محمد بن رضا اللواتي – الرؤية
مع إطلالة العام الدراسي الجديد، واكبَ الحدث مجموعة من المقالات المتنوعة التي تناولت التعليم وأهميته وضرورة تطويره، ولعله من الضروري أن يتم التطرق إلى البُعد النفسي في التعليم وأهميته لصناعة الإبداع والذكاء في الطفل.
وأولى المسائل في هذا الإطار تتعلق بحجم الاحترام الذي تمنحه المدارس لشخصية الطفل. ففي الماضي، كان الضرب أقوى أدوات التعليم في عدد كبير من الدول العربية، فإبداء العجز عن الفهم كان ممنوعًا ويُجابه بالضرب! تماماً كالغياب والتأخر والخروج المُبكر دون إذن. ورغم أن العصي التي كانت تُستخدم سابقاً قد غابت، إلا أنَّ الذي لم يغب عن مجموعة من المدارس، سواء الحكومية منها أو الخاصة، التعامل مع الطفل بروحية العصا في اليد. هذه الروحية تتمثل في نظرات الازدراء أو عدم احترام الطفل، بحيث إن السلوك الذي يظهره أؤلئك المعلمين أو المعلمات يتمثل في الكلمات من قبيل “لا” و “ممنوع” و”ارجع” و”أنت غلطان” و “من سمح لك” و”كيف تتجرأ” وأمثالها من الكلمات.
أخبرني زميل، بأنَّه وعندما كان طفله في السنة الدراسية الرابعة، حضر اجتماع أولياء الأمور في اليوم الأول منه، في مدرسة من المدارس الخاصة، فبدأ مدير المدرسة بالترحيب بالحاضرين، ثم عرض المبدأ الذي تعتمده المدرسة، موجزه أن الطفل الذي يأتي من بيته إلى المدرسة، رباه والداه على أن يكون مُحترَمًا، لذا فإن هذه المدرسة أول ما تنظر في الطفل هي شخصيته التي لابُد وأن تُحترم، وبناءً عليه فإنَّ كل أسلوب في التعامل معه لا ينم عن وجود احترام له من قبل كادر التعليم يُعد مخالفة صريحة من الكادر لمبادئ المدرسة.
يقول هذا الزميل بأن ولده كان يعشق معلميه وكوَّن معهم صداقات، وعندما نقله إلى مدرسة خاصة أخرى نظرًا لأنَّ مدرسته الحالية لم تكن تستقبل طلبات الصفوف ما بعد الرابع، وحضر أول اجتماع لأولياء الأمور بمدرسة طفله الجديدة، وجد أنَّ مديرة المدرسة وبعد الترحيب، تلت على مسامع أولياء الأمور عددا كبيرا من الممنوعات والمحظورات، فالخروج من الصف بين الدروس ممنوع، والقدوم إلى الاستقبال ممنوع، ونسيان الزي المدرس الموحد ممنوع تحت أي ظرف كان، وإظهار الاختلاف في الرأي مع المُعلم ممنوع!
يأتي الطفل إلى المدرسة بشخصية صُنعت بنحو ما في منزله، ويصحب معه مجموعة من القدرات المتميزة، إلا أنها تتعرض للوأد حينما لا يجد احتراماً له من قبل مدرسيه. لا تزال بعض المعلمات يقمن برمي كتاب الطفل على الأرض إن وجدنه لم يتم تجليده! وإن اعتذر بأن والدته غير مقتنعة بضرورة التجليد هذه، لا تتحرج المعلمة من أن تقول له: ومن هي أمك حتى تعترض؟ بل إن مبدأ “العقاب الجماعي” لا يزال مطبقاً في بعض المدارس وحتى الخاصة منها، أو حبس الأطفال في الصف وقت فسحة الأكل تأديباً لهم جميعاً لخطأ يرتكبه واحد منهم!
لنا أن نتعجب في أن وجود هذا المنحى من التعامل مع الطفل لا يزال مُكدسا في صفوف مجموعة من المدارس. لا تزال غُرف العلاج في بعض المدارس تُكذب كل طفل يأتي إليها وهو يُعاني من صداع أو ألم في الحنجرة، فمبدأ عدم تصديق الطفل في شكواه ومحاولة إقناعه بأنَّه يهذي وعليه الرجوع إلى مقعده في الصف هو المطبق فيها!
بعض هذه المدارس لا تمانع أن يرفع الطفل على ظهره حقيبته الثقيلة التي تؤلم كاهله، على ألا يصطحب معه حقيبة جر، حتى لا تظهر آثار العجلات على أرض المدرسة! إن آثار جر شنط السفر الثقيلة لا تظهر على أرضيات المطار الرقيقة، وإذا بعجلات جر حقيبة مدرسية ستؤدي بأرضية مدرسة إلى التصدع!
ربما آن الأوان أن تتم مراجعة شروط تلقي طلبات فتح مدرسة، فتكون الكشف عن شخصيات أصحاب الطلب وأنماط توجهاتهم التربوية من أهم الشروط، كما أنَّه قد يكون أوان مراجعة أنماط مديري المدارس والكادر التعليمي قد آن كذلك. في بعض الدول المتقدمة، ينادون الطفل ليُحدثهم عن سلوك أمه المتقدمة لطلب وظيفة تعليم الأطفال. لسنا نُنادي بهكذا طفرة، ولكن حماية شخصية الطفل من التدهور نراها مطلبا يستحق سن قانون تربوي مُلزم للجميع!