د. حيدر اللواتي – لوسيل
هل شركة توماس كوك إحدى ضحايا سياسات البريكست بسبب التجاذبات التي تشهدها بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوروبي أم هناك أسباب أخرى؟ وهل هناك صعوبات قادمة سوف يواجهها الاقتصاد البريطاني خلال المرحلة المقبلة؟ هذه الأسئلة تطرح من قبل الذين يتابعون هذه القضية، إلا أن هذه الشركة القديمة في مجال السفر في العالم والتي تم تأسيسها في عام 1841 – وإعلانها عن الإفلاس جاء نتيجة لعدة اعتبارات منها تراجع أرباحها على المستوى العالمي نتيجة للاضطرابات السياسية في بعض المقاصد السياحية في العالم ومنها بعض دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الأسباب البيئية التي تتمثل في الموجة الحارة التي عصفت بالعالم ومنها أوروبا، ناهيك عن تراجع وتأخير عملائها في حجز رحلات إجازاتهم إلى العالم بسبب عزم بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. فمسؤولو الشركة يلقون باللوم على بريكست الذي تسبب بإغراق ميزانية الشركة، وتكبدها الخسائر بسبب عدم معرفة السياح بما سيؤول إليه ملف الخروج من الاتحاد الأوروبى.
كما أن إقبال العالم على استخدام البطاقات الائتمانية للمصارف العالمية وسهولة حجز الفنادق والخدمات اللوجستية عبر التطبيقات الإلكترونية الجديدة شكلّت معضلة لهذه الشركة لدى السياح في عدة دول، الأمر الذي قللّ من الإقبال على منتجات هذه الشركة العريقة.
في منطقتنا الخليجية يعرف الكثير من التجار ورجال الأعمال منتجات هذه الشركة، حيث كانوا يعتمدون عليها في تنقلاتهم وسفرهم في أنحاء العالم قبل أن تبدأ البنوك الأوروبية في طرح منتجاتها الائتمانية المصرفية من أجل السفر والسياحة، وقبل بدء الثورة التكنولوجية الرابعة.
مشكلة توماس كوك وإعلان إفلاسها جاء نتيجة فشلها في جمع الأموال اللازمة للإبقاء على مجموعتها، وعدم نجاحها في المناقشات والاتفاق بين المساهمين والممولين الجدد المحتملين نتيجة لحاجتها إلى 900 مليون جنيه إسترليني لإعادة تمويل أنشطتها، الأمر الذي أدى بها للدخول في التصفية الإلزامية وبشكل فورى.
لا شك أن الكثير من الدول السياحية سوف تتأثر من ذلك بجانب عملاء الشركة، فعلى سبيل المثال فإن تركيا سوف تفقد 70 ألف سائح سنويا، فيما تفقد مصر 25 ألف سائح، ناهيك عن الدول الأخرى كقبرص واليونان وغيرها، وبالتالي سوف تتأثر أيضا شركات الطيران والحجوزات في الفنادق العالمية، بالإضافة إلى شركات التأمين والحكومات خاصة في إعادة نحو 600 ألف مسافر إلى دولهم من مختلف القارات منهم 155 ألف بريطاني يتواجدون في العالم لقضاء عطلاتهم السنوية نتيجة لإلغاء كل حجوزات السفر التي تمت عبرهذه الشركة.
إن انهيار الشركة جاء بعد فشل مفاوضاتها في اللحظة الأخيرة التي هدفت إلى إنقاذها من الإفلاس. ومعظم العملاء سوف يسعون لاحقا في الحصول على التعويضات من شركات التأمين أيضا، فهذه الشركة تخدم حوالي 19 مليون عميل سنويا في العالم، فيما سيواجه العديد من موظفيها مشاكل عمل نتيجة لوجود 22 ألف موظف يعملون لدى الشركة حول العالم.
المنافسة التي واجهتها شركة توماس كوك في السنوات الأخيرة من المواقع الإلكترونية في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة بجانب الأسباب سالفة الذكر هي التي أدت إلى انهيار الشركة، الأمر الذي يؤكد بأن التقينات التكنولوجية الحديثة سوف تطيح بالعديد من المؤسسات الأخرى، وتؤسس بدلا منها مؤسسات جديدة.