محمد بن رضا اللواتي – الرؤية
-1-
هل أطفال العالم حقا في مرمى هوليوود؟!
يُثار هذا السؤال هذه الأيام وتتداوله الأوساط التربوية والثقافية نظرا لأن “والت ديزني” قد أعلنت مؤخرا أنّ النسخة الثانية من فيلمها من نوع الرسوم المتحركة وعنوانه “Frozen ” والموجه للأطفال سوف يقدم فيه بطلته بصفتها مُحبة للمثلية! وقد كانت النسخة الأولى من هذا الفيلم قد حصدت 1.072 مليار دولار لتكون على رأس قائمة أفلام الرسوم المتحركة للأطفال الأكثر حصدا للأرباح في العالم.
لقد هيمن تأثير الفيلم على أطفال العالم شرقا وغربا حتى بات عدد هائل منهم يقتنون دُمى لشخصياتها، وها هم يستعدون لتلقي صعقة أخلاقية إذ أنّ محبوبتهم بطلة الفيلم في النسخة الأولى تعود إليهم وهي متعلقة جنسيا بمثيلتها!
بحُجة دعم هذه الفئة من المجتمع، لم تتوان “ديزني” من أن تصمم فيلما يصور الزواج المثلي حقا من الحقوق.. لم تتوان إمبراطورية الصوت والصورة الكُبرى عن تكريس هذا المفهوم حتى بين الأطفال!
ولكن ما الذي يدعوها إلى اختيار عالم الطفولة البريء تحديدًا لتبث فيه هذا اللون السيء من الأفكار؟
وإلا فإنّ أخوات “والت ديزني” بنات هوليوود الأخرى بثت في العديد من الحلقات من مجموعة “الفتاة الخارقة” مفهوم الزواج المثلي وقدمته لذوي السن 12 ، ولكن يبدو أنّ ذلك لم يكن كافيا، وعلى الأطفال في الأعمار 5 أيضا أن يتعرفوا على اللون من الشذوذ باعتباره حقا طبيعيا في بلد يمتهن الحُريات، في الوقت الذي تعمل آلته الحربية على قمعها ولو بإحراق الحرث والنسل.
ولنعد إلى السؤال السابق: لماذا هذا الإصرار على إقحام هذا الشذوذ في الفكر الطفولي البريء؟
ربما استدعى البحث عن الجواب معرفة ما هوليوود، ومن يملكها، وما أهدافها وما مصادر قوتها.
ولحُسن الحظ، فإنّ العدد 11 من مجلة “الاستغراب” كان قد سبق إعلان “والت ديزني” السيء ذاك إذ خصص للتحقيق في “إمبراطورية الصوت والصورة والصدى” وتضمن مجموعة من البحوث القيّمة التي تستطيع أن تجيب عن أسئلتنا تلك.
ففي بحث للكاتب “حيدر محمد الكعبي” بعنوان “إمبريالية الفن السابع، مجتمعنا في مرمى هوليوود” قدم تحقيقا يوضح لنا أنّ هوليوود تتألف من مجموعة من كُبرى شركات صناعة الأفلام في العالم، كل واحدة منها إمبراطورية من النفوذ بحد ذاتها، جميعها مملوكة من قبل “اللوبي اليهودي”.
فلقد نقل الباحث المشار إليه عن الدكتور “فؤاد بن سيد الرفاعي” في كتابه “النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية” قوله أنّ اليهود يسيطرون “سيطرة تامة على شركات الإنتاج السينمائي”، فشركة “فوكس” يمتلكها اليهودي “وليام فوكس”، وشركة “غولدين” يمتلكها اليهودي “صموئيل غولدين” وشركة “ميترو” يمتلكها اليهودي “لويس ماير” وشركة “الأخوان وارنر” يمتلكها اليهودي “هارني وارنر” وإخوانه، وشركة “برامونت” يمتلكها اليهودي “هودكنسون”، و”أمريكا أون لاين” هي في قبضة اليهودي “جيرالد ليفين”، و”فياكوم” هي لليهودي “سومنر ريدستون”، و”يونيفرسال استديوز” لليهودي “ادغار برونفمان”، ومجموعة شركات “فوكس” لليهودي “روبرت مردوخ”، وهذا الأخير بحسب بحث “أحمد عبد الحليم عطية” بعنوان “الميديا متلاعبا بالعقول” ملقب “بملك الميديا” نظرا لامتلاكه لشبكة من الفضائيات والإذاعات وكبريات الصحف والمجلات التي تؤثر في الرأي العام وتشكله حتى في البلدان الأوروبية؛ وتحديدا إنجلترا.
ولعلّ أبلغ ما قيل في وصف السيطرة الصهيونية في مجال صناعة السينما الأمريكية ما ساقه “الكعبي” عن مقال نشرته صحيفة “الأخبار المسيحية الحرة” قالت فيه بأنّ صناعة السينما في أمريكا “يهودية بالمرة، يتحكم اليهود فيها دون أن ينازعهم أحد، ويطردون منها كل من لا ينتمي إليهم أو لا يصانعهم. لقد أصبحت “هوليوود” بسببهم بؤرة تُنحر فيها الفضيلة وتُنشر الرذيلة”.
ما يؤكد هذا التقرير الذي نشرته الصحيفة تلك، دراسة “ألفرد ليلينتال” بعوان “الاتصال اليهودي” حيث جاء فيه كما ينقل لنا “الكعبي” في بحثه المذكور سابقا: “عمق السلطة والقرار اليهودي الممنهج في الولايات الأمريكية محير للعقول، ويمكن القول إنّ الحصة الكبيرة من هذه السلطة ترجع إلى السيطرة على وسائل الإعلام”.
ومحصلة هذه السيطرة يسوقها على لسان الدكتور “حسن عباسي” هي أنّ “النظام االفكري الأمريكي ليس شيئا آخر غير هوليوود، لذا فإنّ أهميّة هوليوود وصناعتها للأفلام التي تشكل الحضارة في كفة، وكل الصناعات والاقتصاد والقوى العسكرية في هذا البلد في كفة أخرى” فلا غرابة أن يصرح الرئيس الأمريكي “روزفلت” وهو يفتتح هوليوود عند إنشائها “من هنا سنصنع عظمة أمريكا”.
نقل “الكعبي” كذلك عن الكاتب “مارك وبر” في دراسة له بعنوان “هوليوود والأيادي الخفية وراء الكواليس” يقول فيه: “رغبة هوليوود الجنونية في كسب الأرباح الهائلة تعكس أضرارا جسيمة على المجتمع.. تتسبب في ترويج ونشر الرذائل وإنتاج ثقافة متدينة جدا.. يُضاف إلى ذلك التاريخ الطويل لهوليوود في ترويج الأيديولوجيات والأهداف السياسية الطائفية والقومية.. هوليوود لها دور واضح في هذا الانحطاط الأخلاقي والثقافي في الولايات المتحدة وكثير من دول العالم تتجاهل ذلك”.
إذن: إنّها “هوليوود” التي تتربع على عرش الإنتاج السينمائي، وهي التي تصنع لنا “أمريكا” التي نعرفها اليوم، وأهم ميزتين تظهرهما لنا “هوليوود” هذه في أفلامها: العنف والتحلل الأخلاقي، وهذا التحلل يريدون لحصة منه أن تكون من نصيب الأطفال كذلك؛ أمام تجاهل العالم وصمته.
-2-
نقل الجزء الأول من هذا المقال، المنشور في عدد “الرؤية” بتاريخ 16 يوليو الجاري، أنّ هوليوود التي يسيطر عليها اليهود تعمل لأجل بث “أيديولوجيا ناعمة” تتصف بالتحلل الأخلاقي، لأجل تغيير أفكار العالم.
هذه النتيجة يخلص إليها باحث آخر، وهو الدكتور “خضر حيدر”، في بحثه بعنوان “الميديا اليهودية: ملحمة التضليل الكبرى في السيطرة على العالم”، المنشور في العدد 11 من مجلة “الاستغراب” يقول فيه: “لقد ظل نفوذ اللوبي اليهودي لسنوات عديدة غير مكتشف بل ظل متجاهلا أو متخفيا بفضل وسائل الإعلام التي كان يسيطر عليها وبفضل غالبية المعلقين إلا أنّه في 10 مارس عام 2006 نشر اختصاصيان أمريكيان محترمان هما البروفيسور استيفان والت من جامعة هارفارد وجون مير شيمر من جامعة شيكاغو دراسة في مجلة لندنية تحت عنوان “اللوبي الإسرائيلي وأمن الولايات المتحدة” وهذه الدراسة تتركز حول موضوع التأثير اللا متكافئ الذي يملكه لوبي المصالح الخاصة هذا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتقول بأنّ “إيباك” هي المنظمة الأكثر قوة والأكثر شهرة للوبي الإسرائيلي والتي تفسد بصورة منهجيّة السياسة الأمريكية الخارجية. وفي ختامها تظهر الدراسة أنّ إسرائيل لعبت دورًا كبيرا لدعم إدارة بوش في حربها ضد العراق”.
يستمد ذلك اللوبي هذه القوة من تعاون وثيق مبني على علاقة حميمة مع “البنتاغون”. ينقل لنا “الكعبي” عن “عبد الحليم حمود” في كتابه “سينما الدعاية السياسية” أنّ: “هوليوود كانت على الدوام مع توجهات وتوجيهات وسياسات كل الإدارات الامريكية، إنّ هوليوود خاضت مع الإدارة الأمريكية كل حروبها وكانت معها في كل معاركها ووقفت إلى جانبها في كل العهود والمواقف والملمّات، ليس ثمّة صناعة سينمائية وتلفزيونية في العالم لعبت الدور الذي تلعبه هوليوود”.
هذه الهيمنة قد بلغت من المتانة بحيث إن اليهود لا يمانعون من التصريح بذلك جهارًا أمام الرأي العام الأمريكي، إذ ينقل لنا البحث “إمبريالية الفن السابع” عن “جوئي استين” في مقال نشر بصحيفة “لوس آنجلس تايم” يقول فيه: “كشخص يهودي أقول وبرفعة رأس وأريد أن يطلع الأمريكيون على ذلك: نعم نحن اليهود نسيطر على هوليوود ولا يهمني ما هي وجهة نظر الأمريكيين حول سيطرتنا على وسائل الإعلام وهوليوود وول استريت وإدارة الحكومة والذي يهمنا هو وجوب واستمرار سيطرتنا على هذه المراكز”.
ولنعد إلى “والت ديزني” التي بلغت إيراداتها نيف و23 مليار دولار من أكثر من نيف و 600 فيلم، ثاني كبرى شركات هوليوود، تتبعها مجموعة من الشركات المتخصصة بالإنتاج التلفزيوني مثل “والت ديزني تلفيجن” و”تاتشستون تلفيجن” و”بوينا فيستا” إضافة إلى شبكات الكيبل التي بلغ مشتركوها أكثر من 100 مليون مشترك، يرأسها اليهودي “مايكل آيزنر”، الذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنّه “مهووس بالسيطرة”، هذا بحسب صاحب البحث المعنون بملحمة التضليل الكُبرى، يبدو أنّها مصممة تمامًا لممارسة غسول أدمغة الصغار، ففي منتجها الأخير الذي اكتسح دور السينما Toy Story 4 تمّ تقديم الشخصية الرئيسة لفيلم الأطفال هذا، يُجاهر بأنّه مثلي، كما وتضمن الفلم لقطة إجهاض!
يقول الرئيس التنفيذي للمؤسسة “روبرت آيغر” كما تنقله عنه “Genesius Times “: “نحن في عام 2019، ونرى أنّ الأطفال الآن أكثر جهوزية للتعرض لهذه التطورات المعروضة في شخصيات الفيلم”.
(genesiustimes.com ).
تساعدنا المعلومات المارة أن نخرج منها بنتيجة هي أنّ العالم وأطفاله كذلك، فعلا في مرمى هوليوود، إذ أنّ الولايات المتحدة تمتلك “سلطانا ذا مدى لا يُسبر غوره، يسمح لها منذ عشرات السنين بقولبة فكر بضعة مليارات من الأفراد، وعبر الصحافة والسينما والتلفزة والراديو، وجدوا طريقة لاختراق العقول عبر الثقافة والآداب والإعلام والسياسية واستعمال القوة”. (أنظر: الميديا تحت سطوة الآيدلولوجيا للباحث “علي قصير” ينقله عن “أمريكا التوتاليتارية”: العدد 11: مجلة الاستغراب”).
لقد عملت، ولا تزال، الميديا الأمريكية، بوصفها أداة للإخضاع والسيطرة وتغيير الأفكار، على تحويل صورة الاسلام إلى عدو، كما وعملت على ابتكار مصطلح “المجتمع الدولي” الذي لا يعني إلا أمريكا ومن معها فحسب، بينما ابتكرت مصطلح “منطقة الأزمة الدائمة” لتصف به منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، ومصطلح “الرأي العام” الذي لا يعني أحدًا على الاطلاق إلا الشركات الكُبرى، ويجري الآن العمل على قدم وساق لإعداد استراتيجية لإدارة “التوحش” عبر حروب “الجيل الرابع” كما يصفها “عامر عبد زيد الوائلي” في بحثه بعنوان “الميديا بين التصنيع والتصنيم: رهانية التسلّط الامريكي والإرهاب” المنشور في العدد ذاته من مجلة “الاستغراب”.
تبدو في الأفق محاولات جادة للكشف عن الأكاذيب التي تتبع تعطش السياسات الممجدة لمشروعية الحروب، والأعمال السينمائية المدمرة لأخلاق الأطفال، علها تتمخض عن رؤى مقاومة لهذه الهيمنة، وإلى أن تصبح هذه المحاولات ناضجة، من الضرورة بمكان أن تظل أعيننا مفتوحة، فما تقدمه “والت ديزني” من تسلية للطفولة، ليست جميعها بريئة تماما، لذا وجب على بيوت التربية والتعليم الفحص الدقيق لما تلقيه أياديهم من أعمال على موائد التسلية البريئة، دون أن نغتر بشعار PG12 أو G دون تدقيق.