Image Not Found

المؤسسات العربية والتدقيق الداخلي

د. حيدر اللواتي – لوسيل

أحد أسباب فشل الكثير من أنشطة المؤسسات العربية والشركات الحكومية التابعة لها تُعزى إلى قلة الاهتمام بالتدقيق الداخلي المطلوب القيام به بصورة جذرية في إداراتها، الأمر الذي يؤدي إلى فشل تلك المؤسسات في أداء واجبها وفق منظمة العمل الداخلي والخارجي. فغياب التدقيق الداخلي يؤدي أيضا إلى تفشي الرشوة والفساد والمحسوبية والاختلال بأنظمة العمل اليومي، وهضم حقوق بعض الموظفين على حساب مصلحة موظفين آخرين، وبالتالي تفقد المؤسسات الكثير من الموارد البشرية والمالية الكفؤة، وتسجّل خسائر سنوية على حساب مصلحة بعض المستفيدين والمتعاملين داخل وخارج تلك المؤسسات.

فالتدقيق الداخلي لا يعني فقط المحافظة على القوانين والأمور المالية والإدارية للمؤسسات سواء كانت تابعة للحكومات أو مؤسسات القطاع الخاص فحسب، بل إن ذلك يؤدي إلى تطوير ورفع أداء العاملين بها. بجانب ذلك، فإن التدقيق الداخلي يعطى للمسؤولين والقائمين عليها ولمجالس الإدارات التأكيد على أن هناك تطبيقا واضحا للسياسات التي تم اعتمادها في إطار مسؤوليات واختصاصات الموظفين والعاملين، وكيفية إدارة الأعمال وفق ما ورد في الهيكل التنظيمي لتلك المؤسسات، الأمر الذي يساعدها على تحسين إدارة الموارد والمحافظة على أصولها وتنميتها وفق النظم والسياسات المرسومة لها.

فالتدقيق الداخلي لا يبحث عن الأخطاء والممارسات الخاطئة للموظفين والمتعاملين مع المؤسسات والأشخاص فحسب، بل يعمل على إضافة قيمة الأعمال وأنشطة المؤسسات داخليا وخارجيا، الأمر الذي يساعدها في تحقيق المزيد من الأهداف دون مشاكل وتحديات.

لقد أصبح من الضرورة العناية بقضايا التدقيق الداخلي حيث إنها تمثّل نشاطا مستقلاً وموضوعياً للمؤسسات، وهدفها تقديم تأكيدات وخدمات استشارية لها بهدف تحسين ظروف العاملين وتنمية مواردها، بجانب تحسين العمليات اليومية للمؤسسات من خلال اتباع أساليب منهجية منظمة وفعالة تتسم بالحوكمة والرقابة والمتابعة للبنود التي تعمل من خلالها المؤسسات في مجال إدارة المخاطر والرقابة.

واليوم فإن وسائل التقنيات والمعلومات الحديثة أصبحت تساعد تلك الموسسات وهي متاحة للجميع لتطوير أدائهم وبسرعة أكبر وبدقة متناهية من خلال المدقق الداخلي، وبمعالجة البيانات المحاسبية من خلال برامج ونظم المعالجة الإلكترونية الحديثة، الأمر الذي يمكّن المدقّق من أداء عمله في مجال التدقيق بمهنية وحرفية تامة.

ولأجل تحقيق مزيد من الأداء فإنه من الضرورة لإدارات التدقيق الداخلي أن تتوفر لها الموارد البشرية المتخصصة في العلوم المالية والأجهزة والوسائل المطلوبة ليتمكن المدقق العمل بكل كفاءة، حيث إن عدم توفير ذلك سوف يؤثر بشكل سلبي على جودة وكفاءة مهنة التدقيق ودورها في تقديم الحلول والمعالجات من أجل تطوير العمل ومكافحة حالات الفساد في المؤسسات.

ومن هذا المنطلق، نرى أن الدول العربية تأتي في ذيل المؤشرات التي تعنى بمكافحة الفساد نتيجة لغياب التدقيق الداخلي والخارجي على المؤسسات والشركات الحكومية، وبالتالي تسبب في إفشال خطط التنمية المستدامة. والأرقام التي تتحدث عن الفساد في الوطن العربي تشير إلى أن كلفة الفساد تبلغ حوالي 3% من الناتج المحلي، وتقدر بـ 90 مليار دولار سنويا. وهذه الأموال (المسروقة) بلا شك تدخل في حسابات وجيوب المسؤولين ومن يتعامل معهم الأمر الذي يؤكد ضرورة توفير إدارات كفؤة للتدقيق الداخلي في المؤسسات، مع ضرورة توفير قواعد الديمقراطية والتداول السلمي للسلطات في الوطن العربي.