حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
تتفاعل مضامين الخطاب السامي الأخير لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في مختلف الأوساط المحلية والإقليمية والعربية سواء عبر الوسائل الإعلامية أو عبر المؤسسات والقنوات السياسية والاقتصادية، أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني من خلال الجلسات والاجتماعات والندوات التي تعقد بين حين وآخر حول هذا الشأن. ولقد كان موضوع هذا الخطاب ورؤية عمان 2040 عنوانا رئيسيا للجلسة التي عُقدت بأحد مجالس المجتمع المدني بمجلس الخنجي مؤخرا وسط حضور عدد كبير من رجال الأعمال والإعلاميين والمهتمين بالقضايا المحلية، حيث تطرق رجل الأعمال الدكتور سمعان كرم إلى التحدث عن بعض المضامين الاقتصادية لهذا الخطاب الهام، مع استعراضه لأهداف الرؤية (عمان 2040) التي تهدف إلى إيصال السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة خلال المرحلة المقبلة.
فأهداف الرؤية 2040 كما نعرف عنها هو إيجاد مجتمع يكون فيه الإنسان العماني مُبدعاً مُعتزاً بهويته ومُبتكراً ومُنافساً في العالم، بجانب تنعمه بحياة كريمة وبرفاه مستدام. كما تهدف الرؤية إلى بناء اقتصاد يكون بُنيته الأساسية تنافسية، ومعتمدٌ على الإنتاج والتنوع الذي نسعى إليه، ويقوم على الابتكار وتكامل الأدوار والفرص، على أن يكون القطاع الخاص هو المحرك الأساسي له بهدف تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. كما تهدف هذه الرؤية بأن تجعل السلطنة ذات أجهزة مسؤولة من حيث الحوكمة والرقابة الفاعلة، ويكون قضاؤها ناجزا، وأداؤها كفئا في مختلف المجالات، مع إيجاد بيئة عناصرها مستدامة وتكون مصانة ونظمها فعالة ومتزنة، ومواردها متجددة. وجميع هذه المضامين وردت في خطاب جلالته الذي أعطى الأولوية بتوجيه العمل المستقبلي في مجالات المعرفة والأبحاث والابتكارات، والتوجه نحو الاستثمار في التعليم والإنتاج والتنويع.
وكما هو معروف فإن بناء أي اقتصاد يكون بُنيته تنافسية يحتاج إلى تحقيق عدد من العناصر منها إيجاد قيادة اقتصادية دينامكية، واقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة، وسوق عمل جاذب للكفاءات، وقطاع خاص يقود اقتصادا تنافسيا، بجانب إيجاد تنمية شاملة جغرافياً في المحافظات والمدن، وبحيث تكون مستدامة وتعمل بجدارة لتحقيق هدف الرؤية. والكل على علم بأنه بعد قراءة الخطاب السامي لجلالته، ومقاربته مع أهداف الرؤية 2040 التي وضعت بمشاركة شعبية واسعة تحت بصر ومتابعة جلالته، فان الخطاب ينسجم تماما مع هذه الرؤية، وستبقى الإطار المرجعي للعمل الحكومي خلال المرحلة المقبلة، حيث إن محتويات الخطاب عديدة، إلا أن بعض هذه المضامين الاقتصادية تتطلب ضرورة التركيز عليها من حيث تطوير نظام وطني للتشغيل في القطاعين العام والخاص، ومراجعة نظم التوظيف وسياسات العمل، وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والعمل، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والمحاسبة. كما تتطلب أيضا مراجعة أعمال الشركات الحكومية ورفع أدائها، وتوجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل، بالإضافة إلى تخفيض المديونية وزيادة الدخل، وتنويع الاقتصاد واستدامته، مع ضرورة العمل بالنزاهة في كافة قطاعات العمل، والعمل بالحريات العامة وصونها بما في ذلك حرية التعبير، وإيجاد سياسات عمل جديدة ومرنه تحقق الغايات الوطنية، مع مضاعفة دور القطاع الخاص، والاهتمام ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الأمور الأخرى.
إن تحقيق ذلك يتطلب القضاء على بعض من الصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص في سوق العمل تتمثل في حظر الشركات أحيانا، وفي إصدار المأذونيات، والتسميات الوظيفية، ومفاهيم اقتصاد السوق بما يتناسب مع قدرات هذا القطاع وكفاءة العاملين، وأيام الإجازات المتكررة، وغيرها من الأمور التي تؤثر على إنتاجية القطاع الخاص والمهنيين. كما أن هناك قضايا أخرى لها تأثير سلبي أحيانا على السوق منها إبعاد بعض الأجانب عن الشركات الكبيرة لمدة سنتين، وعدم السماح بتوظيف العمالة من السوق، بالإضافة إلى تفتيش المخيمات والضغط على التوظيف في المناطق، وتجديد الإقامات للأجانب، وغيرها من القضايا الأخرى التي تؤثر بصورة كبيرة على أعمال الشركات والمؤسسات.
مقابل ذلك يطرح بعض أصحاب العمل في القطاع الخاص عددا من الاقتراحات التي يجب العمل بها في ضوء الرؤية 2040، منها إنشاء مجلس لرجال الأعمال والتجار من كبار أصحاب الشركات والمؤسسات والمتقاعدين من ذوي الخبرة الواسعة للاستفادة من خبراتهم لتحريك الاستثمار المحلي من جهة، والعمل كشريك للمستثمر الأجنبي من جهة أخرى، كما يرون أن هناك أضرارا تلحق بالقطاع الخاص من وجود شركات حكومية منافسة تعمل بطريقة مباشرة في المشاريع العقارية والسياحية والإنتاجية والخدماتية، الأمر الذي يخرج الحكومة من دورها في الاقتصاد الحر، ومن التشريع والتنظيم والإدارة إلى المنافسة مع القطاع الخاص، في الوقت الذي يجب فيه تخصيص الشركات الحكومية لتكون قادرة على تحسين أدائها وتقليل التكلفة عن كاهل الحكومة وزيادة الأرباح السنوية. وباعتبار أن القطاع السياحي من القطاعات المجدية، فقد طرح المشاركون موضوع تشجيع هذا القطاع والسماح للذين قضوا سنوات عدة في السلطنة بتملك العقارات، وإعطاء السياحة الأولوية المطلقة على مدى السنوات المقبلة، بجانب العمل على أهمية ترويج الإمكانات والمقومات على الساحة الدولية، وإعداد وتدريب الشباب للقيام بعملية الترويج ، بجانب تعيين الملحقين التجاريين في السفارات العمانية في الخارج.
ومن القضايا التي طرحت في الجلسة هو اقتراح إعادة النظر في الضرائب والرسوم على المستثمرين والنظر في إجراءات القضاء، بحيث لا يتم وقف المستثمر المحلي والأجنبي او الشريك على المنافذ الحدودية والمطارات لأمر بسيط يمكن حله، حيث إن ذلك يوجد ذريعة وذعرا بين التجار والمستثمرين، مع ضرورة إنجاز الأعمال في الوزارات المدنية الكترونيا أسوة بما تقوم به شرطة عمان السلطانية.
وبشأن الأيدي العاملة، فمن المهم مراجعة أعمال وزارة القوى العاملة مع المؤسسات والشركات، بحيث يمكن تدريجيا القضاء على أنشطة وأعمال التجارة المستترة، وإيجاد شراكات تجارية حقيقية بين العمانيين والأجانب، والنظر إلى موضوع «التعمين» على أنه عمل وطني وليس معيقا للشركات والمستثمرين. وهذه الخطوات تتطلب ضرورة العمل بالمحاكم العمالية لسرعة تنفيذ القرارات، والنظر في فصل العمال غير المنتجين، وتفعيل دور لجنة الحوار المجتمعي المؤلفة من الوزارة وغرفة التجارة والصناعة واتحاد العمال.
لقد جرى نقاش كبير حول تلك النقاط السابقة، حيث إن الجميع يأمل أن تتمكن السلطنة من تحقيق قفزة جديدة ونوعية خلال السنوات العشر المقبلة، وتكون في مقدمة الدول وفق رؤية 2040، مع ضرورة العمل على إيجاد شخصية فذة لتحفيز أهداف الرؤية ومتابعتها، بجانب إيجاد الموازنات المالية للخطط للاستمرار في المشاريع وضرورة المتابعة، مع التأكيد على جذب الاستثمار الأجنبي والاستفادة منه في هذا الشأن، وضرورة مطالبة الشركات الكبيرة التي تنفذ مشاريعها في السلطنة عبر المناقصات الدولية بفتح مكاتب لها في مسقط بدلا من وجودها في الدول الإقليمية، لتتمكن من تدريب وتأهيل العمانيين. كما يرون دمج أيام الإجازات الدينية والوطنية في نهاية الأسبوع بدلا من إعطائها في منتصف الأسبوع لكي لا تؤثر على أعمال وإنتاجية الشركات، وزيادة تكلفتها. ويوصون أيضا بضرورة تدريب العمانيين قبل التوظيف سواء من خريجي الجامعات أو المعاهد، ومن ثم إلحاقهم في المؤسسات والشركات، مع ضرورة غرس ثقافة رؤية عمان 2040 لدى الجميع، وتهيئة الأرضية المناسبة قبل حلول عام 2021. كما يرون إعادة النظر في الضرائب والرسوم التي تفرض على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبار هي نفسها التي تدفعها المؤسسات الكبيرة، مؤكدين على أهمية المساءلة والرقابة على المسؤوليات الموكلة للأشخاص المسؤولين عن المؤسسات إن كانوا يعملون وفق الأنظمة، ومدى نجاح المشاريع التي يشرفون عليها من فشلها. وخرجت الجلسة أيضا بتوصية لتحفيز وتأسيس المشاريع الصناعية للسلع والمنتجات التي تستوردها السلطنة، ومدى جدوى إقامتها في البلاد خلال المرحلة المقبلة، مع العمل على محاربة المحسوبية والاتكالية والمحاباة والبيروقراطية، وضرورة إيجاد خطة لتشغيل العمانيين إذا تم دمج المؤسسات والوزارات الحكومية، بحيث يتم تدريب بعض هؤلاء الموظفين ومن ثم يتم نقلهم إلى الشركات والمؤسسات.