المهندس علي بن جعفر اللواتي – عُمان
[email protected]
لفت انتباهي في بعض إعلانات التوظيف الصادرة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص في الفترة الماضية شواغر لمهن بمسميات مثل: (مهندس تخطيط مدن) و(مهندس تصميم داخلي) أو(مهندس ديكور) ومما يثير الاستغراب حقا هو الحاق لقب (المهندس) بمهن وتخصصات أبعد ما تكون عن الهندسة، فالتخطيط العمراني وتخطيط المدن على سبيل المثال هي تخصصات مستقلة عن الهندسة ولها كليات مثل كليات التخطيط العمراني كما تقع أحيانا بصورة هيكلية ضمن كليات الآداب أو الجغرافيا في بعض الجامعات، ولا توجد مؤسسة تعليم عال تصدر شهادة في هندسة تخطيط المدن، وكذا الحال بالنسبة لتخصص التصميم الداخلي فهو الآخر بعيد كل البعد عن الهندسة ويقع ضمن تخصصات العمارة أو التصميم والبيئة المبنية.
لا يذهب هذا المقال للحديث عن انتحال لقب (المهندس) وصفته الاعتبارية لنيل الوجاهة الاجتماعية، بل يذهب المقال لسوق العمل والتحديات بشأن عدم وضوح التخصصات حيث لا تزال جهات عديدة لا تحدد بدقة احتياجاتها فتعلن عن وظيفة (مخطط مدن) وهي في الحقيقة تحتاج إلى (مصمم عمراني) وتقوم بتوظيف (مهندس معماري) والمحصلة مسمى خليط من الوظائف على غرار (مهندس تخطيط عمراني) ينفذ أعمالا ذات جودة منخفضة وأخطاء وأوامر تغييرية. ومن الناحية الأخرى، يجد الخريج نفسه مجبرا لنسب ألقاب هندسية لا يستحقها حتى لا يحرم من فرص التنافس على الوظائف، حتى وإن كان يرغب بافتتاح مشروعه الخاص! فعلى سبيل المثال فخريج من تخصصات كليات (العمارة) ولديه مسمى (معماري) وليس (مهندس معماري) يرغب بفتح مكتبه الخاص للاستشارات المعمارية فلا يجد نشاطا تجاريا يتوافق مع تخصصه وكذلك الأمر (المصمم الداخلي) لا يجد نشاطا تجاريا متوافقا ويجد نفسه مضطرا للتقدم لترخيص (مكتب هندسي) ولكونه لا يحمل لقب (مهندس) لن يحصل من وزارة التجارة والصناعة على الترخيص اللازم لإنشاء مكتب استشارات هندسية فيحرم من ممارسة مهنته أو يضطر لانتحال مهنة (الهندسة) أو ينتهي به المآل لفتح نشاط (ديكور).
إن عدم وضوح الفرق بين التخصصات المهنية وخلط المهن والمسميات وانتحال الألقاب، له أضراره الوخيمة على الاقتصاد، فتوكل المهام الفنية لغير أصحابها من المتخصصين، ناهيكم عن أصحاب الشهادات المنتحلة أو حملة الدرجات الأكاديمية غير المعترف بها والمصادق عليها!
لقد آن الأوان لحماية الألقاب المهنية كلقب (المهندس) أو لقب (المعماري) أو (مخطط المدن) وغيرها من الألقاب ذات الطبيعة الفنية الدقيقة بتشريع يحمي المسميات فلا يتسمى بها غير مستحقها، ويعاقب منتحلها كما هو معمول في عدد من الدول فمهن (الهندسة) و(العمارة) مهن محمية بموجب قانون في المملكة المتحدة، وهنا أجد دور الجمعيات المهنية المشهرة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بينها (جمعية المهندسين العمانية) وما تلعبه من دور هام في تصنيف المهندسين وتحديد تخصصاتهم وخبراتهم. كما أقترح على الحكومة دعم نظامها لتصبح نقابة لترخيص المهندسين بدلا من كونها جمعية مهنية تطوعية، ويمكن الاستفادة من تجربة القطاع الصحي في ترخيص الأطباء وهيكلة التصنيف حسب التخصصات الدقيقة.
ولعل من المناسب أن ألفت النظر للتخصصات الأخرى من غير مخرجات كليات الهندسة مثل تخصص (العمارة) أو (تخطيط المدن)، فلا يجوز بسبب عدم حمله للقب (مهندس) حرمانه من ممارسة مهنته والتنافس على الوظائف! ويقع على عاتق جهات التوظيف مثل المركز الوطني للتشغيل مراعاة الفارق بين التخصصات وتحديد احتياجاتها بدقة وعدم حكر الوظائف على (الهندسة) فقط، فهناك تخصصات بينية دقيقة ليست من مخرجات كلية الهندسة، كما أقترح على وزارة التجارة إعادة النظر في تخصصات البيئة المبنية (كالعمارة وتصميم المشهد الطبيعي والتصميم العمراني والتصميم الداخلي) في الحق للحصول على ترخيص لمكتب استشاري يمارس من خلاله أصحاب هذه المهن وظائفهم، والإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المكاتب الاستشارية الهندسية ومعالجة أوضاع التخصصات من غير مخرجات كليات الهندسة، فكما لا يصح لغير (المهندس) الحصول على مكتب هندسي فلا يصح إقصاء (المعماري) من ممارسة مهنته، بل تتطلب المرحلة الحالية تشجيع القطاع الخاص وروّاد الأعمال للتنافس وإيجاد الوظائف كل حسب تخصصه، وتصحيح المسار ورفع كفاءة الأداء بما يتوافق مع متطلبات الوقت الراهن.
FacebookTwitterWhatsAppLinkedInCopy LinkFacebook MessengerGmailGoogle BookmarksOutlook.com