حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
تثار بين وقت وآخر قضية المسرحين العمانيين من بعض الشركات العاملة في البلاد عبر فيديوهات قصيرة، أو من خلال الكتابة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة للأعباء الإنسانية والاجتماعية والمالية التي تقع على هؤلاء الأشخاص وذويهم وعائلاتهم خاصة الزوجات والأولاد. فهذه الفئة المسرحة عليها التزامات اجتماعية ومالية شهرية مثل بقية الموظفين العاملين في المؤسسات الأخرى تجاه مصاريف السكن والخدمات والقروض والتعليم والصحة وغيرها من الالتزامات. فلم يكن في بال هؤلاء الشباب بأنه سيأتي يوم يتم فيه تسريحهم من العمل ويواجهون المعضلة في حياتهم العملية بهذه الصورة، في وجود هذا الكم الهائل من المؤسسات الرسمية التي تعمل من أجل استقرار القوى العاملة الوطنية وتوفير الأعمال لهم والتي تقوم بحمايتهم من المشاكل التي ربما يتعرضون لها، وخاصة من البنوك والمحاكم والمؤسسات التنفيذية.
وإزاء هذه المسألة، قام مجلس الوزراء الموقر بتشكيل لجنة للمتابعة والنظر في قرارات القوى الوطنية المنهية خدماتهم بمنشآت القطاع الخاص ووضع الحلول المناسبة، فيما شهدت الدولة عقد عدة لقاءات واجتماعات على مستويات مختلفة للمؤسسات المعنية في الدولة والقطاع الخاص، منها اللقاء الذي احتضنه مجلس الشورى من خلال لجنة الشباب والموارد البشرية مع المسؤولين في غرفة تجارة وصناعة عمان مؤخرا لبحث «ظاهرة تسريح القوى العاملة الوطنية بالقطاع الخاص».
كما تطرقت هذه الاجتماعات للقاءات مع المسؤولين في وزارة القوى العاملة والمركز الوطني للتشغيل، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسات التي تعنى بهذه القضايا. واستهدفت جميعها متابعة هذه القضية والخروج ببعض التوصيات التي يمكن من خلالها تخفيف معاناة هؤلاء المسرحين ووضع الحلول المناسبة لإعادة إدماجهم في الأعمال من جهة أخرى.
هذه الاجتماعات واللقاءات توصلت إلى تبني عدة مقترحات وتوصيات، منها ضرورة استمرار وزارة القوى العاملة والمؤسسات المعنية في اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتوفير فرص عمل جديدة للمسرحين في شركات أخرى، ومتابعة هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على العمل والاستثمار في السلطنة، مع ضرورة الجلوس مع المنشآت التي أقدمت على إنهاء خدمات هؤلاء الشباب، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إنهاء خدماتهم بهذه الصورة من جهة، والعمل على إعادتهم إلى نفس الشركات بقدر الإمكان من جهة أخرى، مع الاستمرار في المساعي بإيجاد وتوفير فرص عمل جديدة للذين أنهيت خدماتهم بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى. ومن خلال تصريح وكيل العمل بوزارة القوى العاملة بشأن هذا الموضوع، تبيّن أنه تمت إحالة بعض المنشآت غير الملتزمة بتطبيق قانون العمل والقرارات الوزارية الصادرة بشأنه للادعاء العام لاتخاذ المقتضى القانوني بشكل فوري ضدها، بجانب العمل على تسوية هذه القضايا من خلال لجان التوفيق والمصالحة في نفس الوقت، بهدف تخفيف الآثار الاجتماعية والمالية للمسرحين. وكان من ضمن الحلول المقترحة من قبل المسؤولين في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية هو مقترح «إنشاء صندوق التأمين ضد التعطل»، والذي يمكن من خلاله مقابلة بعض المشاكل المالية للمسرحين وتخفيف الألم والمُعاناة على كثير من المسرحين وأسرهم، حيث تكمن أهمية هذا الصندوق في توفير الرواتب لمن يفقدون أعمالهم لفترة زمنية محددة. ولكن المشكلة في ذلك تتمثل حالياّ في احتياج هذا الصندوق إلى تمويل مالي من كافة الأطراف التي تهتم بالعمل والإنتاج والتوظيف وبمشاركة المؤسسات الحكومية، مع العلم أن مثل هذا المشروع مقام في بعض الدول التي تهتم بقضايا التشغيل والتسريح.
هذه اللقاءات خرجت أيضا بأمور عدة تتعلق بكيفية معالجة ظاهرة تسريح القوى الوطنية في مؤسسات القطاع الخاص في المستقبل، منها إعطاء الأولوية في المشاريع للشركات العمانية التي تدار بأيد عمانية وطنية، وليس من قبل الشركات التي تعمل في الخفاء وبالتجارة المستترة، مع ضرورة توجيه المؤسسات العامة والخاصة في نفس الوقت بتمويل برامج تدريب وتأهيل الكوادر البشرية العمانية في المجالات التي تحتاج إليها تلك المؤسسات من باب المسؤولية الاجتماعية. كما تطرقت تلك اللقاءات أيضا إلى معالجة مشكلة تأخير الدفعات الحكومية التي أدت إلى حدوث بعض المشاكل لدى الشركات الجادة التي اتخذت قرارات الاستغناء عن عدد كبير من القوى العاملة الوافدة بجانب تسريح بعض القوى العاملة الوطنية لمواجهة الكلفة في عملياتها اليومية، حيث نتج هذا الوضع بسبب الظروف المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط بصورة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وتأخر دفوعات تلك الشركات في الحصول على مستحقاتها الشهرية. كما تناولت اللقاءات أيضا ضرورة إعادة النظر في سياسات التعمين الحالية وتطويرها بما يتناسب مع المستجدات القادمة، خاصة العام المقبل حيث يبدأ تدشين الرؤية الجديدة للسلطنة (عمان 2040)، وضرورة إجراء بعض التعديلات على القوانين وخاصة قانون العمل الذي يمكن له تحقيق التوازن والمساواة والعدالة بين مختلف الأطراف الداخلة في عملية التوظيف والعمل والعمال، مع العمل أيضا على مراعاة التغيرات المستقبلية في احتياجات القوى العاملة الوطنية على ضوء الرؤية الجديدة للسلطنة، بحيث يمكن القضاء على ما يؤدي إلى نشوء «ظاهرة المسرحين»، وضرورة أن يعرف الشخص بأنه يعمل بعقد دائم وليس بعقد مؤقت وألا تستمر العقود المؤقتة لسنوات عديدة.
إن قضية تسريح القوى العاملة الوطنية أدت ببعض المؤسسات الحكومية إلى اتخاذ قرارات لمعالجة هذه القضية ولو بصورة مؤقتة منها صدور بيان من البنك المركزي العماني مشيرا فيه إلى متابعة البنك لما يتم تداوله في هذا الشأن، وشكاوى المواطنين المنهية عقود عملهم في بعض شركات القطاع الخاص، وما يترك ذلك من تأثير سلبي على المواطنين العاملين بسبب مطالبات المصارف وشركات التمويل والتأجير التمويلي التي حصلوا من خلالها على تسهيلات ائتمانية. وتضمن بيان البنك أيضا ما قام به من مشاورات مع القطاع المصرفي، لإيجاد حلول فاعلة من أجل تقليل الآثار الناجمة عن إنهاء عقود عمل المواطنين، وإصدار توجيهاته إلى كافة تلك المؤسسات التمويلية بضرورة وضع آليات واضحة لحصر تلك الحالات، وإيجاد آليات مناسبة للتواصل المباشر مع هذه الفئة ومتابعتها، ووضع الحلول المناسبة لمعالجة أوضاعها، بالإضافة إلى إمهال هذه الفئة فترة سماح تمتد إلى 12 شهرا من تاريخ التوقف عن السداد والعمل على إعادة جدولة التسهيلات عند حصولهم على عمل آخر. فهذه الخطوات تتطلب أيضا عدم إسراع البنوك في رفع القضايا على المسرحين في المحاكم، وضرورة التعاون مع الجهات القضائية وشرطة عمان السلطانية لتسهيل حياة وأمور هؤلاء الأشخاص والحفاظ على كرامة المسرحين وعائلاتهم.
هناك الكثير من العمانيين يتجهون سنويا نحو الاقتراض من البنوك سواء لأجل بناء المنازل أو لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وهذه القروض تبقى على كاهلهم لمدة تصل ما بين 20 إلى 25 سنة. ومن هذا المنطلق أعلن بنك الإسكان العماني عن استعداده بالنظر في أي طلب يقدم إليه من المسرحين نحو تأجيل سداد الأقساط الشهرية للقروض الإسكانية المترتبة عليهم مع تأكيده للجميع بأن البنك يتابع باهتمام بالغ بما يتم نشره في هذا الشأن، ويقف وقفة التآزر مع المسرحين من أعمالهم ويقدّر ظروف استدانتهم من المؤسسات المالية، بجانب منحهم الوقت الكافي لسداد هذه الالتزامات المالية المترتبة عليهم. وهذا ما نأمل بأن تقوم به بقية البنوك التجارية والإسلامية من خطوات جادة لتخفيف المعاناة عن المواطنين المسرحين من الأعمال.
وأمام هذه القضية وما يكمن وراءها من الصعوبات التي تواجه هذه الفئة من المواطنين، والظروف العصيبة التي يمرون بها، فإن الجميع يتطلع لأن تتمكن المؤسسات الرسمية من تسهيل مهمتهم في الحصول على أعمال جديدة وفي مؤسسات أخرى، وتمكينهم من العيش بكرامة، وألا تظل هذه المسألة تأخذ أبعادا مختلفة في المجتمع، خاصة وأن بعض المسرحين هم من حملة الشهادات الجامعية وما دونها.