مُحمَّد بن رضا اللواتي – الرؤية
دَخل السبت الذي توافق مع 11 من يناير عام 2020 للميلاد، بوابة التاريخ، وتبوَّأ في داخل رواق صُناع السلام العالمي مكانة شامخة؛ إذ سيتذكر العالم الرجل الذي عمل ليل نهار لنقل بلد كان غارقا في أشكال من الظلمات، إلى أنواع من الأنوار، حتى أوجد له مكانة بين مصاف تلك الدول التي ما أن يُنطق باسمها، فتتسارع، وعلى الفور، معاني السلام في الذهن مباشرة. لقد ناح “تويتر” ذلك الصباح بوسم “#قابوس_في_ذمة_الله”، بالنحو الذي تصدر قائمة التغريدات الأكثر تعليقا ومشاهدة على مستوى العالم. وبالنسبة للعمانيين، فسوف يغدو في أذهانهم توأما للثلاثاء الموافق 23 يوليو من عام 1970، وما أعجب أن يغدو السبت توأما للثلاثاء في ذاكرة المرء!
غير أنَّ جماعة، فور سماعهم لخبر رحيل المغفور له جلالة السلطان فجر ذلك السبت، تملكهم الرعب على مصير عُمان، فأبدوا توجسا على مصير بلد ظل عصيا على الفتن بأنواعها، ووقف بكل ثبات في جبهة السلام رغم حدة الضغوط، وظنوا بأنه وبعد ذلك السبت القاتم، سيترجل عن الصهوة التي امتطاها قرابة نصف القرن، وسيغدو إلى شفير الانزلاق في وُحُول الاصطفاف أقرب!
وربما ساعدتهم الأوضاع المحيطة بعُمان على الإسراف في القلق إلى هذا الحد، فدخان المعارك الصاروخية في الجوار لم تُطفئ جذوتها الرياح بعد، والشد والجذب نحو جبهة دون أخرى لم يتوقف بعد، كما أن جارا تليدا لا يزال يئن ويرزح تحت وطأة حرب فقدت كل معنى يقبل التصور المنطقي.
وإذا كان هنالك ثمَّة مُبرِّر يُمكن تلمسه لذلك الرعب الذي تملكهم، إلا أنه لا مُبرر لهم في جهلهم بطبيعة المجتمع العماني بتاتا. إنهم تصورونهم سينسون، سراعا، طعم المواطنة التي ذاقوا لذتها على مدى نصف قرن، ورشفوا كؤوس السلام والأمن والاستقرار طوال تلك الأعوام التي استظلوا فيها بظل المغفور له جلالة السلطان قابوس، وهكذا فقد صوروهم بأن لن يلبثوا سويعات إلا وسيهرعون إلى ما قبل حائط النهضة الذي بناه الراحل عام 1970، وكأن المغفور له قائدهم، لم يترك نهجا يُقتدى به، ولم يخلف سياسة يُعمل بها!
مهما كان السبت الراحل قاتما، إلا أنه أودع بين يدي الشعب العماني ثروة يندر أن يكون لمثلها أثر، تتمثل في نهج السلام الدائم كخيار لا بديل عنه للإستراتيجية العمانية الخارجية، ونهج المواطنة الثابت بصفته معلمًا للنسيج الاجتماعي للداخل العُماني.
عُمان هي هي، لن تتغير!
ستظل تمد يد العون لكل من يبحث عن حل، لكي ينأى بنفسه والمنطقة عن ويلات النزاعات وما تستتبعه من مآزق الحروب، وسيظل مجتمعها هو نفسه، الذي مدح فيه كل من زاره، هدوءه وسمته للسلم، وقبوله للآخر المختلف. بالنسبة لعُمان، لا رجعة عن المضي قدما على نهج المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- وهذا الذي أكده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، في أول خطاب له، عندما أكد -حفظه الله- أن السلطنة ماضية على نهج سلفه الراحل الكبير.
لقد كان سبتًا قاتمًا فعلا، إلا أنه ترك نهجا دائما، يتسم بالبياض الشديد. الواقع، لقد تضمن إعلانا عن أن عمان، كما عرفها شعبها، وكذلك العالم، هي عُمان، وفقط عُمان.