Image Not Found

أمامة اللواتي تكتب: قراءة حول كتاب “عُمان في عيون عربية”

شئون عُمانية – النادي الثقافي 3 مارس 2020 م

مقدمة:
صدر كتاب (سلطنة عمان بعيون عربية) عام 2020 عن دار روافد اللبنانية للطباعة والنشر ويحوي الكتاب 24 مقالا صحفيا قصيرا لشخصيات إعلامية ودينية وسياسية وكتّاب من دول عربية مختلفة. وحسب ما تمكنت من الرصد ينتمي هؤلاء الكتّاب الأفاضل إلى أجمل الأوطان من الجزائر ومصر والعراق وقطر ولبنان والكويت والسعودية واليمن والبحرين والصومال وسوريا.

يغلب على لغة المقالات السهولة والوضوح فهي تناسب القارىء العام غير المتخصص وإن كان بعضها بنكهة سياسية، وتناسب أغلب الفئات العمرية، ويمكن حتى للناشئة المتحمسة الإفادة منها. وفي المجمل كُتبت أغلب هذه المقالات بلغة المقال الصحفي، وبعضها جاء مدعما بالأرقام والبيانات والمعلومات التاريخية والجغرافية. تعتمد بعض المقالات على الانطباعات الذاتية والمشاعر المحبة ولذا قد نجد آراء متكررة ومتشابهة في بعض المقالات، في حين كُتب عدد أقل منها بأسلوب قريب من أدب الرحلة الذي تمنيتُ أن تغلب كفته، لم يحويه أدب الرحلة من تشويق للقارىء بسبب استناده إلى الجانب السردي والوصفي، واتصفت بعض المقالات في الكتاب بنكهة مختلفة مثل مقالة لعبدالفتاح نور أحمد، وعبدالله العذبة، حيث ابتعدتا عن الجانب التقريري الذي قد يغلب على الكتابة الصحفية .

بُنيت آراء الكتاب في جلّ هذه المقالات على زيارات ميدانية سريعة وربما متكررة قام بها الكتاب الأفاضل إلى سلطنة عُمان، كان الفضول الدافع وراء بعضها إلى جانب الرغبة في اكتشاف هذه البلد المتواضعه الذكر، الغامضة على الفهم، بلاد السندباد الذي رحلت شهرته عبر الآفاق، إلا أن بلاده بقيت ككنز مجهول متوارية عن سباقات الشهرة والأضواء، في حين جاء البعض بدعوة رسمية، وكأنما هناك رغبة جادة للتعريف بعُمان، هذه الأرض القانعة عن وعي بهشاشة سباق الأضواء، ولكن بجدوى التواصل مع مثقفي وصحفي العالم العربي. وحلّت أغلب هذه الزيارات على مسقط، العاصمة التي تبدو ببساطتها المعقدة جديرة بالاعجاب بسبب تضاريسها وطريقة معمارها، وإن اتسعت هذه الزيارات قليلا فإلى أرض اللبان ظفار، أرض الضباب الموسمي ورومانسية الطبيعة في صورتها البكر. وبذلك نعلم أن أغلب هذه المقالات اعتمدت في تكوين آرائها وانطباعاتها الأولى على الزيارات الميدانية لمناطق محدودة من سلطنة عُمان وعلى زيارات قصيرة، اتاحت لبعضهم فرصة النقاش الفكري والتواصل المعرفي مع عدد من شخصياتها، في حين اعتمد مقال واحد أو اثنين كما هو في مقالة وائل القاسم في تكوين رأيهم عن عُمان على المقالات والتغريدات والمنشورات التي كان يتابع من خلالها الكاتب أوضاع عمان وانطباعات الآخرين عنها.

أهم المحاور:

تتركزمقالات هذا الكتاب على صورة عُمان بعيون عربية من خلال محاور يمكن تصنيفها إلى الجانب السياسي، والجانب الديني والجانب التاريخي. وفي ما يبدو لي فإن نواة هذا الكتاب ترتكز على فكرة التسامح الديني والسياسي وجاء الجانب التاريخي ليدعم هذه الفكرة أو ليعطي القارىء معلومات ضرورية ومختصرة عن سلطنة عُمان. وسأركز في قراءتي على فكرتين أساسيتين أجد أنهما تمثلان المركز في هذا الكتاب:

1- الصورة الذهنية:

هذا الكتاب مثال جيد لمعرفة كيف يمكن لنا أن نقرأ صورتنا لدى الآخر؟ وكيف يرانا الآخر؟ والآخر هنا ليس غريبا وإن كان بعيدا، فالأنا والآخر هنا يتشاركان في اللغة والدين والتاريخ والعديد من العوامل المشتركة التي نعرفها جميعا، إلا أن صورة هذا الآخر كانت تبدو حتى قبل الاتصال الجغرافي المباشر بها صورة مشجعة وإن كانت ضبابية، وربما عجيبة، وستتضح أسباب العجب فيما بعد. إذا دعونا نرحل معنا في ملامح هذه الصورة.
فقد جاءت صورة عُمان إيجابية ومفعمة بالتفاؤل والأمل والمحبة والمشاعر العاطفية، ومثلت صورة السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الشخصية المحورية التي ارتبطت سياساتها وأفكارها بترسيخ هذه الصورة الإيجابية. وحين أتحدث عن الصورة فإني أتحدث عن “شاشة ذهنية”، فدراسة مفهوم الصورة من ضمن المجالات التي دخلت في علوم الدراسات الإنسانية مثل المجالات الأدبية والاجتماعية والإعلامية. وتشير الصورة الذهنية في معناها المجازي الى الوصف الشفوي او المكتوب لشخص ما، إلى جانب الوصف المعنوي والمادي لكائن حي سواء أكان حقيقيا او خياليا وقد تتعلق بدراسة الجانب الجسدي للموصوف او وصف أخلاق الشخص ومزاجه وصفاته بشكل عام (علوي، 2017). وقد يؤدي هذا الوصف إلى خلق صورة ذهنية محددة قد تتميز بغض النظر عن سلبيتها او ايجابيتها بالثبات والاستمرار فترة طويلة.
وعادة تلعب وسائل الإعلام والاتصال الشخصي والجماعة المرجعية التي ينتمي إليها الشخص والخبرات السابقة وعوامل أخرى دورا في تشكّل هذه الصورة، وهذه العوامل التي ذكرتُها بدت واضحة في أوصاف وكلمات المؤلفين حيث أشار بعضهم إلى تلك المعلومات المشجعة التي كان يسمعها عن عُمان من تجارب وخبرات الأصدقاء والأقارب أو من وسائل الإعلام. تظهر أيضا في بعض المقالات ثنائية الأنا والآخر، فالكاتب يصورأو يقارن مظاهر محددة من بلاده كمقارنة الشوارع والنظام بما عاشه الكاتب في بلده وما اختبره في سلطنة عُمان، وقد عكست أيضا صورة إيجابية للآخر الذي هو هنا عُمان ورغبة في التأسي بمثلها.

2- عُمان نموذجا للتسامح:

وهنا نحن نتحدث عن فكرتين مترابطيتن وهي مفهوم النموذج ومفهوم التسامح. فقد تم التركيز في هذه المقالات على صورتين من صور التسامح وهما التسامح الديني بين أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة، وحرية ممارسة العبادة بين أصحاب الأديان جميعها بشكل عام. إلا أن التسامح الديني بين المذاهب الإسلامية بالذات تم تقديمه كنموذج، والنموذج كما يعرّفه الباحثين هو “المثال الذي يعمل عليه الشيء، فهو إذن المرجع الذي يقاس عليه ما هو من جنسه”. ونجد أن التسامح ظهر في المقالات كهوية وطنية محمية بسياجات متعددة فهناك السياج الأخلاقي الذي يظهر في طبع العماني من حيث تواضعه، وبعده عن التعجرف والتكبر كما ورد في المقالات، والسياج الديني الذي يستند إلى المذهب الاباضي الذي يرفض الحكم على معتقدات الآخرين الدينية ولا يتدخل فيها، والسياج القانوني الذي يضمن حقوق الجميع على اختلاف معتقداتهم. والنوع الآخر من التسامح الذي تم التطرق إليه هو التسامح السياسي والذي تمثل في ذكر العديد من الأمثلة التاريخية حول التزام السلطنة بالحياد في الشأن السياسي المتقلب من حولها وعدم الرغبة في التورط في الحروب بين الدول العربية وسياسة الاقصاء الذي قد تمارسه بعض الدول لدول أخرى. وهذا لا يُظهر فقط حياد السلطنة وموضوعيتها بل قدرتها على اتخاذ القرارات المستقلة بشأن الأوضاع العربية والعالمية قدر الإمكان.

ولأن مصطلح التسامح تكرر كثيرا في هذه المقالات وكونه سمه إيجابية تركز عليها المجتمعات لترسيخ ثقافة السلام والاستقرار بين شعوبها، فأود أن أقف عليه قليلا. فرغم إيجابية المصطلح وأهميته، إلا أني أفضل عليه مصطلح التفاهم. فالتسامح قد يوحي بقدرة جماعة ورغبتها الأكيدة بالتصالح مع مجموعة أخرى قد تكون أقل شأنا منها إلا أن سمو الفكرة يدفعها إلى التغاضي عن نقاط الاختلاف ويدفعها إلى التغاضي عن الطرف الأقوى والأضعف في معادلة التسامح هذه وذلك كله من أجل حاضر ومستقبل أفضل، في حين أن التفاهم يشير حسب وجهة نظري إلى وعي أكثر وتفهم أعمق للطرف الآخر، وعلاقة أنضج بين طرفين متساويين تقوم العلاقة بينهما لا على التغاضي عن المختلف أو الطرف الغالب ولو ضمنيا، بل على قبول هذا المختلف وفهمه عن إدراك والقبول به رغم الاختلافات.

استدراك:

من الناحية الببلوغرافية يغفل الكتاب عن ذكر المجلات والصحف أو المواقع الالكترونية التي نُشرت فيها هذه الدراسات وهو جانب توثيقي مهم، وأعتقد أن إضافة تعريف مختصر بكل شخصية سيكون ذو فائدة لهذا الكتاب. ومن الناحية التحريرية يغفل عن ذكر المبررات التي أدت بالمحرر إلى إختيار هذه المقالات دون غيرها. من المعلومات النادرة التي وردت بشكل غير صحيح في الكتاب المعلومة التي يقول فيها الكاتب في ص 45 ان صلالة هي أول مدينة عربية تشرق عليها الشمس، ويبدو ان الكاتب قد اختلطت عليه مدينة صور في الشرق ومدينة صلالة في الجنوب.
خلاصة
بدا لي من خلال قراءة الكتاب امراً بديهيا بالنسبة لنا في عُمان وهو فكرة التعايش بين المذاهب الإسلامية المختلفة، إلا أن انبهار الكتّاب بهذه الفكرة التي وجدوها متحققة عمليا في عُمان يدفعنا إلى السؤال عن سبب اندهاش هؤلاء الكتاب واستغرابهم واعجابهم بذلك وهو أمرٌ مفروغ منه حسب ما نرى كعمانيين.. وهنا نعود إلى مفهوم النموذج مرة أخرى الذي يقدم حالة عملية وناجحة لعملية التعايش والتي لا يمكن أن تنجح دون نجاح جميع أركانها وهي القواعد الأخلاقية والقوانين المنظمة والمحاسبة لمخالفتها، والتفاهم الديني والإرادة السياسية، فإذا نجحت هذه الأركان وجد لدينا النموذج، واهتمام الكتاب بهذا الجانب يدل على مدى حاجة العالم العربي الملحة لهذا النموذج والضمأ الشديد الذي نعانيه نتيجة نقص تلك الينابيع الصافية التي يمكن أن ننهل منها جميعا وهو نبع الإنسانية والكرامة.

المصادر:
علوي،سكينة عبداللوي(2017). الصورة والآخر في النص الأدبي. متوفرة على https://diae.net/56871/#
كمال، سارة عبدالعزيز(2018) صورة الصحفي في السينما. دار العربي للنشر والتوزيع، مصر.