقوم تلك الأنظمة بتحويلها إلى التنبؤ والوقاية والتشخيص والإدارة والتكهن، في الوقت الذي يتم فيه تجميع البيانات التي يمكن استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على أداء وقوة ودقة أكبر. ومع القوة والانتشار السريع لهذه النظم والتقنيات ذات الصلة، فقد حدثت قضايا أخلاقية خطيرة في المجتمعات يجب فهمها ومعالجتها بسرعة، حيث يتم جمع هذه القضايا من خلال الكميات الهائلة من البيانات وإدخالها في أنظمة الذكاء الاصطناعي للتدريب على مهام محددة. وعادة ما يتم الاحتفاظ بمعظم هذه البيانات من قبل الشركات الكبيرة مثل جوجل، وأمازون، والفيس بوك، ومايكروسوفت، وايبل وغيرها. وعادةً نجد أن تلك الشركات وغيرها تكون معتمة وغير شفافة في التصرف في هذه المعلومات، باعتبار أن الأنظمة التنظيمية لم تتطور بما يكفي لمواكبة تلك التقنيات، الأمر الذي يؤدي إلى تركز السلطة في أيدي بعض الشركات الكبيرة والغنية التي لا ترى بالضرورة أن عليها واجبات تجاه أفراد المجتمع الذين أرسلوا تلك البيانات عن قصد أو بغير علم.
وباستعراض العناصر المهمة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها، لا سيما في مجال الرعاية الصحية، هناك اليوم بعض المخاوف الاجتماعية والأخلاقية بهذا الصدد، بما في ذلك مخاوف بعض الخبراء من أن منظمات معينة في العالم قد تدمّر المجتمعات والدول، الأمر الذي يتطلب اتباع أفضل السبل لاستخدام هذه الأنظمة القوية، وتجنب الأضرار المحتملة، وجعلها تعمل لصالح البشرية. فأنظمة الذكاء الاصطناعي تساعد في عمليات اتخاذ القرار في بعض القضايا منها الأمور المتعلقة بالجزاءات، وفي عمليات التوظيف من خلال معرفة المعلومات عن الأشخاص المتقدمين للعمل، وفي عمليات التعليم والبرامج التعليمية عن بعد. كما تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع والتسليح والصحة البشرية لمعرفة معاناة البشر والمرضى وقضاياهم والحصول على الأجوبة، بحيث يتمكن الناس والمهتمون من إعادة كتابة تلك المعلومات واستخدامها، والاستفادة منها، والعمل على كيفية مراقبة العمليات والالتزام بالأمور. واليوم فان معظم استخدامات الذكاء الاصطناعي إيجابية في حياة الناس، وما نحصل عليه من المعلومات أحيانا أحسن مما يملكه ويعطيه البشر.
ولأهمية هذه المشاريع، فمن المهم العمل على كيفية جمع هذه المعلومات لإنشاء مؤسسة جديدة في السلطنة مهمتها الذكاء الاصطناعي، ووضع الأنظمة لها واستخداماتها للحصول على التحاليل والنتائج، وهي متوفرة في المواقع المعروفة مثل جوجل، وغيرها. فهذه المعلومات تدخل في تصميم وإنتاج واستخدام الأدوية التي تساعد المرضى، وكذلك في الحصول على العلاج السريع والناجع. وهناك مؤسسات في العالم تحصل على هذه المعلومات وتقع في يدها، وتقوم بالاستفادة منها في الأعمال التجارية وبيعها، وهذا يعتبر تحديا أخلاقياً كبيرا للبشر، لأن الناس لا يعلمون أين تذهب تلك المعلومات. ومن خلال تلك المعلومات يمكن للبعض أن يدين نفسه في القضايا، لأن المؤسسات تقوم بتحليلها ونشرها. وهذه المعلومات تستخدم اليوم في الأماكن العامة لمتابعة الاجرام وحياة الناس اليومية، بحيث إن بعض هذه المعلومات تعمل على إبقاء حياة الناس أو موتهم، والذي لا يعرف عنها العامة. كما يمكن من خلالها العمل بأنظمة الحوكمة والرقابة أيضا.
فالكثير من البشر والمسؤولين والقيادات لا يعلمون عن الذكاء الاصطناعي، فيما تستغل مؤسسات أخرى تلك الأنظمة في القضايا الصحية العالمية، الأمر الذي يتطلب من الدولة دعم بحوث الذكاء الاصطناعي وتأسيس مشروع بالسلطنة في هذا المجال، بحيث يمكن للجهات المعنية في السلطنة مثل (الاتصالات) تنظيم مثل هذه المشاريع، لأنه مجال فني، فيما نعلم أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه قد أكد في خطابه الأخير على أهمية البحث العلمي، الأمر الذي يتطلب دعم هذه المشاريع والمساهمة في التطوير والاستخدام. ومن الضروري التوجه نحو هذه الأنظمة لتحقيق مبادرات الذكاء الاصطناعي، بحيث لا نستمر في استيراد التكنولوجيا لعقود مقبلة، خاصة وأن هناك بعض الدول تعمل على تخصيص موازنات مالية مستقلة لإقامة تلك المشاريع.
اليوم أصبح من الأهمية دفع الشباب نحو العمل في هذه القضايا والاتجاه نحو التطوير، وإعطاء الفرصة للجميع للتحدث والإبداع وعدم استخدام الشدة والرفض والتهديد والعقوبة في ذلك، وذلك من أجل أن نتمكن من إيجاد مجتمع عادل يتسم بالاعتدال والتطوير والتقدم. فالتكنولوجيا تلعب دورا متناميا في إعداد الشباب لسوق العمل والوظائف المستقبلية في مجالات إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية وعلم البيانات وغيرها، الأمر الذي يتطلب دفع التعاون بين قطاع تكنولوجيا المعلومات والأوساط الأكاديمية لتزويد الشباب بالأفكار النيرة والمهارات اللازمة، ورفع مستوى فهمهم تجاه الأفكار الخلاقة التي تناسب الاستخدامات العملية للتقنيات الحديثة واحتياجات الأفراد والمؤسسات.