مرتضى بن حسن بن علي – الرؤية
بدأ تطبيق برنامج التعمين في العام 1988، بعد أن وصل عدد القوى العاملة الوافدة إلى نحو 816 ألف وافد؛ وذلك بهدف تعزيز مشاركة القوى العاملة الوطنية، وتمكينها من سوق العمل، وكبح نمو أعداد العمالة الوافدة. ولكن كان مُحتَّما أن تؤدي إقامة المشاريع الحكومية الكبرى -والتي ترافقت مع الزيادات في أسعار النفط- إلى زيادة الطلب بصورة مكثفة على العمالة الوافدة، وفي تضاد مع السياسات المعلنة الهادفة لكبح نمو أعدادها.
وبدلًا من استعمال الأتمتة والأدوات الحديثة لتقليل الاعتماد على العنصر البشري لصالح إيجاد الطلب على عمالة ذات مهارات عالية وإنتاجية كبيرة، لكن بأعداد أقل كثيرا؛ فقد تم الاعتماد على العمالة الوافدة الكثيفة، ذات المستويات التعليمية والتدريبية والمهارية المنخفضة، لكنها مستعدة للعمل بأجور منخفضة، والتي هي الآن أقل من الحدود الدُّنيا للأجور للمواطنين في القطاع الخاص، والعمل في ظروف صعبة وفي مناطق نائية والعمل أيَّام الإجازات.
وحسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن نحو 90% من جملة القوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص تتراوح مستوياتها التعليمية بين الثانوية العامة فما دون، و80% فقط هي في المستويات التعليمية دبلوم وجامعي فما فوق.
وبعد الزيادات الكبيرة في أعداد القوى العاملة الوافدة، كان محتَّما أن تتأثر نسب التعمين التي تم وضعها عبر السنين الماضية، والمطلوب تحقيقها حاليًا، لقد انتهى دورها ولَم تعُد قادرة على التطبيق أو الاستدامة. وبغض النظر عن مؤهلات ومهارات الباحثين عن عمل أو أماكن تواجدهم؛ فلا توجد هناك أعداد كافية من الباحثين عن عمل من العمانيين لتحقيق نسب التعمين المطلوبة، لقد بدأت أعداد الوافدين بالزيادة المضطردة عاما بعد عام، منذ نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، وقفزت من عدد 817 ألفا في العام 1988م، إلى عدد 1.343 مليون في العام 2012م، وواصلت صعودها إلى أن وصلت إلى عدد 1.832 مليون في العام 2017م، قبل ان تبدأ بالانخفاض في العام 2018م بسبب توقف معظم المشاريع الحكومية. وكان محتما أن تنخفض نسب التعمين بسبب تلك الزيادة الكبيرة عاما بعد عام، دون أن نأخذ تلك التطورات المهمة بعين الاعتبار، على الرغم من أنَّ أعداد العمانيين بالأعداد المطلقة في القطاع الخاص كانت تشهد زيادة مستمرة. وفِي الوقت الذي استهدفت فيه رؤية 2020 أن تصل نسبة التعمين في القطاع الخاص إلى 75% في العام 2020م؛ وذلك باتباع طرق وسياسات وإستراتيجيات تنموية وتعليمية وتدريبية واقتصادية محددة، فإنَّ نسبة التعمين الإجمالية انخفضت من 18.5% في العام 2003م إلى نسبة 12.5% في العام 2018م. نسب التعمين المطلوب تحقيقها كانت تزداد بشكل مُطرد، وتصبح أكثر صرامة، مع الزيادات الكبيرة في العمالة الوافدة. وقد أدَّى كل ذلك إلى زيادة الضغوط على وزارة القوى العاملة، وهي ضغوط -في اعتقادي- لم تكن تنسجم مع المنطق والواقع؛ لأنَّ الوزارة ليس دورها خلق الوظائف، بقدر ما هو تنظيم سوق العمل، وهو دور من الصعب تحقيقه بغياب التنسيق والتعاون مع الجهات الأخرى. وكنتيجة طبيعية لذلك، أصبح كل من الوزارة والقطاع الخاص في مهمة مستحيلة لتطبيق نسب التعمين المطلوبة.
على سبيل المثال: إذا أخذنا القطاعات السبعة التالية فقط ونقارن بين نسب التعمين المتحققة ونسب التعمين المطلوبة في العام 2018م، لرأينا استحالة تحقيق المهمة. وفي الوقت الذي بلغ فيه إجمالي أعداد الباحثين عن عمل في نهاية العام 2018م عدد 45711 شخصا في جميع أنحاء عُمان، كان المطلوب تعيين 543000 شخص للوصول إلى نسب التعمين المقررة. وبمعنى آخر، كان المطلوب تعيين نحو عشرة أضعاف إجمالي عدد الباحثين عن عمل في 7 قطاعات فقط. والقطاعات السبعة هي: قطاع النقل والمواصلات، وقطاع الصناعة، وقطاع الزراعة والثروة السمكية، وقطاع الإنشاءات، وقطاع السفر والسياحة، وقطاع البيع والتوزيع، وقطاع السيارات.
وفِي الحقيقية إذا نظرنا إلى أي قطاع من القطاعات التالية بمفرده، ووجهنا كل جهودنا لتطبيق نسب التعمين، بغض النظر عن مؤهلات الباحث عن عمل وجنسه ومنطقته، سوف نرى استحالة تطبيق النسب المقررة المعلنة، إضافة إلى أنَّ العديد من هذه المهن لا يريد المواطن أن يعمل بها:
1- قطاع الصناعة: من أجل تطبيق نسبة التعمين المقررة، فإن القطاع كان بحاجة إلى عدد 64107 عاملا عمانيا، علما بأن إجمالي الباحثين عن عمل بلغ في نهاية العام 2018م عدد 45711.
2- قطاع الإنشاءات: من أجل تطبيق نسب التعمين المقررة؛ فإن القطاع كان بحاجة إلى تعيين عدد 167000 عامل إضافي.
3- قطاع البيع والتجزئة: من أجل تطبيق نسب التعمين المطلوبة والبالغة نسبة 65% في نهاية العام 2018؛ فإنَّ هذا القطاع وحده كان يحتاج إلى نحو 99 ألف عامل عماني.
من جهة أخرى، وكما تم ذكره، فإنَّ تحليل الأرقام يُبين أن من مجموع الباحثين عن عمل في نهاية شهر نوفمبر 2018، والبالغ 45711، فإن غالبية الباحثين عن عمل هم من سكان المناطق والذين بلغت نسبتهم 87.5% من مجموع الباحثين عن عمل في نهاية العام 2018م، بينما بلغت النسبة المقارنة في محافظة مسقط نسبة 12.5% فقط، وبلغت نسبة الباحثين عن عمل في محافظتي الباطنة جنوب وشمال فقط نحو 14627 أي بنسبة بلغت نحو 32% من مجموع الباحثين عن عمل في تلك السنة.
وبطبيعة الحال، فإنَّ مشكلة الباحثين عن عمل الآن أو مستقبلا، لا يكون علاجها بخلق وظائف حكومية غير منتجة، تضاف إلى العدد الهائل من الموظفين في القطاع الحكومي، وتزيد العجز في المالية العامة للدولة. لقد ارتفعت تكلفة الرواتب والأجور في القطاع الحكومي منذ العام 2010م بنحو 135%؛ حيث قفزت من 2.6 مليار ريال عماني في العام 2010م إلى 6.1 مليار ريال عماني في نهاية 2018م، وهو رقم كبير ويمثل الجزء الأكبر من العجز السنوي في ميزانية الدولة.
وحلُّ مشكلة الباحثين عن عمل يكمُن في تنويع مصادر الدخل القومي وزيادة معدلات نموه وزيادة إنتاجيته، وتطوير مستويات التعليم والتدريب بصورة جذرية، وخلق بيئة صديقة لتدفق الاستثمارات، وإزالة العوائق أمامها.. قضية الباحثين عن عمل هي جوهر التنمية النوعية الشاملة، وليس هناك علاج جزئي لعلاج مشكلة الباحثين عن عمل بعيدا عن معالجة قضية التنمية.
وتنمية الموارد البشرية ذات أبعاد أربعة:
1- هي عملية تعليمية يُسهم فيها التعليم العام الجيد والمتطور بوضع حجر الأساس من حيث صقل شخصية الفرد وتزويده بالأسس العلمية المطلوبة.
2- هي ثانيا عملية تدريبية فنية يتم من خلالها تأطير نشاط الأفراد ضمن قدرات عملية متخصصة، يسهمون في الإنتاج مساهمة مباشرة.
3- كما أنها ثالثا عملية تنظيمية إدارية يتم فيها تأهيل الأفراد لإدارة وتنفيذ نشاط التنموي بجوانبه المختلفة.
4- وهي رابعًا مسألة سلوكية تهدف للتأثير في السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والثقافة للأفراد وتنمية القيم الجديدة المطلوبة التي تجعل نشاطهم في إنتاج السلع والخدمات متلائما مع ما هو المطلوب.
والوصول إلى هذه الأبعاد الأربعة، وتحقيق الأهداف المرجوة من خلالها، لا يتم إلا في إطار بيئي-تعليمي-اجتماعي مناسب لكي تأخذ عملية تنمية الموارد البشرية أبعادها بشكل واقعي منسجم مع أهداف التنمية المستدامة.