Image Not Found

إعادة نشاط القطاع الزراعي السوري

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان

[email protected]

بالرغم من الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي والحيواني في سوريا خلال السنوات الثماني الماضية نتيجة للحرب التي فُرضت عليها، ونزوح الفلاحين والمزارعين عن مقارهم بعد استيلاء الإرهابيين عليها، إلا أن الأمور بدأت تعود إلى نصابها لتصبح سوريا اليوم بلدا تفيض فيها المزروعات من الخضروات والفواكه والمنتجات الزراعية الأخرى.

هذا ما يمكن استخلاصه من حديث معالي المهندس أحمد القادري وزير الزراعة والاصلاح الزراعي السوري أثناء لقائه بالوفد التجاري العماني الذي زار سوريا مؤخرا. فخلال السنوات الماضية تضررت الكثير من المؤسسات الزراعية والحيوانية السورية من جراء الحرب، من بينها مراكز الحبوب والمصارف الزراعية والأسمدة وغيرها من المراكز والمعامل التي تهتم بالقطاع الزراعي والحيواني.

والكل يتذكر بأن المنتجات الزراعية السورية كانت تصل إلى السلطنة وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي بصورة يومية، إلا أنه نتيجة للحرب توقفت هذه المنتجات، وكان لذلك تأثير سلبي كبير على عدد من التجار والمزارعين في كل من سوريا ولبنان ودول المنطقة أيضا، الأمر الذي أدى أحيانا إلى ارتفاع قيم هذه المنتجات في الأسواق المحلية.

وبالرجوع إلى الوراء نجد أن سوريا كانت دولة مستوردة للمنتجات الزراعية قبل عدة عقود مضت – كما أشار الوزير السوري في حديثه – إلا أنها توسعت كثيرا في العمل بالمشاريع الزراعية وخصصت الدعم للقطاع الزراعي والحيواني من خلال تقديم القروض للمشاريع الزراعية والحيوانية، الأمر الذي أدى إلى أن تصبح في ظرف سنوات دولة تتميز بالوفرة بعدما كانت دولة الندرة، وهذا يعود إلى اتجاهها الممنهج للبحث العلمي خلال السنوات (2000 إلى 2011)، حيث ساعد ذلك على قيام النهضة الزراعية التي استمرت حينها، وتوقفت بسبب الظروف التي مرت بها سوريا خلال الحرب الأخيرة، لتصل اليوم مرة أخرى إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.

الحرب الأخيرة على سوريا استهدفت الكثير من المشاريع ومنها مشاريع البنية الأساسية التي أقيمت لقطاعات الزراعة تعود بعضها إلى 40 عاما مضت وبصورة ممنهجة – وفق حديث وزير الزراعة السوري- بجانب قيام المخرّبين بسرقة المعامل والمصانع الزراعية، في الوقت الذي كانت سوريا تعتمد على الاقتصاد الزراعي في تلك المشاريع. فقد أدى الوضع الأمني في سوريا نتيجة للحرب على الأحياء السكنية في بعض أرياف المحافظات السورية التي تتميز ومعروفة بالزراعة إلى حصول نزوح للفلاحين منها لتصبح تلك الأراضي «بورًا»، وبالتالي توقفت المؤسسات الزراعية عن العمل وتراجع الإنتاج يوما بعد يوم. وهذا في حد ذاته شكّل تحديا كبيرا للكثير من المواطنين. بينما بقي الكثير من الأراضي السورية دون زراعة لسنوات نظرًا لوقوعها على خطوط النار، كما تعرض عشرات الفلاحين لعمليات القنص خلال عملهم في جني المحصول الزراعي، بجانب من لقي حتفه بسبب انتشار الألغام في بعض الأراضي التي تتبع لعشرات الفلاحين خلال زراعة حقولهم.

ومن هذا المنطلق بدأت سوريا خلال الآونة الأخيرة بإعطاء أولويتها للزراعة والصناعة مرة أخرى، حيث تم خلال السنوات الماضية إعادة ترميم المنشآت التي تضررت من ذلك، مع إعطاء الأولوية للثروة الحيوانية من خلال إحداث 3 مراكز حيوانية، بجانب تشجيع المنتجات الحيوانية من الدواجن وغيرها، فيما تتسارع هذه المشاريع لبناء المستقبل.

ولا ينكر المرء بأن القطاع الزراعي السوري ما زال يشكّل أحد مقومات الصمود الشعبي وكان له دور كبير في عملية تموين الجيش والمدافعين عن الوطن، إلا أنه نتيجة للحصار الذي يعاني منه قطاع التصدير، فإن القطاع الزراعي يعاني اليوم من مشكلة الفائض، الأمر الذي يدفع سوريا إلى تصدير هذه المنتجات إلى بعض الدول الشقيقة والصديقة ومنها السلطنة بطريقة أو بأخرى. وفي هذا يأمل السوريون إحداث مزيد من التبادل التجاري بين البلدين في السنوات المقبلة. فسوريا اليوم تصدّر العديد من منتجاتها الزراعية إلى روسيا، وعليها إقبال هناك، فيما تأمل بأن تعزّز علاقاتها مع كافة دول المنطقة، وخاصة السلطنة نتيجة لمواقفها في الحرب الأخيرة.

إن المشاريع الزراعية السورية لها تجربة كبيرة في تحقيق الأمن الغذائي بعدما كانت سوريا من الدول المستوردة لها، لتصبح اليوم من الدول المصدرة للمنتجات الزراعية. وتعمل على الاستفادة من تجارب الآخرين، فيما تحرص على دعوة الدول للاستثمار في المشاريع الصناعية التي تقام هنا لمختلف الأغراض. وهناك الكثير من التجارب السورية في مجال الزراعة من خلال ممارسة الطرق الجيدة ومنها زراعة الزيتون، لتصبح سوريا اليوم رابع دولة في زراعة وإنتاج هذا المحصول الهام، في الوقت الذي تعمل فيه على تعريف المزارعين بهذا المنتج لزيادة محصولهم الزراعي من الزيتون، كما تعمل على توفير المشاتل لبعض المنتجات الزراعية الأخرى لدعم المزارعين وتعزيز إنتاجهم الزراعي، بجانب قيام الحكومة السورية بشراء كامل منتجات المزارعين لبعض المنتجات، وبسعر أكثر من السعر العالمي بهدف دعمهم، الأمر الذي أدى إلى زيادة المحصول الزراعي لتلك المنتجات، وكان لها تأثير مجمل على الاقتصاد السوري كما بينّه الوزير السوري.

وبجانب ذلك أسست الحكومة السورية هيئة للثروة السمكية لزيادة الإنتاج السمكي من خلال (زراعة الإسماك) في مزارع شاطئية، وبالتعاون مع منظمة الفاو بعد قيامها بعمل دراسات في هذا الجانب، إلا أن سوريا مستمرة في استيراد الأسماك ومنها الأسماك العمانية، وتعمل على التقليل من ذلك من خلال تأسيس المشاريع في هذا الجانب. وفي هذا الأمر- يرى الوزير السوري إيجاد مزيد من التعاون مع السلطنة نظرا للعلاقات القائمة بينهما باعتبار أن التجربة العمانية كبيرة ومتميزة في هذا الجانب، الأمر الذي يمكن تعزيزه مستقبلا، بالإضافة إلى الاستفادة من التمور العمانية في ضوء النقص الحاصل من هذا المنتج.
سوريا اليوم تعمل على تحديث التشريعات وتقديم مزيد من الضمانات القانونية والإعفاءات في مجال القطاعات الصناعية والإنتاجية في الوقت الذي تستعد فيه للإعلان عن القانون الجديد خلال الفترة المقبلة. وهناك اليوم عدة دول أجنبية تستورد المنتج السوري «زيت الزيتون» والذي يدخل في بعض الصناعات ومنتجات تلك الدول مثل ايطاليا وأسبانيا وحتى تركيا وغيرها من الدول الآسيوية بحيث يبلغ عدد تلك الدول المستوردة لهذا المنتج 22 دولة. وسوريا – كما أبدى الوزير- ترحب بالتعاون في مجال إنشاء مصانع لزيت الزيتون في السلطنة وبمشاركة سورية، مع العمل على مواجهة الصعوبات في عملية تحويل العملة او من خلال المقايضة مثلما هو حاصل مع بعض الدول.

إن الاهتمام الذي أبدته الحكومة السورية تجاه الفلاحين والمزارعين أدى إلى اهتمام هؤلاء بأراضيهم والرجوع إليها مرة أخرى، وذلك من خلال برامج التنمية الريفية وتوفير الكهرباء والمياه ودعم المدخلات والمخرجات الزراعية لهم، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة الإيراد من العمل الزراعي، ودفعتهم الظروف للرجوع، وتحوّلت اتجاهاتهم من المدينة للريف للعمل في أراضيهم، وبالتالي رجعت الثقة في العمل الزراعي، وانعكس ذلك على الهجرة المضادة. كما أن المرأة الريفية تقوم اليوم بالعديد من الأعمال الزراعية وإدارة أفراد الأسرة والحقول الزراعية بسبب غياب رب الأسرة بسبب الحرب. كما أصبحت الأيدي العاملة السورية تعمل اليوم في هذه الحقول، في الوقت الذي تشجع فيه الحكومة الزراعات الأسرية المحلقة بالمنازل لـ 20 مترا وصاعدا لتتمكن تلك الأسر من عملية الإنتاج الزراعي والاستفادة منه وبيع الفائض للآخرين. كما أن نفس هذه الفكرة بدأت تطبيقها في مجال الأسماك بحيث يمكن للذين يمتلكون أحواضا لزراعة الأسماك زيادة محصولهم من الإنتاج وبيع الفائض، حيث لاقت هذه الفكرة نجاحا من المرأة أيضا خاصة تلك التي استشهد زوجها أو رب الأسرة نتيجة لتلك الحرب العبثية.