حيدر اللواتي – لوسيل
تعليقات عدة وردت من بعض الخليجيين في وسائل التواصل الاجتماعي حول ما ورد في تحذير صندوق النقد الدولي للدول الخليجية مؤخراً بشأن مواردها المالية على أنها في طريقها إلى الجفاف خلال 15 عاما المقبلة في حال عدم مباشرتها بإجراء إصلاحات مالية. هذه حقيقة لا غبار عليها ولكنها بعيدة عن الواقع مثلما ورد في ذلك، فالدول الخليجية حتى اليوم تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية في الموازنات المالية السنوية، في الوقت الذي تساهم فيه الموارد غير النفطية بما بين 10 إلى 30% من حصتها في الموازنات المالية. كما أن النمو الديموغرافي السنوي في دول المجلس أكبر اليوم من النمو الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الالتزامات المالية سنة بعد أخرى.
ووفق البيانات المنشورة فإن ثروة الدول الست الخليجية الأعضاء تقدّر بنحو 2 تريليون دولار، ومعظمها تأتي من إمدادات النفط العالمية التي بدأت في التراجع الكبير منذ منتصف عام 2014، الأمر الذي يؤثر سلباً على الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية في غياب التنويع الاقتصادي الشامل، كما تؤثر السحوبات السنوية من الصناديق السيادية على المخصصات المالية المتبقية. هذه الأموال تضخمت بفعل أسعار النفط التي كانت تلامس 100 دولار ووصلت أحيانا إلى ما بين 120 إلى 130 دولاراً للبرميل، ولكن مع تراجع أسعارها في عام 2014 ودخول دول المجلس في العجوزات المالية السنوية ونقص في الأموال، فقد اضطرت إلى السحب من الصناديق السيادية، وعن طريق الاستدانة من البنوك الدولية لتغطية هذه العجوزات بالإضافة إلى إصدار السندات وتخصيص بعض المشاريع للحصول على الأموال لمواجهة الالتزامات المدنية والعسكرية التي ترتبت عليها، في الوقت الذي يتراجع فيه النمو الاقتصادي إلى النصف في المائة تقريبا، بينما قد تجاوز 4% في السنوات القليلة الماضية. هذا الأمر يخلق لدى دول المجلس تحديات مالية عديدة سواء في الوقت الحالي أو المستقبلي، في الوقت الذي ما زالت فيه أسعار النفط غير مستقرة، وفي تراجع كبير هذه الأيام نظرا لتفشي فيروس كورونا في الصين التي تعد إحدى الدول الكبيرة في استيراد النفط الخليجي لتتراجع هذه الأسعار اليوم إلى 50 دولارا للبرميل.
ديون دول المجلس في زيادة مستمرة لترتفع خلال السنوات الأربعة الماضية من 100 مليار دولار في عام 2018 إلى 400 مليار دولار في عام 2018، بينما هناك رصيد جديد للديون التي حصلت عليها خلال عام 2019 وما ستحصل عليه في العام الحالي، الأمر الذي يحولها إلى دول مستدينة، في الوقت الذي تتراجع فيه أيضا حصيلة الأموال في الصناديق السيادية لها، لتصبح ثروتها المالية في عام 2035 سالبة وفق تقدير صندوق النقد الدولي.
اليوم فإن دول المجلس بحاجة إلى تسريع العمل في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وزيادة قدرة مشاريع التنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى إجراء مزيد من التخفيض في النفقات العامة والعمل على إيجاد أنظمة مالية نظيفة بعيدة عن وسائل الفساد الإداري والمالي، بجانب العمل على تسهيل الإجراءات والابتعاد عن البيروقراطية في المعاملات اليومية في الأجهزة الحكومية لتمكين الشباب من المضي قدما في مشاريع الأعمال الحرة، وإتاحة فرص العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، والاهتمام بالكفاءات الوطنية لبناء مؤسسات لتعزيز التنافسية مع العالم.