تغطية: حيدر بن عبدالرضا داوود
استضاف مجلس بيت الخنجي اليوم د. المعتصم المعمري، طبيب في تخصص الطب السلوكي، وطالب ماجستير في العلوم السياسية للتحدث عن مآثر فقيد السلطنة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، بحضور بعض الشخصيات التي تحدثت أيضا عمّا يجول في خواطرهم تجاه هذا المصاب الجلل.
في بداية الجلسة استمع الحاضرون إلى بعض الذكريات التي عاشها المواطن محمد ديزل في العهدين السابقين لجلالة السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله، وكيفية سماع نبأ وفاة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه وما قام به لاحقا بعد سماع هذا النبأ المفجع.
ثم تحدث د. المعمري عن عدة محاور تتعلق بالسمات الشخصية لفقيد الوطن رحمه الله، وآثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسس التي أرساها جلالة الفقيد الراحل لهذا الوطن وما بعد المرحلة المقبلة.
فقد تحدث الدكتور المعتصم المعمري عن الملامح الشخصية للسلطان قابوس من خلال عدد من المحاور التي تبعها جلالته في عمله السياسي، مشيرا إلى أنه، رحمه الله، إختار عدة قنوات في بداية تسلمه للحكم وهي:
1) إتباع منهج الحل الصعب، وهو تحقيق الوحدة الوطنية بعيدا عن المحاصصة السياسية من قبل الفئات مثلما يحصل في بعض الدول.
2) العمل بالموازنة بين الداخل والخارج، بحيث لا يتم التركيز على الداخل مرة واحدة، أو الخارج مرة واحدة، أي أن السلطان رحمه الله، حقق الموازنة بين الأمرين، وخلق جواً مختلفاً من خلال جمع أبناء عمان في كل أمر يهم المجتمع العماني، ونشر مفهوم محبة الجميع للآخرين أيضا، ولهذا رأينا في عزاءه، رحمه الله، يحضر الافرقاء في العالم.
3) جلالة الفقيد رحمه الله جمع بين النظام السياسي الجديد ( المؤسسات) والدولة المدنية، ولم يترك الإرث السياسي كالجولات السامية، كما لم يغفل عن الشخصية التي سوف تخلفه، الأمر الذي يؤكد الفهم العميق لجلالته ولجميع القيم القديمة والحديثة.
وأوضح الدكتور أن في علم العلاقات الدولية تُوجد هناك ثلاثة مدارس يتم من خلالها تتبع الأمور وهي المدرسة الواقعية، التي ترى أن القوة هي التي تحكم بين الدول، والليبرالية التي تعمد على المصالح المشتركة، بجانب المدرسة الماركسية التي تعني بصراع الطبقات الاجتماعية، إلا أن جلالته رحمه الله، بنى المدرسة الرابعة وهي الحياد والتوجه نحو السلام من خلال تعزيز القيمة الانسانية والاستقرار والوحدة والاتزان في جميع الأمور. فمنذ عام 1970 اتبع جلالته هذا الخيار السياسي لتجنب السلطنة الصراعات، وهي السمة الغالبة التي استمرت معه خلال نصف قرن من حكمه لعمان وحتى آخر لحظة، بحيث كان تدخل عمان ايجابيا في القضايا السياسية المطروحة، وهو الخيار الذي رآه جلالته يناسب السياسة العمانية
وعلى المستوى الاقتصادي، لم يأخذ جلالة الفقيد فلسفة اقتصادية واحدة، وإنما أخذ من جميع الفلسفات منذ أنهى من محاربة التطرف في الجنوب العماني في بداية مرحلة تأسيس الدولة، ليبدأ بعدها مباشرة في تنفيذ الخطط الخمسية التنموية، الأمر الذي يؤكد بأن جلالته رحمه الله كان يمثّل عقلية منفتحة، وهذا ما انعكس على العلاقات العمانية مع العالم. ومن هنا نرى أن الرؤية الاقتصادية 2020 تعمقت فيها الاهداف التي ركز عليها جلالته مثل تعليم الانسان العماني والعمل بالتنويع الاقتصادي، والاستمرار في بناء الانسان اجتماعيا واقتصاديا، بجانب اهتمامه بعدد من الملامح الاخرى كالموسيقى، وانعكاس ذلك على الملامح الوطنية، والاهتمام بالخيل والفروسية، واهتمامه بالتصوير والرسم وإنشاء الجمعيات لتلك الاعمال.
وقال الدكتور أن جميع هذه المسائل تساهم اليوم في تعزيز المرحلة المقبلة للسلطنة، في الوقت الذي يرى البعض أن هناك تحديات تواجه البلاد كالتوظيف مثلا، معللاً أن البلاد تجاوز هذه التحديات بنسبة 80% من المشاكل. فالمشاكل في العالم اليوم لا تتعلق بقضايا الاقتصاد والتوظيف فقط، ولكنها تركز في كيفية تسيير مؤسسات تلك الدول بالرغم من أن تلك الدول تمتلك الكثير من المقومات والثروات المادية والأموال، لكنها تعيش في صراعات عديدة في داخل دولة واحدة.
وقال باننا رأينا بأن جلالته طيب الله ثراه وضع ثقته في رجل قريب منه يتسم بمعايير ومواصفات قوية تناسب والمرحلة المقبلة، الأمر الذي سوف يأخذ بالسلطنة نحو آفاق ارحب في ظل وجود مؤسسات الدولة والقوانين التي تحكم تلك المؤسسات والمواطنين.
ثم تحدث الحضور عما جاء في حديث الدكتور الضيف مشيرين إلى الانتقال السلس الذي حصل بعد وفاة جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه والذي يؤكد أهمية الآليات التي تبناها المرحوم لهذا الانتقال، بحيث يمكن للدول الاخرى أن تدّرس هذا النموذج في مدارسها وجامعاتها في علم السياسة والعلاقات الدولية تجاه هذا الأمر الذي حصل في عمان مؤخرا، لأنه لم تشهد دولة عربية مثل هذا الانتقال السلس للسلطة. كما أن المكسب الحضاري الآخر لعمان يكمن بأن جلالته طيب الله ثراه، لم ينه هذا العهد من نصف قرن، إلا وقد صان مستقبل السنوات المقبلة من خلال اختيار شخصية جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه لتسيير الخطة المقبلة وبحيث تكون البوصلة واضحة أمامه، وكذلك تكون مؤشراتها واضحة للجميع أيضا. فالمرحلة الاقتصادية المقبلة ووجود رؤية عمان 2040 لهذه المرحلة بجانب ما حصل من الانتقال السلس للحكم، وبمستوى عال من الشفافية، وأمام العالم عبر الأجهزة الاعلامية لهي جميعها مؤشرات مهمة، الأمر الذي يتطلب من كل فرد أن يضع أيديه بأيدي جلالة السلطان هيثم، ونكون له جنود أوفياء مثلما أشار إليه جلالة السلطان الفقيد في وصيته، لتتمكن عمان من إعادة مجدها وريادتها. وهذا الأمر يتطلب من الجميع بأن يكونوا موحدين للمستقبل، ويعززوا من فرص الاستثمار الذي يحتاج إلى الاطمئنان والاستقرار لتبقى عمان قوية خلال المرحلة المقبلة.
كما تناولت الجلسة الكثير من المآثر التي تميز بها المرحوم جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، والانجازات التي تحققت في عهده رحمه الله. كما ألقيت أبيات شعرية في هذه المناسبة التي تناولت تلك المآثر التي تحلى بها الفقيد الذي أخرج الشعب العماني من الضيق القبلي والمذهبي والطائفي إلى المجتمع الكبير الواحد من خلال الدمج بين جميع تلك القبائل والمذاهب والطوائف ليرتقي الانسان العماني إلى هذه المرحلة من التسامح والحب والمساواة والعدالة. كما تناولوا مآثر جلالته وسخائه في البعد الانساني من خلال بذل العطاء والمساعدات للمؤسسات الاجتماعية والدينية والتعليمية في العالم دون الاشارة أوالتسويق لاسم جلالته أو اسم عمان تجاه تلك المساعدات في الوسائل الاعلامية كما تقوم بها الدول الاخرى، ليترك جميع تلك الامور في ميزان حسناته.
وأخيرا أشادورا بالمميزات التي يتحلى بها جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه، مؤكدين بأن عمان ولادة، وأن المرحلة المقبلة سوف تشهد مزيدا من النجاحات والانجازات في عهد جلالته.