حيدر اللواتي – لوسيل
هل ستنفذ أمريكا قرارها بشأن فرض العقوبات على الشركات الروسية والأوروبية والأفراد المشاركين في تنفيذ خط أنابيب الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا «نورد ستريم 2» عبر بحر بلطيق إلى ألمانيا؟ الأيام القادمة ستكشف لنا تحديات وتداعيات هذا المشروع الحيوي. فكلنا يعلم بأن قضايا الطاقة في العالم الغربي تتفاقم نتيجة لتوفر هذا المصدر الهام لدى بعض الدول وعدم تواجدها في دول أخرى. وهذا الأمر يؤدي أحيانا إلى حصول صراعات بين الدول الغربية للحصول على الطاقة خصوصا إذا كان ذلك لا يتوافق مع التوجهات الجديدة لأمريكا في العالم. ومؤخراً تفجّر هذا الصراع بين دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا من جهة، وبين أمريكا من جهة أخرى. وقد سبق لأمريكا أن وجهت تحذيرات عدة بضرورة عدم السماح ببناء هذا الخط بشكل مباشر من المسؤولين بالخارجية ومن سفراء أمريكا في دول الاتحاد الاوروبي، إلا أن ألمانيا ومعها تلك الدول مضت في خططها نتيجة لحاجتها إلى هذا المصدر، الأمر الذي دفع بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى إصدار قانون يتضمن عقوبات وجزاءات على الجهات المشاركة، وتم اعتماده من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتم محاكمته في موضوع اوكرانيا. ويرى المراقبون أن خط الغاز الروسي إلى برلين من المتوقع له أن يفتح مزيداً من العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين مستقبلاً.
أمريكا من جانبها ترى أن تحقيق هذا المشروع سوف يجعل دول الاتحاد الاوروبي تعتمد على روسيا في تأمين الطاقة، وأنه يمثل الخطر للشركات الأوروبية، وينتج عنه خسارة السمعة والعقوبات التي ستكون مرتبطة به. فهناك عدة شركات مساهمة في هذا المشروع بجانب شركة غازبروم الروسية التي وقعت اتفاقات تمويل مع شركتي «فينترشال» و«أونيبر» الألمانيتين وكذلك شركة «شل» الهولندية-البريطانية وشركة «إنجي» من فرنسا ومجموعة «أو إم في» من النمسا.
الاتهامات الأمريكية لألمانيا مستمرة كنوع من الضغوطات على هذه الدولة، فيما ترى ألمانيا أنه لا يمكن لأمريكا خارج حدودها تطبيق قوانينها على الآخرين، حيث تعتقد أن محاولات أمريكا بانتقاد هذا المشروع وتعارضها يأتي لأسباب تجارية، لأنها تفضل تسويق صادراتها من الغاز إلى أوروبا. والأخبار القادمة تشير إلى أن مجموعة (أو.إم.في) النمساوية للنفط والغاز أعلنت مؤخرا بأن ما يقرب من 25% من خط أنابيب غاز«نورد ستريم 2» جاهز للعمل.
نقول إنه في مثل هذه المشاريع الضخمة والحساسة هناك صراع دائم من أجل المصالح التجارية للدول الكبرى، ولكن المتغير في هذا الموضوع هو وجود روسيا من جهة، وألمانيا من جهة أخرى، الأمر الذي لا يمكن من خلاله إصدار أية قوانين أو اتخاذ إجراءات مضادة تجاههما، وتصعيد مزيد من الصراعات السياسية والاقتصادية الضارة للعالم والاقتصاد العالمي الذي يمر بمحن اقتصادية. فالمصالح التجارية تبحث دائما عن المخارج المناسبة لاستمرار الناس والشركات في تعاملاتهم اليومية، وهذا ما بُني عليه خط الغاز «نورد ستريم 2» الذي من المؤكد أن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي سوف تنتفع منه في أعمالها الصناعية، في الوقت الذي يفتح فيه هذا المشروع الباب لدول أخرى بالمنطقة لفتح خطوط غاز ثانية إلى أوروبا في حال توقف الصراعات العسكرية بدول الشرق الأوسط.